يبذل المحللون المتابعون لتسلسل عمليات الشغب في بريطانيا جهودًا مضنية للتمييز بين تحركات الشباب العربيّ الثائر على حكوماته المستبدّة، وما يحدث في عاصمة الضباب من سرقات ونهب ومواجهات مع الشرطة. لكنّ ذلك التمايز لا يلبث أن يختفي عندما يتعلق الأمر بمحرّك الاحتجاجات ووسائلها...فكلا المحتجين استعملوا التكنولوجيا الحديثة للتنسيق والتحرك.


خدمة التراسل الفوري لأجهزة بلاك بيري ساعدت المحتجين في بريطانيا على تنسيق هجماتهم وتنظيم صفوفهم

أشرف أبوجلالة من القاهرة وإسماعيل دبارة من تونس: لكل أحداث شغب جناة ومسؤولون، سيدفعون ضريبة العنف عاجلاً أم آجلاً، لكن ماذا لو تبيّن أن الجناة الحقيقيين هم مواقع التواصل الاجتماعي وآخر ما جاد به العقل البشريّ من تكنولوجيا متطورة للتواصل والتراسل والدردشة؟

شغب بريطانيا الذي تتصاعد وتيرته منذ 5 أيام في لندن وعدد من المدن الأخرى يدفع بكثيرين إلى طرح هذا التساؤل.

فالمذنب الأساسي قد لا يكون quot;الملثمونquot; الذين هاجموا المحال والمتاجر والمنازل، بل هو من سهّل لهؤلاء التنسيق والتواصل، لتكون هجماتهم جماعية دقيقة ومنسقة، بحيث تعجز أعداد الشرطة الغفيرة عن صدّهم أو اعتقالهم.

يُرجع كثيرون اتساع نطاق ما يسمّى quot;العدوان المدنيquot; في بريطانيا إلى استخدام خدمة التراسل الفوري عبر أجهزة بلاك بيري المتطورة وذات التشفير المعقّد والآمن. ويعتقد مسؤولو الشرطة أن معظم المتظاهرين يستعينون بالهواتف الذكية من أجل التخطيط والتنسيق لأعمال الشغب.

وقد أعلنت من جهتها شركة quot;ريسيرش إن موشن ndash; RIMquot; ndash; التي تعتبر الشركة الأم لبلاك بيري ndash; أنها أخبرت الشرطة بأنها ستتعاون معها، وستساعد في ما يتم إجراؤه من تحقيقات.

وأوردت صحيفة الغارديان البريطانية عن باتريك سبينس، العضو المنتدب في RIM، قوله إن الشركة ستُسَلِّم الرسائل الفورية التي أرسلها المشاغبون من مستخدمي خدمة التراسل الفوري لأجهزة بلاك بيري. وهو المعني الذي أعلنته الشركة في بيان نشرته في هذا الصدد على المدونة الداخلية لبلاك بيري بمجرد موافقتها على مساعدة الشرطة.

quot;المشاغبونquot; متمسكون بسلاحهم

يدرك مستعملو بلاك بيري من المحتجين البريطانيين ومثيري الشغب والعنف، أن تنفيذ شركة RIM لوعودها في ما يتعلق بالكشف عن مراسلاتهم، سيجعلهم يخسرون أنجع سلاح لديهم، وهو السلاح الذي جعل عمر احتجاجاتهم يقترب من الأسبوع من دون أن تتمكن السلطات من فرض الأمن، لذلك كان ردّهم quot;عنيفاquot;.

إذ هدد مثيرو الشغب في بريطانيا شركة RIM من مغبة تسليم معلوماتهم وآثار رسائلهم على أجهزة بلاك بيري للشرطة البريطانية، متوعدين إياها بالندم لو نفذت ذلك.

وانتشرت على ماسنجر quot;بلاك بيريquot; رسالة تقول بالحرف الواحد: quot;عزيزتي شركة RIM، لن تساعدي الشرطة البريطانية، لأنك لو فعلت ذلك سوف تتسببين بالأذى لأشخاص يملكون أجهزة بلاك بيري وجدوا في المكان والزمان الخاطئينquot;.

وأضافت الرسالة أن هؤلاء الأشخاص سيتعرضون للضرر بلا أي سببٍ على الإطلاق، وذلك وفق ما نشرت صحيفة quot;تلغرافquot; البريطانية.

أجهزة quot;بلاك بيريquot; تتمتع بنظام رسائل مجاني يدعى quot;بلاك بيري ماسنجرquot; يتيح إمكانية إرسال رسائل بالمجان فرديًا وضمن مجموعات مغلقة، وتؤمِّن شركة RIM الكندية حماية خصوصية أصحاب الأجهزة تجاه المراقبة الأمنية.

ورد مثيرو الشغب بعد انتشار معلومة مفادها أن الشركة تنوي مساعدة الشرطة البريطانية في ملاحقة أصحاب الرسائل، التي باتت تتحكم بالأمن في لندن، بعدما أصبحت وسيلة التواصل بين الشبان الذين ينتظرون تحديد المناطق المستهدفة لاحقًا.

