قامت المرأة التونسيّة بدور كبير في إسقاط نظام زين العابدين بن علي، لكنّها اليوم تحتج على تهميشها في الحياة السياسية وحتى في الإعلام.
تجاهد سمية، 25 سنة، طالبة quot;حقوقquot; كي يعلو صوتها على أصوات عدد كبير من الرجال في ساحة تقع قبالة quot;متحف الماليةquot; بشارع روما وسط العاصمة التونسية. تعتقد هذه الشابة النحيفة أن الحكومة الحالية تسعى لـ quot;وأد ثورتهاquot;، ثورة تعتقد أن المرأة كانت عاملًا أساسيًا في نجاحها، في الإطاحة بنظام بن علي.
بعد فترة من ترديد الشعارات المطالبة بحل حزب quot;التجمع الدستوري الديموقراطيquot; وإبعاد رموزه خاصة الرئيس الحالي والوزير الأول وبعض الوزراء، تستجمع المرأة التونسية قواها كي تكمل يومًا طويلاً بين رفع الشعارات والكر والفر مع الشرطة ومقاومة آثار الغازات المسيلة للدموع. quot;كل هذا لن يزيدني إلا إيمانًا بما يدعو له الشباب التونسيquot; تقول إحدى التونسيات بصوت مبحوح.
سمية شاركت في أولى مسيرات الغضب الشعبي بالعاصمة التونسية quot;في البداية كانت أمي تخشى كثيرًا على حياتي، كانت تمنعني وترفض فكرة المشاركة، كنت أوهمها بأني في الجامعة وألتحق بمسيرات الغضبquot;. بعد مرور الأيام لم تعد الأم تخشى عليها quot;حاليا تغيرت الأمورquot;، هذا التغير لا تريد أن تحافظ عليه سمية، وكذلكوعدد من النساء اللواتي ساهمن بشكل كبير في طرد الرئيس بن علي.
فأولى الصور التي طافت العالم كانت لفتاة ترتدي لباسًا عصريًّا تحمل لافتة كتب عليها باللغة الفرنسية quot;بن علي إذهب إلى حال سبيلكquot;. هذه الصورة تصدرت كبريات الصحف العالمية وتناقلتها تلفزيونات العالم. بالنسبة إلى سمية، تلك الصورة هي صورة quot;المرأة التونسية الحقيقية لا كما كان يحاول النظام السابق تسويقها لإظهار أنه نظام عصري.
وكانت المرأة التونسية سباقة إلى نيل حقوقها في العالم العربي أيّام الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، إذ سبق لتونس أن وقعت على اتفاقية quot;القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأةquot; سنة 1979 ودخلت حيز التنفيذ سنة 1981، وتنصّ على أن quot;من حق المرأة أن تقوم، بشروط مساوية للرجل، بالتصويت في جميع الانتخابات، وشغل المناصب العامة، وممارسة جميع المهام العامة التي يحددها القانون الوطنيquot;. قبل هذه الاتفاقية كانت قوانين متقدمة في العالم العربي ناصرت المرأة بتونس سنة 1956 أي بعد الاستقلال مباشرة ثم قانون جديد سنة 1993 أيّام الرئيس المطرود بن علي.
سمية تقول إنها تخشى أن يتم الإجهاض على الثورة، لذا تناضل يوميًّا من أجل حكومة quot;وحدة وطنيةquot;. وتخشى عودة الرموز السابقة quot;كما تلاحظ يتغير أسلوب تدخل الشرطة يومًا بعد يوم، لقد أصبح أكثر عنفًا، وسمعنا أخبارًا غير مؤكدة تتحدث عن مليشيات لحزب quot;التجمعquot; تعمل مع الشرطة، وتسعى إلى التصعيد. الشرطة، كما أخبرنا بعض أفرادها تقول إنها لا تتدخل بعنف، وأن هدفها الأساسي هو تفريق المظاهرات بطريقة سلمية ويفتخر هذا الشرطي أن لا إصابات في صفوف المتظاهرين.
نساء مضطهدات
سمية تقول إن الثورة التونسية، وتفضل هذا الاسم على اسم quot;ثورة الياسمينquot;، قامت في جزء كبير منها بفضل الانخراط القوي للمرأة quot;لا اعتقد أن هذه الثورة كانت لتنجح دون المرأة، لقد خرجت منذ اليوم الأول في جميع المظاهرات التي عجلت بإسقاط نظام بن عليquot;، لكن ثمار الثورة كانت رجالية، كما تؤكد علية، أستاذة في التعليم الثانوي.
