غزّة والمصرفية الإسلامية.. الملفان حديثا التخرّج في قمّة الرياض |
عبد الله الشمري- إيلاف: تراوحت العلاقات السعودية التركية بين البرود والتحسن منذ 1932م وكان ذلك لعدة أسباب منها اختلاف المبادئ التي قامت عليها الدولتان فالمملكة قامت على أساس ان الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع الأول فيما قامت تركيا الحديثة على أساس علماني ومجافي للدين إلا أنها في الوقت نفسه لم تكن علاقات متوترة حيث أدت العديد من الأحداث الإقليمية إلى تعزيز العلاقات السياسية وأبرزها الأزمة القبرصية وموقف الغرب المعادي لتركيا ووقوف المملكة إلى جانب تركيا وتقديم المساعدات إلى تركيا وللقطاع التركي في قبرص، إلى ترك أثر عميق في الرأي العام التركي، وبدأت مرحلة جديدة جيدة من العلاقات كما أدى نجاح الثورة الإيرانية واعتماد قادتها مبدأ (تصدير الثورة الإيرانية) في السياسة الخارجية إلى تحسن موقت في العلاقات السعودية التركية كما اعتبر استيلاء القوات السوفيتية على أفغانستان تهديدًا واضحًا للدولتين مما جعل مواقفها تجاه الغزو تتطابق كما أدت الحرب العراقية الإيرانية إلى تقاطعات في المصالح بين المملكة وتركيا.
وتحسنت العلاقات بين البلدين في عهد رئيس الوزراء ثم الرئيس تورغوت اوزال، إلا أنها رجعت للبرود بعد وفاته ثم تحسنت في عهد رئيس الوزراء نجم الدين اربكان (يونيو 1996م ) والذي لم يستمر في منصبه اثر فوز حزب العدالة والتنمية ذوي التوجهات المحافظة بقيادة رئيس الوزراء (رجب طيب اردوغان) وحصول حزبه على الأغلبية البرلمانية في انتخابات نوفمبر 2002م.
وكان من أهم نتائج وصول حزب العدالة والتنمية للحكم توثيق العلاقات السعودية التركية على كافة المستويات وجاء تعزيز العلاقات نتيجة قناعات القيادة السعودية وقادة حزب العدالة والتنمية يضرورة تسريع تنامي وتيرة العلاقات بين البلدين على أمل أن تتطور في المستقبل بشكل اكبر لتصبح علاقات إستراتيجية خاصة وان تركيا تتطلع إلى تجاوز الكثير من العقبات غير الضرورية والتي حدت من تطوير العلاقات والتي تأتي في المقام الأول لصالح شعبي البلدين ولتعزيز وضع زعامتهما في العالم الإسلامي باعتبار أن المملكة وتركيا أهم وأقوى دولتين في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي وخاصة أنه في ظل الإدراك والاحتياج الإستراتيجي المشترك للطرفين تبرز الحاجة إلى ضرورة تفعيل علاقات الدولتين وتطويرها .
وهناك حقيقة هامة ذات بعد ديني وحضاري وهي أن التوجه التركي نحو تعزيز علاقاتها مع المملكة والدول العربية والعودة للجذور الإسلامية لم يأت فقط نتيجة مصالح سياسية أوأقتصادية بل هو نتيجة قناعات النخبة السياسية المعتدلة والمتدينة وشعورها بأن مشروع اندماجها بالغرب والاتحاد الأوربي غير ممكن لأنه ثبت لديها أن العوامل الحضارية والخلفيات الدينية هي الحاسمة في علاقاتها مع أوروبا المسيحية وليس العوامل السياسية أو الاقتصادية لان فكرة الاتحاد الأوروبي هي محاولة لإحياء تقليد قديم متأصل في الحضارة الغربية يستهدف استرداد مركز الحضارة المسيحية على يد أوروبا مرة أخرى بل إنه حتى جزء من النخبة العلمانية البرجماتية في تركيا رأت أن تعزيز علاقات تركيا مع محيطها الإسلامي ومع جيرانها العرب سياسيا وثقافيا واقتصاديا و- خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة - هو السبيل الأوحد الضامن لتعزيز الموقف التفاوضي التركي مع الاتحاد الأوروبي بل وهناك من يرى انه إذا استغلت تركيا جيدا علاقاتها وإمكانات الشرق الأوسط واسيا الوسطى فإنها ستدخل الاتحاد الأوروبي بشروطها هي لا شروط الجماعة الأوروبية. كما تزامن هذا التقارب التركي مع المملكة مع نمو جيل نخبوي تركي يرى إن إعادة إحياء الهوية الإسلامية وفق أسلوب واقعي ومعتدل هو صيغة أخرى من صيغ التحولات الحضارية ،ويمكن أن يقدم بديلا حضاريا متكاملا بدلا من أن يكون مصدر تهديد للغرب.