في سياق متصل، اخترق عدد من الهاكرز منتدى شركة quot;بلاك بيريquot;، وذكروا أنهم حصلوا على معلومات جميع الموظفين، وأنهم مستعدون لنشرها على الملأ ونقلها للمحتجين.

وأضافت الرسالة: quot;هل تريدون حقًا محتجين غاضبين يدقون أبواب منازلكم.. فكروا بالأمر ولا تعتقدوا أن الشرطة ستحمي موظفيكم.. الشرطة عاجزة عن حماية نفسها، فما بالكم الآخرينquot;.

وكانت شركة RIM نشرت قبل يومين رسالة تعاطف مع سكان لندن لما ألمّ ويلمّ بالمدينة من حرائق وعمليات سرقة ونهب ينظمها مئات الشبان.

واندلعت الأحداث الأخيرة هذه عقب مقتل شخص يدعى مارك دوغان، يُقال إنه تاجر مخدرات، على يد قوات الشرطة، وهي الأحداث التي لم تشهدها لندن منذ أكثر من 30 عاماً. وسقطت أول ضحية لأعمال الشغب هذه، بعدما أُطلِق النار على شاب يبلغ من العمر 26 عاماً في مقاطعة كرويدون في جنوب لندن، ولقي مصرعه في المستشفى. فيما قالت الشرطة إن الملابسات التي تحيط بالحادثة غير واضحة.

وفي تصريحات أدلى بها لمحطة (إيه بي سي نيوز) الأميركية، قال جون دارسي، وهو أستاذ مساعد في إدارة تكنولوجيا المعلومات في جامعة نوتردام: quot;بالنظر إلى السهولة والسرية التي يمكن أن تتم من خلالها تلك الهجمات وكذلك قضايا الاختصاص، من المحتمل أن يظل الأفراد الأشرار في مقعد القيادة في المستقبل المنظورquot;.

تويتر في خدمة quot;حملات التنظيفquot;

واجهة أحد محال بيع الهواتف الجوالة وقد تمّ تهشيمها خلال الاحتجاجات الأخيرة في لندن

على صعيد متصل، بدأت جماعات من المواطنين البريطانيين بالاستعانة بموقع تويتر للتدوين المصغر من أجل تنظيم حملات نظافة في المناطق التي تضررت بشكل كبير، جراء أعمال الشغب التي وقعت على مدار الأيام الثلاثة الماضية في مناطق في شمال وجنوب وشرق وغرب العاصمة البريطانية، لندن.

تتم عمليات التنظيف تلك التي يشارك فيها مواطنون رافضون أو متضررون من عمليات العنف والشغب، بالتنسيق التام مع الشرطة البريطانية.

والحساب الذي تم تدشينه على الموقع لهذا الغرض التحق به أكثر من 48 ألف متتبع بعد إطلاقه بسبع ساعات فقط، وبدأ يُنشَر على هذا الحساب قائمة بالأماكن والمواقيت التي يمكن أن يجتمع فيها الناس من أجل المباشرة في حملات التنظيف، وكذلك نصائح تحثهم على إحضار أكياس متينة لحمل الزجاج والأشياء الثقيلة، وأدوات خاصة بأعمال البستنة، وقفازات مطاطية.

تلك المبادرة، بحسب ما أوردته مجلة فوربس الأميركية، تتيح للسكان المحليين فرصة مواجهة العجز الذي يشعرون به بشأن معالجة هذا الوضع الفوضوي.

الفكرة التي ترتكز عليها تلك المبادرة هي quot;اقذف بأي شيء في العاصمة البريطانية، وسيأخذ السكان على عاتقهم مسؤولية التعامل مع أمر كهذا عبر الثقة بالنفس وبعض الاستخفافquot;.

وفي الوقت الذي يتردد فيه أن المشاغبين يستعينون بأدوات الإعلام الاجتماعي كفايسبوك وتويتر وخدمة التراسل الفوري عبر أجهزة بلاك بيري للتشجيع على شن مزيد من العنف، بدأ يستعين السكان المحليون في الوقت نفسه بأدوات مماثلة للتنظيف.

ويمكن للأشخاص المشاركين في تلك المبادرة أن يستدعوا الشرطة قبيل قيامهم بعمليات التنظيف، للتحقق من أن كل المواقع المقترح تنظيفها لا تمثل ساحات جرائم.

ودعا ليلة الثلاثاء مفوض شرطة العاصمة المنوط بتقديم المساعدات جميع المواطنين إلى عدم التجمع بالقرب من أماكن الشغب، لكي تتمكن الشرطة بصورة أكثر فعالية من التعامل مع مثيري الشغب وأن تبقيهم في منازلهم.

وقالت شرطة العاصمة إن ليلة الثلاثاء الماضي كانت quot;أسوأ ليلة شهدتها في الذاكرة المعاصرة من حيث المستويات غير المقبولة من عمليات النهب التي حصلت على نطاق واسع وكذلك الحرائق والفوضىquot;.