كشف مصدر عراقي قريب من مفاوضات تمخضت عن سحب رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي لترشحه لرئاسة الحكومة لصالح المكلف بتشكيلها حيدر العبادي، عن تهديدات أميركية أوصلت إلى القرار الذي اتخذ من دون حصول المالكي على أي ضمانات بعدم ملاحقته بقضايا جنائية، أو وعود بمناصب عليا.


لندن: أشار مصدر عراقي تحدث مع "إيلاف" من بغداد عقب رضوخ المالكي لضغوط داخلية وخارجية بالتخلي عن تطلعه لولاية ثالثة في رئاسة الحكومة العراقية، إلى أنّ هذه الضغوط تكثفت منذ الاربعاء الماضي لدى تأكيد المالكي عدم تنازله عن منصبه، واتخذت منحى خطيرًا بإيصال رسالة اميركية اليه بأن عليه التنحي خلال ساعات ومن دون تأخير والا عرض نفسه لإجراء لا يصب في صالحه، الامر الذي فسره مقربون منه بأنه تهديد بارغامه على التنحي بالقوة التي قد تصل إلى اعتقاله بتهمة عرقلته تطبيق الدستور ووقوفه بوجه تكليف رئاسي وعرقلة العملية السياسية.

وقد ترافق هذا التهديد مع دعوة انطلقت في واشنطن حضّ فيها البيت الأبيض المالكي على التنحي والسماح لخليفته المكلف بتشكيل الحكومة.. وقال الناطق باسم الأمن القومي بن رودس للصحافيين "يجب على المالكي أن يحترم العملية وهذا لم يفرضه أحد من الخارج لكن ما قرره العراقيون انفسهم".

وأضاف رودس أن البيت الابيض "سيكون في غاية السعادة لرؤية حكومة جديدة.. فلم يعمل العراقيون سوية في الاعوام المنصرمة ولم يتم أخذ السنة في الاعتبار بشكل كافٍ، وهذا ما ادى إلى فقدان الثقة في بعض مناطق العراق وداخل القوات الأمنية".

وأضاف المصدر انه انقاذًا للموقف وازاء الترحيب العربي والايراني والغربي الواسع بترشيح حيدر العبادي لرئاسة الحكومة الجديدة والكشف عن رسالة بعث بها المرجع الشيعي الأعلى اية الله السيد علي السيستاني إلى حزب المالكي "الدعوة" يدعو فيها قيادته لاختيار رئيس وزاء جديد، فقد انبرت قيادات في ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي يتقدمهم زعيم حزب الدعوة تنظيم العراق نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي وقيادات أخرى في الائتلاف إلى التحرك انقاذاً للموقف واقناع المالكي بسحب ترشحه طواعية.

وأوضح أن المالكي ظل يناور خلال الاتصالات التي سبقت تنحيه عن ضمانات بعدم ملاحقته قضائيًا بقضايا فساد أوانتهاكات قانونية، لكنّ محاوريه ابلغوه أن الوقت قد تجاوز امكانية حصوله على مثل هذه الضمانات خاصة مع الخصومة التي دخل فيها مع الرئيس العراقي فؤاد معصوم وتقديمه شكوى ضده لدى المحكمة الاتحادية العليا بتهمة خرق الدستور.

وقال المصدر إن المالكي قد ضيع على نفسه هذه الضمانات لو كان طرحها شرطًا لعدم الترشح قبل تكليف العبادي. وأشار إلى أنّ المحاورين ابلغوه أن مثل هذه الضمانات كان يمكن منحها له قبل تكليف العبادي بتشكيل الحكومة ورفضه لهذا الاجراء وتحدي التكليف الرئاسي للعبادي، لكنه بعد صدور التكليف واعتباره رئيس حكومة لتصريف الاعمال فقط، فإنه لايمكن منحه مثل هذه الضمانات.

وقال إن المالكي طالب بمنصب نائب رئيس الجمهورية لكن اعتراضات واجهته ايضًا باعتبار أن نواب الرئيس هم اثنان أحدهما يكون شيعياً وهو الخزاعي الذي يتولى المنصب منذ سنوات، والآخر سيمنح إلى مرشح سني يمكن أن يكون رئيس البرلمان السابق زعيم ائتلاف "متحدون للاصلاح" أسامة النجيفي. وقد دعا رفض طلبه هذا بالمالكي إلى التأكيد في خطاب التنحي بأنه لا يطمع بأي منصب.

