فيما وصف بأنها خطوات استباقية، تهدف إلى إمتصاص الغضب الشعبي المتصاعد، بسبب إنتشار البطالة وغلاء الأسعار، بدأت الحكومة المصرية في إتخاذ حزمة من الإجراءات، خشية تكرار سيناريو الثورة التونسية، لاسيما بعد إقدام ثلاثة مواطنين على الإنتحار حرقاً على طريقة الشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي فجر إنتفاضة الشعب في تونس.


مظاهرة ضد غلاء المعيشة في مصر

قالت مصادر مطلعة لـquot;إيلافquot; إن الحكومة المصرية برئاسة الدكتور أحمد نظيف عقدت إجتماعاً مع هيئة مكتب الحزب الوطني الحاكم، لبحث تأثيرات الثورة التونسية على مصر، وخلص الإجتماع إلى ضرورة إتخاذ حزمة من الإجراءات، لتخفيف الضغوط الإقتصادية والإجتماعية على محدودي الدخل، وتخفيض أسعار السلع الأساسية.

وأضافت المصادر أن حزمة الإجراءات الجديدة شملت: تأجيل رفع الدعم عن أسطوانات الغاز المنزلية، حيث كان مقرراً إلغاء الدعم لها، وتوزيعها بالكوبونات على المواطنين المسجلين لدى وزارة التضامن الإجتماعي، المستحقين للدعم مع نهاية شهر حزيران- يونيو المقبل. وعدم المساس بدعم رغيف الخبز مطلقاً خلال الفترة الحالية، فضلا عن فتح المجال لإنضمام المزيد من الأسر إلى المستحقين للدعم والتوسع في إنشاء أكشاك توزيع الخبز، للقضاء على طوابير الإنتظار. كما شملت الاجراءات العمل على تخفيض أسعار السلع الضرورية، مواجهة جشع التجار، مكافحة الإحتكار، مراقبة الأسواق، وإقامة شوادر ضخمة تابعة لوزارة التجارة والصناعة لبيع المواد الغذائية للمواطنين بأسعار مخفضة.

كما أشارت المصادر إلى أنه من ضمن الإجراءات الحكومية: توجيه الوزراء والمحافظين ورؤساء الهيئات إلى تبسيط الإجراءات بالمصالح الرسمية، لسرعة إنجاز مطالب المواطنين. مع أهمية الرد على إتصالات المواطنين، واستقبال أصحاب الشكاوى. فضلا عن تعامل الأمن مع المواطنين باللين و عدم إستعمال القسوة، وإحتواء المظاهرات والوقفات الإحتجاجية الفئوية والمطلبية، وعدم مواجهتها بالعنف.

ووفقاً للمصادر فإن هناك تعليمات صدرت للصحف الحكومية لتقليل تسليط الأضواء على جمال مبارك نجل الرئيس، الذي يعتبر من أقرب المرشحين لخلافة والده في منصب الرئيس، والتركيز على إنجازات الرئيس حسني مبارك في مجال الخدمات وإقرار الديمقراطية، وأن المناخ السياسي والإقتصادي في مصر، لا يتشابه مع المناخ الذي كان سائداً في تونس قبل الإنتفاضة.

ولفتت المصادر إلى أن الإجراءات شملت أيضاً، عدم نشر أو إذاعة الإعلانات المستفزة للفقراء والطبقة الكادحة، مثل الإعلانات عن العقارات والقصور، والسيارات الفارهة، والسلع الترفيهية.

وكعادتها، استخدمت الحكومة المؤسسة الدينية، للخروج من الأزمة، حيث صدرت تعليمات لأئمة المساجد، بتوجيه خطبة الجمعة إلى تهدئة المواطنين، وحثهم على الصبر، والتأكيد على أن أغلب أهل الجنة من الفقراء، وأن المحن والفقر إختبار من الله، والتأكيد على حرمة الإنتحار، وأن من قتل نفسه بأي شكل، مصيره النار. وأن هناك جهات معادية تستهدف النيل من أمن واستقرار البلاد. و بدا ذلك واضحاً من خلال تصريح المتحدث باسم الأزهر السفير محمد الطهطاوي، الذي قال في تصريح له تعليقاً على إضرام ثلاثة مواطنين النيران في أنفسهم، إحتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية quot;القاعدة الشرعية العامة تؤكد ان الاسلام يحرم الانتحار تحريما قطعيا لاي سبب كان ولا يبيح للانسان ان يزهق روحه كتعبير عن ضيق او احتجاج أو غضبquot;، مشيراً إلى أن quot;الاشخاص الذين يقومون بحرق أنفسهم، ربما يكون هؤلاء في حالة من الاضطراب العقلي أو الضيق النفسي إضطرهم إلى فعل ذلك وهم في غير كامل قواهم العقليةquot;.

