"إيلاف"&من الضفة الغربية: في بناية عاشت خمس ساعات من القصف في مخيم عين بيت الماء، كل شيء كان بنكهة الموت والدمار، حتى في طبيعته، دخلنا منزل الشهيد الدكتور أحمد صلاح، حدثتنا زوجته بطعم الموت الذي دخلها وسبب لها فجيعة عمرها، قالت إن الجيش طرق الباب، وخرج زوجها ليفتحه وقبل ان يفتح، كان الرصاص مخترقًا الباب الحديدي ليصيب جسد زوجها بعشرات الرصاصات.
وتابعت "دخل الجيش الصالون، اطلقوا النار على الصغير محمد (15 سنة) وغرق بدمه". صمتنا وتأملنا المكان وبقع الدم والرصاص الشاهد وصور الاب والابن الشهيدين.
التقينا شاهدًا آخر، كان هو أيضا مرشحًا للموت بعد أن رشحه الجنود الخائفون المدججون بالموت ليكون درعًا بشرية، طلبوا منه جلب الشهيد يامن فرج من بين مجموعة أشجار، كان مصابا بقدميه، تقدم نحوه وجلبه لهم، طالبوه بالابتعاد بسرعة واخذت القذائف والرصاصات تهتك بجسده على مرأى الجميع، وكانت عملية الاعدام.
تابع قائلا: لقد متّ من هول المشهد، من شدة الجريمة التي لن أنساها في حياتي، الصواريخ والرصاص يطلق من جميع الجنود واللحم والدم يتطايران من جسده.
تبدأ سلام المصري زوجة الدكتور خالد بوصف المشهد المؤلم الذي استشهد فيه زوجها وابنها وتقول :" بدأت العملية في تمام الساعة الثانية والنصف ليلا، حيث سمعنا دوي اطلاق نار في أنحاء متفرقة من المنطقة، وبعد ذلك بساعة تقريبًا بدأنا نشعر بالرصاص داخل المنزل، وكنا قد اتخذنا جميعنا زاوية في أحد الممرات".
وتؤكد المصري على أن الوضع استمر على هذه الحال حوالي الساعتين والرصاص يقتحم كل ركن من المنزل، الواقع في الطابق الثاني من مبنى سكني مكون من خمس طبقات، مشيرة الى أن كل الشقق كانت تتعرض لعمليات اطلاق نار وقصف صاروخي.
وتضيف زوجة الشهيد انها خرجت من المنزل وهي تصرخ على الجنود بأنها بحاجة إلى سيارة إسعاف لأن هناك مصابين بالداخل، لكن قوات الاحتلال لم تستجب لصراخها، وأمرتها بالخروج الى الشارع، واقتادتها إلى حيث يحتجز باقي أفراد البناية.
وهنا طلب أحد الضباط من المواطن حازم الجابر الصعود إلى الشقة لإخراج المصابين ويقول الجابر:" دخلت الشقة فعرفت فورا أن الدكتور خالد ونجله قد استشهدا، حيث وجدت محمد ملقى على الأرض، ورجلاه على الأريكة وكان غارقا في بحر من الدم، حملته وخرجت به إلى الشارع، ووضعته عند الجنود".
ويشير الجابر الى أن قوات الاحتلال طلبت منه من جديد أن يذهب الى المنزل ليخرج الجثة الأخرى، لكنه برر رفضه بمرضه، ليذهب بدلا منه شابان آخران، ويعودان من جديد بجثة أخرى مضرجة بدمائها. أما الشهيد يامن فرج فأجمع شهود العيان والدروع البشرية أنه تم اعدامه بالقذائف والصواريخ ويؤكد الشاب عبود الحوت أن الجنود طلبوا منه أن يصعد الى البناية السكنية ويبحث عن أية جثث أو أسلحة، ويقول :" فتشت كامل البناية لكن لم أجد شيئا، فأمروني بعد ذلك أن أنزل إلى الساحة، أسفل العمارة لأبحث هناك بين الأشجار، ووجدت فعلا شخصا مصابا، ورجله اليسرى شبه مبتورة".
ويتابع الحوت:" سمعت صوتا خافتا يناديني، فإذا به الشاب المصاب -يامن فرج- طلب مني أن أنفذ أوامر الجنود وقال:" افعل ما يطلبونه منك لكي لا نقتل أنا وأنت".
وأكد الحوت أنه بعد أن أصر يامن على طلبه فانه قام بنقله الى ساحة البناية السفلى، وأضاف :" بعد ذلك طلب مني الجنود أن ابتعد عن المكان فورا، بعدما تجمعوا حوله، وما أن تجاوزت مسافة العشرة أمتار، والا بالقذائف وزخات الرصاص تنطلق باتجاه فرج، لقد كانت عملية إعدام فظيعة، استعملوا خلالها القذائف التي صوبت نحو رأسه".
أما عن الشاب الشهيد أمجد مليطات حنني فأجمع الشهود على أنه استشهد قبل يامن، حيث سحبت جثته من بين الأشجار وكانت روحه قد فاضت إلى السماء، بعدما استقرت عشرات الرصاصات في صدره.
هذا في وقت يؤكد فيه الدكتور مهدي فضة، أحد سكان العمارة، على ان القصف العشوائي تجاه البناية استمر لمدة أربع ساعات ويقول:" لقد اخترق صاروخان الشقة التي اسكن فيها، وكنت في ذلك الوقت مختبئا، في أحد الممرات الضيقة، وقد أدى ذلك إلى حدوث حريق داخل المنزل، وكنت ما زلت داخله، وبصعوبة بالغة تمكنت من إطفاء الحريق، وفي هذه الأثناء أيضا كان القصف مستمرا وإطلاق الرصاص يأتي من كل النوافذ.
لم يكن بيت فضة وحده مر بهذه المحنة وإنما كل منازل البناية، كان لها نفس المعاناة، فليلة من الرعب عاشها الصغار والكبار، عندما كانت الصواريخ تدك منازلهم، وهم داخلها.