ثمة من يرى في عودة باراك أوباما إلى الكونغرس في المسألة السورية ضربة معلم، والتزام بمبادئه كرئيس ضد الحرب، ومنهم من يتهمه باتخاذ خطوة مذلة أخرى في حياته السياسية، لأن التراخي يعني فقدان سطوة أميركا في العالم.


لميس فرحات من بيروت: تعكس الشكوك المحيطة بخطوة الرئيس الأميركي باراك أوباما المقبلة التعقيدات السياسية المحلية والدولية المرتبطة بالصراع السوري.

فقرار الرئيس باراك أوباما بالحصول على موافقة الكونغرس لتنفيذ هجوم عسكري أميركي على سوريا هو فعل قوة وضعف في آن واحد. إنه فعل قوة لأنه يمثل خيارًا بإعطاء الديمقراطية والديبلوماسية أولوية على أعمال الحرب، لكنه فعل ضعف لأنه بدا وكأنّ الرئيس كان على وشك اتخاذ قرار من جانب أحادي، قبل أن يغيّر رأيه في اللحظة الأخيرة لأن الأمور تتجه إلى الأصعب، بسبب هزيمة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون حول المسألة ذاتها.

وهذا الحكم المتناقض لن يتغيّر في أي وقت قريب، وقرار أوباما قد يكون ضربة معلم، لكنه أيضًا قد يكون خطوة مذلة أخرى.

معضلة الديمقراطية

الاستخدام المفترض للأسلحة الكيميائية من قبل نظام الرئيس بشار الأسد وضع المجتمع الدولي كله أمام معضلة.

ففي حال لم تتخذ أي خطوة في هذا الإطار، ستصبح دول العالم متهمة بالتغطية على حروب تثير الاشمئزاز، لا سيما الدول التي تعتبر نفسها متمسكة بمعايير أخلاقية.

وفي حال اتخاذ الخيار الذي يعتمد على استخدام القوة، فإن الأثر الإنساني والعسكري في سوريا وخارجها قد يصبح خارجًا عن السيطرة أو حتى التبرير.

ووفقًا لصحيفة غارديان البريطانية، تنطبق هذه المعضلات والأحكام على كل بلد ديمقراطي، ربما باستثناء روسيا التي ترى في الصراع في سوريا مجرد حلقة من حلقات الحرب الباردة التي يجب أن تفوز بها موسكو. هذه المعضلة تتكشف بصورة أوضح في أوروبا والولايات المتحدة، وكذلك في بريطانيا حيث تردد مجلس النواب في التصويت لصالح اقتراح الحكومة أو حركة المعارضة العمالية الأسبوع الماضي، على الرغم من أن معظم النواب ربما سيؤيدون العمل العسكري كملاذ أخير.

وأوباما يعاني من صعوبات أيضًا، إذ تم انتخابه على اساس أنه رئيس مناهض للحرب، لكنه وضع استخدام الأسلحة الكيميائية كخط أحمر لا يمكن تجاوزه.

مأزق الجمهوريين

ما يزيد من حساسية هذه المسألة في الولايات المتحدة هو الشعور بالذنب بسبب الحروب العبثية في العراق وأفغانستان، والأمر الأكثر خطورة هو غضب الرأي العام الذي أنهكته الحرب، فيرفض التورط في مستنقع الصراع السوري. قد يكون أوباما محقًا في التأني، لأسباب ليس أقلها أنه سيكون وجهًا لوجه مع الرئيس فلاديمير بوتين في قمة العشرين التي ستعقد في سان بطرسبرغ في وقت لاحق هذا الاسبوع. عن طريق اتخاذ طريق الكونغرس، فإن أوباما يزيد من فرصة الضغوط التي ستمارس خلال عقد القمة للوصول إلى اتفاق على العمل بفعالية ضد النظام الذي استخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه. لكن التفاؤل في هذا السياق ضرب من السذاجة.

وسلوك طريق الكونغرس قد يكون خطوة ذكية لأوباما، إنما على المستوى المحلي فقط. فالجمهوريون يميلون إلى اتخاذ موقف معاكس لأوباما في كل قضية.

لذلك، وبعد أن طالبوا باتخاذ اجراءات صارمة بشأن سوريا في الماضي، يواجه الجمهوريون اليوم الخيار الصعب بدعم مثل هذا العمل أو لا. فإذا صوتوا لصالح العمل العسكري، سيعززون سلطة الرئيس للقيام بذلك، لكن المسؤولية ستقع على عاتقهم ولن يكون بإمكانهم لوم أوباما كالمعتاد.

أما إذا ما صوتوا على عدم التحرك، فسيعطون أوباما خيار التصرف من جانب واحد، كما فعل في ليبيا، أو ربما التراجع متهمًا الكونغرس بالتراخي.

والنتيجة التي تفرضها كل هذه التناقضات هي أن الحاجة إلى استراتيجية مشاركة أصبحت أمرًا ملحًا من أي وقت مضى، وإهمالها سيؤدي إلى عواقب وخيمة على الجميع.