دبي: لعل الشارع العربي من المحيط إلى الخليج، خاصة من جاوزوا الأربعين، يعرف اسم quot;غولدا مائيرquot; جيداً. فهي أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية مطلع العام 1969، والتي قدمت استقالتها في عام 1974، على أثر حرب عام 1973 المباغتة من قبل مصر وسوريا.

وبعد نحو 30 عاماً على وفاتها (1978)، عاد اسم تلك quot;المرأة الحديديةquot;، التي كان ترتيبها الرابع بين رؤساء الحكومات الإسرائيلية، يتردد مرة أخرى، وخاصة بعد فوز وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني برئاسة حزب quot;كاديماquot;، الذي يقود الائتلاف الحاكم، مما يرشحها لأن تصبح ثاني امرأة ترأس حكومة الدولة العبرية.

ورغم أنه بدا واضحاً أن ليفني تسير على نفس خطى رئيسة الوزراء الراحلة، حيث تولت كلاهما حقيبة وزارة الخارجية، ومنها انتقلتا إلى رئاسة الحكومة، إلا أن الزعيمة الجديدة للحزب الحاكم، رفضت تشبيهها بأول امرأة تتولى المنصب، قائلة إنها لن تكون quot;مائير الثانيةquot;، وإنما ستكون quot;ليفني الأولى.quot;

ولكن يبدو أن طبيعة التحديات التي تواجهها رئيسة الوزراء quot;المفترضةquot; تتناقض إلى حد كبير مع تلك التي واجهتها الأولى، حيث تشهد الدولة العبرية هذه الأيام توجهات نحو quot;السلامquot; مع الأطراف العربية، خاصة مع السلطة الفلسطينية وسوريا، في الوقت الذي لم يكن هناك صوت يعلو فوق صوت quot;الحربquot;، في عهد مائير.

المثير أن السيدتين تنحدران من شرق أوروبا، وانضمتا إلى المنظمات quot;الصهيونيةquot; مبكراً، مما أكسب كل منهما على حدة، خبرة في العمل السياسي، الأمر الذي ساعدهما في مواصلة طريقهما لتولي العديد من المناصب الحكومية، وصولاً إلى منصب رئاسة الحكومة الإسرائيلية.

فمائير، التي ولدت عام 1898 بالعاصمة الأوكرانية كييف، هاجرت مع أسرتها بداية القرن العشرين، وتحديداً في عام 1906، إلى ولاية ويسكونسن الأميركية، حيث انضمت إلى منظمة quot;العمل الصهيونيةquot; عام 1915، قبل أن تهاجر إلى إسرائيل عام 1921، بصحبة زوجها موريس مايرسون.

وبعد إعلان قيام دولة إسرائيل، وفي أعقاب quot;الانتصارquot; الذي حققته الدولة الوليدة على الجيوش العربية في عام 1948، تم انتخاب غولدا مائير عضواً بالكنيست في العام التالي، كما تولت خلال نفس العام حقيبة وزارة العمل في حكومة ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء للدولة العبرية.

وظلت في هذا المنصب لنحو سبع سنوات حتى عام 1956، قبل أن تتولى وزارة الخارجية للسنوات العشر التالية، في أكثر من تشكيل حكومي، إلى أن تولت رئاسة الحكومة الإسرائيلية بعد وفاة ثالث رئيس للحكومة، ليفي أشكول، في فبراير/ شباط 1969، لتصبح بذلك غولدا مائير أول امرأة تتولى هذا المنصب.

وخاضت مائير العديد من المواجهات، سواء على الساحة الداخلية أو الخارجية، وتزايدت حدة المعارضة الداخلية لها بعد الحرب المباغتة التي شنتها مصر بالتنسيق مع سوريا، على إسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول 1973، ما دفعها إلى تقديم استقالتها في العام التالي.

أما تسيبي، التي تبلغ من العمر 50 عاماً، فتنحدر من أسرة بولندية، ويُعد والدها إيتان ليفني، أحد مؤسسي حركة quot;الأرغونquot;، وهي منظمة يهودية كانت تقوم بأعمال قتالية ضد الفلسطينيين والقوات البريطانية قبل قيام الدولة العبرية، وهي التي شكلت فيما بعد تكتل quot;الليكودquot;، الذي يمثل اليمين quot;المتشدد.quot;

ولكن المحامية الشابة، التي عملت لفترة طويلة ضمن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي quot;الموسادquot;، خلال ثمانينيات القرن الماضي، بدأ نجمها السياسي في الصعود بعد انتخابها لعضوية الكنيست عام 1999 عن حزب quot;الليكودquot;، إلى أن تم اختيارها لتولي وزارة الخارجية في عام 2005.

وبعد انسحاب رئيس الحكومة السابق، إرييل شارون، من quot;الليكودquot;، وتشكيل حزب جديد أطلق عليه اسم quot;كاديماquot; عام 2006، كانت ليفني من أوائل الذين انضموا للحزب الجديد، الذي حقق فوزاً كبيراً في انتخابات 2006، ليدخل في تحالف مع حزب quot;العملquot; لتشكيل حكومة ائتلافية، برئاسة إيهود أولمرت.

ولكن على عكس مائير، فإن ليفني تحظى بتأييد قوي من الأعضاء غير اليهود بحزب كاديما، خاصة أنها تولت خلال السنوات الماضية ملف مفاوضات الوضع النهائي مع السلطة الفلسطينية، وبدأت في إجراء حوار quot;سريquot; مع سوريا عبر تركيا، كما أنها لا ترى مبرراً لشن هجوم على إيران.

ولكن هذه المواقف، التي يصفها مراقبون بأنها quot;معتدلةquot;، كانت موضع انتقادات من جانب مسؤولين إسرائيليين، اعتبروا أن ليفني quot;لا تمتلك الخبرة الأمنية التي تؤهلها لتولي رئاسة الحكومة الإسرائيليةquot;، على اعتبار أن خبرتها العسكرية quot;محدودة.quot;

وجاء أبرز الانتقادات لليفني على لسان أولمرت، الذي قال عنها: quot;أخشى على مستقبل الدولة العبرية إذا ما وصلت ليفني إلى رئاسة الحكومة، فليس لديها ثقة في نفسها، ولا يمكنها اتخاذ قرارات حاسمة، كما أنها تتأثر بمواقف الآخرين.quot; بل تجاوز ذلك بوصفه لها بأنها quot;خائنةquot; وquot;كاذبة.quot;

ولكن يبدو أن انتقادات أولمرت، التي نقلتها العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية، جاءت رداً على دعوتها له إلى ضرورة تقديم استقالته، على خلفية تقرير quot;فينوغرادquot;، الذي حَمل الحكومة مسؤولية quot;الفشلquot; في المعارك التي خاضها الجيش الإسرائيلي ضد quot;حزب اللهquot; اللبناني، منتصف 2006.