ومن جانب المملكة فإن هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م وما تلاها من رفع واشنطن شعار الحرب على ما سمي بالإرهاب الإسلامي وتعرض المملكة لهجوم شرس واتهامات عديدة من قبل الولايات المتحدة الأميركية ثم الحرب على أفغانستان وإظهارها إعلاميا أنها - حرب صليبية- ضد الإسلام والمسلمين والهجمات الإرهابية في المملكة وغزو العراق وتزايد النفوذ الإيراني في العراق . كل هذه الأسباب مجتمعة جعلت النخب السياسية والثقافية في المملكة يقتنعون بضرورة تسريع تنسيق المواقف بين المملكة وتركيا والبدء ببناء علاقات إستراتيجية لمواجهة المستجدات والمخاطر الجديدة حيث ذكر وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل ذلك بصراحة في حديثه لصحيفة (ملييت ) التركية في 7 أغسطس 2006م إن quot;علمانية الدولة في تركيا لايمكن إن تشكل عائقا إمـام تحقيق شراكة إستراتيجية بين البلدين quot; والسعودية quot;تود إن ترى تركيا شريكا استراتيجيا quot;.
وكان خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ال سعود من أكثر القادة العرب فهما للتغيير الذي حصل في تركيا فكان أول زعيم عربي يقوم بزيارتين لتركيا في اقل من عام ونصف وكانت زيارته لتركيا خلال شهر أغسطس 2006م نقلة إستراتيجية في تاريخ العلاقات وهي أول زيارة رسمية لملك سعودي لتركيا في تاريخ العلاقات بين البلدين وفي مقابلة مع قناة العربية مع عبد الله غول نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية التركي ndash;آنذاك- في 8 اغسطس2006م قال عن مدى تأثير زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى تركيا (المملكة العربية السعودية وتركيا أهم دولتين في العالم الإسلامي ، فالسعودية فيها مكة والمدينة فهي قبلة المسلمين ولهذا نولي السعودية اهتماماً مضاعفاً. أما تركيا فهي دولة مسلمة وديمقراطية تربط الشرق بالغرب إضافة إلى علاقتنا التاريخية العميقة والمتعذرة دينياً وثقافياً. وأن اهتمامنا كان واضحاً من خلال التحضير المسبق للزيارة الذي دام عامين كاملين وأنا واثق من أن السعودية أيضاً تولي الزيارة نفس القدر من الاهتمام. وخصوصية الزيارة تثبت أن العلاقات بين البلدين تتجاوز كونها مجرد علاقات تجارية إستراتيجية إلى روابط وعلاقات قائمة على الإخوة والأواصر التاريخية والثقافية المشتركة النابعة من العقيدة الإسلاميةquot;.