وأوضح المصدر أن منصب نائب رئيس الجمهورية لا يمنح شاغله حصانة لأن منصبي نائبي رئيس الجمهورية غير منصوص عليهما في الدستور، وانما ابتدعتهما القوى السياسية ارضاء للمكونات العراقية لكن المصدر لم يستبعد استحداث منصب نائب ثالث للرئيس قد يمنح للمالكي. يذكر أن البيت الابيض قد اشاد في وقت متأخر الليلة الماضية بتخلي المالكي عن مسعاه للحصول على ولاية ثالثة في السلطة وكذلك بدعمه لحيدر العبادي رئيس الوزراء المكلف.

وقالت مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس في بيان "اتخذ العراقيون اليوم خطوة كبيرة أخرى للأمام في توحيد بلادهم". وأضافت: "نثني على رئيس الوزراء نوري المالكي لقراره بدعم رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي في جهوده لتشكيل حكومة جديدة وفقاً للدستور العراقي".

وقالت رايس "هذه تطورات مشجعة نأمل في أن تضع العراق على مسار جديد وتوحد شعبه ضد التهديد الذي يمثله (تنظيم) الدولة الإسلامية في العراق والشام..ستظل الولايات المتحدة ملتزمة بشراكة قوية مع العراق والشعب العراقي.

استعدادات لمقاضاة المالكي

وفي هذا الوقت تستعد منظمات عراقية سياسية وأخرى معنية بحقوق الانسان لفتح ملفات فساد وارتكاب جرائم وانتهاكات ضد المالكي خلال فترة حكمه التي استمرت ثماني سنوات. وينتظر أن تثير هذه الهيئات قضايا تتعلق باعتقالات واغتيالات واعدامات من دون اجراءات قانونية معترف بها.

ومن بين القضايا التي يعتقد أنها ستكون الاولى التي سترفع ضد المالكي هي الهجوم الذي قامت به القوات الأمنية بأوامر منه، بإعتباره القائد العام للقوات المسلحة ضد اعتصام المحتجين في مدينة الحويجة بمحافظة كركوك الشمالية في 23 نيسان (أبريل) من العام الماضي مما ادى إلى مقتل واصابة المئات منهم.

وكان وزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو كشف امس الخميس عن اتصالات اجراها قادة عراقيون من اجل منع المالكي من القيام بانقلاب عسكري.. وأشار إلى أنه بقي يعمل ليلة العاشر من اب الحالي حتى الصباح تزامنًا مع نشر قوات عراقية في اماكن استراتيجية في بغداد واتصاله بواشنطن لمنع المالكي من الانقلاب على السلطة.

وقال اوغلو في تصريحات لصحيفة ديلي حرييت التركية "بقيت يقظًا طوال ليلة العاشر من اب الجاري لاجراء اتصالات لتجنب حدوث محاولة انقلاب في بغداد، عندما تم نشر قوات خاصة موالية لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي برفقة عجلات مدرعة حول مواقع استراتيجية مختلفة في بغداد".

وأضاف انه بقي يعمل لحد الصباح حيث تم في وقت متأخر من تلك الليلة نشر قوات من الشرطة والجيش ومكافحة الارهاب العراقية وبأعداد كبيرة غير اعتيادية شملت عدة اماكن استراتيجية في بغداد".

وأشار اوغلو إلى أنّ مسؤولين اكراداً وقياديين آخرين اتصلوا به بعد منتصف ليلة الحادي عشر من اب فجر يوم الاثنين حين تم تكليف العبادي بتشكيل الحكومة. وأضاف "انهم قالوا لي إن الدبابات تحيط بالقصر الرئاسي فأتخذنا اجراء عاجل واجرينا اتصالاً مع واشنطن وحاولنا ايقاف المالكي".

&وكان المالكي اعلن الليلة الماضية تنحيه عن السلطة وسحب ترشيحه لتشكيل الحكومة الجديدة لصالح المكلف حيدر العبادي الذي كان يقف إلى جانبه، وقال إنه اتخذ قراره هذا من اجل تسهيل سير العملية السياسية وحفاظاً على العراق ووحدته وسيادته واستقراره.

وأضاف المالكي في خطاب متلفز أنه ومن اجل تسهيل سير العملية السياسية فإنه يسحب ترشيحه لرئاسة الحكومة لصالح العبادي حفاظاً على مصالح البلاد. واكد انه سيبقى سندًا لكل من يتسلم امانة المسؤولية ويمارسها بشرف ويظل مدافعًا عن المظلومين والوقوف بوجه الطائفية والارهاب ومحاولات تقسيم العراق.

&