هذه السيدة المشاركة في واحدة من مسيرات الاحتجاج ضد الحكومة الجديدة قالت إن quot;المرأة التي بعثت أبناءها وضحت بهم وخرجت إلى الشارع، لم تستفد شيئًا، فالرّجل الآن في الواجهة الإعلامية، الملاحظة نفسها تبديها سيدة، 28 سنة حاصلة على بكالوريا اقتصادية وتعمل نادلة في إحدى المقاهي التونسية quot;المرأة التي عانت أيام بن علي تستحق أن تقوم بدور أكبر حاليًّا، فلقد حضرت منذ اليوم الأول للمظاهرات، كنت في الصفوف الأمامية ولم أخش شيئًا، في الأخير نطلع على حكومة لا تضم سوى امرأتين (مفيدة التلاتلي في الثقافة وليليا لعبيدي في quot;شؤون المرأةquot;).
كان للمرأة دور أساسي في الثورة التونسية، وهذا ما لاحظته زبيدة، أستاذة جامعية quot;اعتقدت في البداية أن الشباب إناثًا وذكورًا، لا يهتمون بشيء، لقد كنت مخطئة كثيرًا، فهؤلاء هم من قادوا الثورة وليس جيلنا، ثورة كانت ناعمة لوجود الجنس اللطيف فيها ولحيوية المرأة واستماتتهاquot; غير أن زبيدة تصر على أن هذه الثورة quot;تونسية برجالها ونسائهاquot;. نقطة لا تتفق معها سيدة العاملة في إحدى مقاهي العاصمة، وهي أن quot;المرأة تعاني ظلمًا أكبر وحاليًّا وعلى الرّغم من استمرارها في النضال لا يتم الاهتمام بها إعلاميًّا،حتّى أنّ القنوات لا تعيرها اهتمامًا، وما يهم المصورين الصحافيين هو صور النساء ترفعن شعارات فقط لا غير، إنها لم تأخذ حظها من الثورة، كما يبدو من تشكيلة الثورةquot;.
العقلية الذكورية تزحف
هذا الوضع غير الطبيعيquot; كما تربطه ضحى، إعلامية تونسية، بالعقلية الذكورية في المجتمع التونسي الشرقي التفكير quot;أعتقد أنه أثناء تشكيل الحكومة روعي هذا الجانب لذا منح مقعدين فقط لقطاعين غير حيويين، وأعتقد أن الشعب ما كان ليقبل بوزارات أكثر للمرأةquot;.
وكانت quot;إيلافquot; حضرت احتجاج مواطن تونسي على تعيين quot;مخرجة تصور أعمال إباحيةquot; في الثقافة وقال إن هذه الوزارة تحتاج إلى مثقف، وعندما سألته quot;إيلافquot; عن اسم واحد لأفلامها عجز عن ذلك، واختار أن يقول quot;نحتاج إلى رجل مثقفquot;.
هذا ما تسميه ضحى بالعقلية الذكورية quot;لا أعتقد أن هناك حيف للمرأة بقدر ما هو تجنب لاستفزاز العقلية الذكوريةquot;، وتعيد التأكيد أنه quot;لولا المرأة لما نجحت الثورةquot; تتقاسم مع زبيدة، الأستاذة الجامعية الفكرة نفسهابخصوص تجنب quot;الحديث عن تقسيم جنسي، فالثورة quot;لكل التونسيينquot;.
إذا كانت المرأة قد ساهمت بالقدر نفسه مع الرجل في إنجاح الثورة، فإن النساء أكثر تخوّفًا من المستقبل، خصوصًا مع إمكانية ترشح حزب quot;النهضةquot; الإسلامي quot;ما أخشاه هو زحف أخضر يجهض ما حققته المرأة التونسية، أخاف من هؤلاء الذين غابوا عن البلد لسنوات وتأثروا بفكر لا علاقة له بالعقلية التونسيةquot; ثم أضافت quot;لا نحتاج إلى واعظين جدد، نريد تونس حرةquot;.
وكانت الحقوقية التونسية الشهيرة بشرى بلحاج حميدة، الرئيسة السابقة لجمعية quot;النساء الديمقراطياتquot; قد حذرت في وقت سابق من quot;مخاطر ردة تهدد مكاسب المرأةquot; وعزت ذلك إلى quot;الوضع الثقافي والسياسيquot; في المنطقة والذي يعتبر المرأة quot;مواطنة درجة ثانيةquot;، واعتبرت أن المغرب هو quot;البلد الوحيد الذي تتمتع فيه المرأة بوضع قانوني يراعي فيه حقوقها الأساسيةquot;. وطالبت بالدفاع عن حرية المرأة.
هذه الحرية قد تجعل حزبًا إسلاميًا مثل quot;النهضةquot; يصل إلى الحكومة غدًا عبر صناديق الاقتراع. وهذه ضريبة الديمقراطية التي تخشاها بعض المدافعات عن حقوق المرأة في تونس.
التعليقات