ثم جاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين الثانية لأنقرة في 9نوفمبر 2007م وذلك لتهنئة الرئيس التركي عبدالله غول بانتخابه رئيسا للجمهورية التركية وكذلك بحث العلاقات الثنائية معه ومع رئيس الوزراء التركي طيب رجب اردوغان وكانت هذه الزيارة الثانية إحدى دلائل القفزة التي شهدتها العلاقات على كافة المستويات بين البلدين خلال الخمسة أعوام الماضية فلم يكن في مخيلة اشد المتفائلين والمتحمسين للعلاقات السعودية التركية قبل أعوام حدوث مثل هذه النقلة السريعة في العلاقات كما عدت من أهم بوادر التطور في العلاقات الثقافية بين البلدين حيث ورد في الإعلان المشترك للزيارة أن quot;يعمل الطرفان على تنظيم فعاليات وأنشطة ثقافية في البلدين بهدف إبراز الثراء الثقافي لديهماquot;.
وكان اختيار الجمهورية التركية كأول ضيفة شرف في تاريخ المهرجان الوطني للتراث والثقافة في الجنادرية للعام 1429هـ دليل جديد على مرحلة متطورة من العلاقات الخاصة بين البلدين .
ولعل الموقف الرسمي والشعبي والاعلامي المؤيد للشعب الفلسطيني عكس بوضوح التوجه الجديد والرغبة في تعزيز العلاقات التركية العربية على كافه المستويات وهذا التحول لم يفهمه العديد من رموز الصحافة العربية والذين ربطوا الموقف التركي تجاه غزة بموقف حزب العدالة والتنمية وعلاقته مع حماس وهذا الربط غير صحيح هو للأسف نتاج إما جهل أو تحامل وهذا يعود إلى ضعف قراءة التاريخ وقلة مراكز الأبحاث العربية المختصة في الدراسات التركية في الوطن العربي ،بالإضافة إلى ضعف التفاعل الشعبي مع تركيا وعدم فهم العقلية التركية، وحدوث هزة في مراكز الدراسات الإستراتيجية في الغرب وخاصة المهتمة بدراسة تطور الفكر الحضاري الإسلامي لإن هذا الفوز كان له خصوصيته وإشاراته ورسائله المتعددة حيث استطاع وللمرة الأولى حزب إسلامي معتدل وذو زعامات شابة وبرجماتية ومنفتحة أن يفرض نفسه على رأس الهرم السياسي والتشريعي في دولة ذات نظام علماني عريق كانت سياستها مجافاة الدين طوال ما يقرب من ثمانية عقود مما اثبت إفلاس النخب العلمانية وفشلها في فرض ثقافة جديدة مطابقة للمفاهيم الغربية كما اثبت ذلك كمون الموروث الإسلامي لدى الشعب التركي وعدم تأثره بأقسى الهجمات الممنهجة سواء كانت من الداخل أو الخارج .
ويعتبر النموذج التركي الحالي مبهرا لشريحة كبيرة من المثقفين المسلمين وقد يكون أحد النماذج الناجحة للمسلم المعاصر الذي يعتز بجذوره الإسلامية والوطنية ويحقق الانجازات الاقتصادية ويحارب الفساد ويتطلع لأن يكون شريكا وندا في عولمة القرن الحادي والعشرين.
أن المرحلة الحالية والمستقبلية تتطلب جهداً مخلصاً لتعزيز العلاقات بين الشعبين السعودي والتركي وزيادة انفتاحهما على بعضهما البعض بعيداً عن حساسيات الماضي الأمر الذي لا يتم إلا بخلق وتكثيف قنوات الاتصال الثقافي والإعلامي على أوسع نطاق لمنع سوء الفهم أو الجفاء حيث أن الحلقة المفقودة في العلاقات الثقافية العربية التركية كانت محدودية التواصل ما بين النخب الثقافية والاجتماعية وقادة الرأي العام وتجسد ذلك في قلة عدد الزيارات المتبادلة على المستوى النخبوي وبالتالي فإن تحقيق زيادة التقارب السعودي التركي يتم ببدء تعاون بناء وذو أبعاد إستراتيجية بين قطاعات المثقفين ورجال الإعلام والأكاديميين السعوديين والأتراك على وجه الخصوص.
التعليقات