يواصل سائقو الحافلات وسيارات الأجرة نقل الركاب من وإلى سوريا، متحدين الموت والخطر، إذ يضطرون للتعامل مع الجنود الفاسدين، ونقاط التفتيش التي لا يمكن التنبؤ بها، عدا عن السرقة أو القتل.


في الوقت الذي تدرس فيه الولايات المتحدة احتمال شن غارة جوية على سوريا، على خلفية مزاعم وقوع هجوم بالأسلحة الكيميائية على المدنيين، يستمر السائقون العموميون بنقل السوريين من جميع أنحاء البلاد التي مزقتها الحرب، متنقلين جيئة وذهابًا عبر حدودها الجنوبية مع الأردن.

وبالنسبة إلى نحو 1.3 مليون سوري يعيشون بأمان في الأردن، هذه الرحلات محفوفة بالمخاطر، لكن تعتبر ضرورية أيضًا، كما أن العديد منهم يعودون إلى ديارهم موقتًا لرؤية أفراد عائلاتهم الذين تركوهم وراءهم، والبعض الآخر للاطمئنان إلى ملكياتهم أو أعمالهم التجارية.

لا مفر من الرحلة

على الرغم من خطورة التنقل في شوارع سوريا، يعتبر السائقون أن عملهم هذا لا مفر منه، لأنه شريان الحياة المالي الوحيد في الاقتصاد المتدهور باستمرار. حتى خارج البلاد، لا يسمح للسوريين الذين فروا إلى الأردن بالعمل بشكل رسمي، وحصولهم على الوظائف أمر أصعب مما هو عليه في سوريا.

ويخضع المعبر لمراقبة الحرس الحدود من أحد الجانبين، وكان قد سبق إغلاقه أمام الحافلات لمدة ستة أسابيع بسبب القتال على الجانب السوري. بعد أن أعيد فتحه في أوائل شهر تموز (يوليو)، قبل شهر رمضان المبارك، كانت أكثر من أربع حافلات تغادر الأردن لسوريا يوميًا.

أما اليوم، فتتقلب هذه الأرقام اعتمادًا على تقارير أمنية من الأهل والأصدقاء في سوريا. وروى سائق حافلة سوري، اعتاد نقل الركاب من وإلى الأردن لمدة 10 سنوات، لصحيفة كريستيان ساينس مونيتور يوميات مهنته التي صارت محفوفة بالمخاطر منذ اندلع الصراع في بلاده.

قال: quot;أذهب إلى دمشق كل أربعة أو خمسة أيام وأعود في اليوم ذاته، وعادة تكون الرحلة سلسة، لكن في بعض الأحيان أواجه مشاكل على نقاط التفتيش.

ندفع للجنود

الرحلة من عمان إلى دمشق تستغرق ساعتين إلى ثلاث ساعات، لكنها الآن تطول لثماني ساعات بسبب نقاط التفتيش التي لا تعد ولا تحصى في سوريا. غسان الظاظا، مدير مكتب شركة سفريات في عمان، قال إن الجنود على الحواجز يأخذون 40 دينارًا من كل راكب للسماح لهم بعبور نقطة التفتيش، quot;وفي بعض الأحيان، كان علينا الجلوس والانتظار على الحدود خمس ساعات، ولم يسمح الجنود بمرورنا إلا إذا دفعنا لهم، وأحيانًا يأخذون الأموال والهواتف المحمولة من الركاب، أي شيء يريدونه، حتى الأرز والعدس و السجائرquot;.

وتحدث مدير شركة السفريات عن الخطر الذي يواجهه الكثير من سائقيه، إلى جانب الركاب، إذ غالبًا ما تتم سرقتهم تحت تهديد السلاح، أو تتعرض حافلاتهم لإطلاق النار عند عبور المناطق المتنازع عليها. وقال سائق آخر يواصل قيادة حافلته من سوريا وإليها أن ثمن التذكرة قد ارتفع، لكنه لا يستفيد من ذلك إذ يضطر لدفع مبلغ من المال للجنود من أجل السماح بعبور الركاب.

وعلى الرغم من أنه يعود إلى منزله ببضع وريقات نقدية، إلا أنه لم يسبق له أن فكر في التوقف، فيقول: quot;لدي عائلة في سوريا، وإذا توقفت عن العمل سيجوع أولادي، لست قلقا على سلامتي، فالموت مكتوب عليناquot;. وهذه الشجاعة لا تنطبق على كثير من السائقين، إذ اضطر العديد منهم إلى تغيير مسارهم بعيدًا عن سوريا منذ العام 2011، وبدأوا بتنظيم رحلات إلى وجهات أكثر أمانًا كالسعودية أو العراق.

لا طريق بديلة

حتى وقت قريب، لم يكن لدى السائقين أي خيار آخر، لأن الطريق البديلة الأكثر أمنًا من خلال السويداء، وهي بلدة سورية تجنبت القتال إلى حد كبير، كانت قد أغلقت من قبل الجيش السوري الحر لأسباب استراتيجية. وعلى الرغم من إعادة فتحها قبل أسبوع، إلا أنه ما زال من غير الممكن التنبؤ بما يمكن مواجهته هناك.

ويقول أحد السائقين إنه أنهى رحلاته إلى سوريا بعد أن شهد سيطرة الجيش السوري على بلدة خربة غزالة، على الطريق الرئيس الذي يربط دمشق بالأردن. وأضاف: quot;لقد كان أسوأ وقت في حياتي. الجيش السوري كان يهاجم البلدة ويسيطر عليها. كانوا يحرقون المنازل ويدمرون كل شيء.

ورأيت الجنود يخرجون عائلات من منازلهم لتدميرها، وكانوا يسحبون نساء نصف عاريات من بيوتهن ويقومون باعتقالهن دون سبب. بقيت في الباص لمدة ساعتين وفي نهاية المطاف خرجت. بعد ذلك اليوم توقفت عن القيادةquot;.

ومع ذلك، تواصل بعض الحافلات رحلاتها إذ استقل نحو 20 سوريًا حافلة منتصف الليل إلى دمشق، وكان من بينهم شاب السوري يزور منزله للمرة الاولى منذ عامين، يقول: quot;أنا أعلم أنه أمر خطير ولكن أريد أن أرى أمي وإخوتي. أنا خائف قليلًا لأنني نشرت أشياء مناهضة للنظام على الانترنت، لكني لست قلقًا من ضربة عسكرية أميركية. أحتاج فقط للعودة إلى منزليquot;.