من جهته، قلل أبو العز الحريري القيادي البارز بالجمعية الوطنية للتغيير من جدوي تلك الإجراءات، وقال لـquot;إيلافquot; إن النظام الحاكم يتحسس رأسه الآن، بعد إطاحة الثورة التونسية بزين العابدين بن على، مشيراً إلى أن الأوضاع في مصر تتشابه إلى حد التطابق مع الأوضاع في تونس، مما يؤكد أن الإنفجار الشعبي في مصر، صار وشيكاً.

وأوضح أن المصريين يعانون إنتشار الفساد، وإلتهام ثروات البلاد، وتفشي البطالة وإرتفاع الأسعار، وتدني الأوضاع المعيشية، فضلاً على القهر والكبت وعدم وجود ديمقراطية حقيقية. وتابع: كل هذه الإجراءات ما هي إلا مجرد مسكنات حكومية، من أجل إمتصاص غضب الناس، ولن تجدي نفعاً، والإجراءات المطلوبة فوراً هي: تعديل الدستور بما يتيح لجميع القوى الوطنية المشاركة السياسية بحرية وبدون قيود، وإعلان الرئيس مبارك عدم الترشح لإنتخابات الرئاسة في نهاية العام الجاري، وحل المجالس النيابية المزورة، وهي مجلسي الشعب والشورى، ومجالس المحليات، وفك الإرتباط بين السلطة و رأس المال.

ونوه الحريري الذي يشغل أيضاً منصب عضو اللجنة المركزية بحزب التجمع المعارض الى أن أحزاب المعارضة لن يكون لها أي دور في قيادة الجماهير، لأنها تضع يدها في يد السلطة، مشيراً إلى أن الجمعية الوطنية للتغيير التي يترأسها الدكتور محمد البرادعي، والبرلمان الموازي، وغيرهما من التيارات والحركات التي يقودها الشباب، هي من ستساهم في التغيير الذي ستهب رياحه على مصر قريباً، على حد قوله.

بدوره، لفت الدكتور أيمن نور زعيم حزب الغد إلى أن مصر تمر بمرحلة خطرة من تاريخها، وهناك حالة إحتقان شديدة لن تشفيها مجموعة من الإجراءات الوقتية. وقال لـquot;إيلافquot; إنه يشم رياح التغيير آتية على مصر، وما لم يسارع النظام الحاكم إلى إتخاذ إجراءات حقيقية تسمح بتداول سلمي للسلطة، وإقرار الديمقراطية، وتوفير سبل العيش الكريم للمواطن، وإيقاف الإحتكار ونهب ثروات البلاد ومكافحة الفساد بجدية، ووقف الخطط التي ترمي في إتجاه توريث الحكم، ستكون العواقب وخيمة. كما اكد أن جميع المعطيات التي أدت إلى انفجار الأوضاع في تونس متوافرة في مصر، وقد يتكرر السيناريو نفسه، ولكن بأشكال أخرى.

من جانبه، قال الدكتور مفيد شهاب وزير المجلس النيابية والشؤون القانونية لـ quot;إيلافquot; إن مصر شأنها شأن جميع بلدان العالم تعاني أزمات، مشيراً إلى أن الحكومة معترفة بتلك المشاكل والأزمات وتحاول إيجاد الحلول اللازمة لها في حدود الإمكانيات، و استبعد تكرار ما حدث في تونس، نظراً لإختلاف الأوضاع في البلدين، لافتاً إلى أن مصر تتمتع بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، ولديها حياة سياسية طبيعية، وما زال الموطنون يتمتعون بدعم السلع الأساسية.