في عالم كرة القدم، حيث تُقاس العظمة بالأرقام والخبرات، يخرج بين الحين والآخر نجمٌ يُذهل الجميع بموهبته التي تسبق عمره. لامين جمال، الفتى الإسباني ذو الـ17 ربيعاً، ليس مجرد موهبة واعدة، بل ظاهرة استثنائية تحوّلت إلى حقيقة ملموسة في سماء الكرة العالمية. فبعد أن قاد برشلونة للفوز بكأس ملك إسبانيا على غريمه اللدود ريال مدريد (3-2)، بات عنواناً للعبقرية المبكرة، وحلقة جديدة في سلسلة انتصار الإرادة على الزمن.
من لاماسيا إلى الأسطورة
وُلدت أسطورة "جوهرة برشلونة" في أكاديمية لاماسيا، المفرخة التاريخية للنجوم، حيث قضى جمال 9 سنوات يصقل موهبته قبل أن يخطو إلى ملعب الفريق الأول عام 2023. ومنذ تلك اللحظة، بدأ الفتى الأشقر في تدوين اسمه بحروف من ذهب، محطماً الأرقام القياسية واحداً تلو الآخر، وكأنه يسبق عقارب الساعة بخطوات واسعة. ففي الكلاسيكو الأخير، لم يكتفِ جمال بصناعة هدفين لزميليه بيدري وفيران توريس، بل قدّم عرضاً فنياً جعل الجميع يتساءلون: كيف لمراهق أن يمتلك هذه الحكمة الكروية؟
الأرقام تتحدث: سجلاتٌ لا تُصدّق!
إذا كانت كرة القدم لعبة أرقام، فإن جمال حوّلها إلى معادلة رياضية باهرة. بدءاً من كونه أصغر لاعب يشارك في الدوري الإسباني بالقرن الحادي والعشرين (16 عاماً و38 يوماً)، مروراً بتسجيله هدفاً تاريخياً لمنتخب إسبانيا أمام جورجيا (16 عاماً و57 يوماً)، ووصولاً إلى تحطيمه سقف التوقعات في دوري الأبطال ويورو 2024، حيث أصبح أصغر لاعب يسجل ويصنع أهدافاً في البطولتين القاريتين. بل إنه دخل تاريخ الكلاسيكو مرتين: أصغر مشارك ثم أصغر هداف في عمر 17 عاماً و105 أيام!
لكنَّ الرقم الأكثر دلالة هو خوضه 50 مباراة رسمية مع برشلونة قبل أن يبلغ السابعة عشرة، وهو إنجاز يلخّص ثقة المدربين به، وقدرته الفذة على تحمّل الضغوط منذ نعومة أظافره.
ليس مجرد رقم: العقلية التي تفوق العمر
ما يميز جمال ليس فقط سرعته الخاطفة أو مهاراته السحرية، بل نضوجٌ عقلي جعله عنصراً أساسياً في تشكيلة البارسا. يقول عنه المدرب السابق تشافي هيرنانديز: "لامين يقرأ المباراة كقائد مخضرم، قراراته في الملعب دقيقة كساعة سويسرية". هذه العقلية تجلّت في نهائي اليورو 2024، عندما سجل ضد فرنسا في نصف النهائي، ثم شارك في الفوز على إنجلترا بالنهائي، ليكون أصغر لاعب يرفع الكأس الأوروبية (17 عاماً ويوماً واحداً).
مستقبلٌ يكتب نفسه
اليوم، وبينما يحتفي العالم بلامين جمال كواحد من أفضل الأجنحة عالمياً، يتذكر الجميع مقولة الأسطورة ليونيل ميسي: "الموهبة الحقيقية لا تعرف عمراً". فجمال لم يكتفِ بكسر الحواجز، بل حوّلها إلى جسر يعبر منه نحو مستقبل يلمع بألقابٍ أكثر، وسجلاتٍ أعتى. وفي كل مرة يسأل فيها المشككون: "هل يمكن أن يصبح أفضل؟"، يجيبهم الفتى بقدميه على أرض الملعب: هذه البداية فقط.
وعندما يتعلق الأمر بلامين جمال، فإنَّ القاعدة الوحيدة هي: توقع غير المتوقع. ففي عالمه، المستحيل مجرّد رقم قياسي ينتظر التحطيم.
التعليقات