لا حديث في مراكز الأبحات والدراسات وبيوت التفكير في العالم، إلا عن quot; الاحتمالات والتوقعات والبدائل quot; للمأزق الراهن في الشرق الأوسط. فعلي امتداد 60 عاما من الصراع العربي الإسرائيلي، تمت تجرية معظم الاحتمالات الممكنة تقريبا، ما وضع عملية السلام الراهنة في مأزق لا مخرج منه، لكن يبدو أن البحث عن هذا المخرج الآن أصبح يسابق (ظل) الجميع، حتي لا تصبح (الحرب) هي المخرج الوحيد.
في ضوء ذلك يمكن أن نفهم مغزي العناوين الرئيسية، التي تتصدر وسائل الإعلام في أوروبا وأمريكا، معبرة عن مواقف الغرب من زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للبنان، مثل: زيارة استفزازية، صب الزيت علي النار، تعمق الأزمة الطائفية وزيادة التوتر في المنظقة. ولم يكذب الرئيس نجاد هذا المعني بل أكد عليه حين أعلن في المؤتمر الصحفي في قصر بعبدا: أنه quot; يريد تحريراً كاملا للأراضي المحتلة في لبنان وسورية وفلسطين quot;.
روسيا التي ألغت في 22 سبتمبر الماضي صفقة توريد صواريخ quot; أس ndash; 300 quot; لإيران، تطبيقا لقرار مجلس الأمن رقم 1929 في 9 يونيو 2010، والتي ستحضر (ربما للمرة الأولي) قمة حلف شمال الأطلسي في لشبونة 19 و20 نوفمبر القادم، هي أكثر الدول ترويجا لاحتمالات الحرب القادمة في الشرق الأوسط،، وتحديدا بين إيران وإسرائيل مع رسم السيناريوهات المتوقعة بالأرقام والأشكال الهندسية.
في السياق نفسه، كانت quot; المخارج المحتملة من مأزق الشرق الأوسط quot;، هي ورقة العمل الرئيسية قبل أيام علي مائدة ندوة (الصراع العربي الإسرائيلي) في معهد العلاقات الدولية بموسكو، وشارك فيها أبرز الخبراء الروس في قضايا المنطقة، في مقدمتهم (فيتالي ناعومكين) مدبر معهد الاستشراق الروسي، الذي صرح جازما بأنه: quot; لا مخرج من هذا المأزق quot;.
وحسب موقع روسيا اليوم، الذي نقل تلخيصا لهذه الندوة المهمة عن مقال المستشرقة الروسية (يلينا سوبونينا) في جريدة quot; فريميا نوفوستيه quot;، فإنه من الأفضل اليوم ndash; كما يقول ناعومكين ndash; عدم إضاعة الوقت في البحث عن مخرج، والتركيز بدلا من ذلك على وضع التوقعات حول مستقبل المنطقة. وهو يحذر من إهمال تأثير بقية اللاعبين الإقليميين خاصة تركيا وإيران على مجريات الصراع.
quot; يفجيني ساتانوفسكي quot;مدير معهد بحوث إسرائيل والشرق الأوسط، دعا إلى عدم تضخيم أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للمجتمع الدولي، لأن تحول السلطة الفلسطينية إلى دولة مستقلة كاملة السيادة ما زال سابقا لأوانه، كما أن غالبية الإسرائيليين مسرورون من الوضع الحالي، أما التهديد الحقيقي ndash; برأيه - فيصدر عن إيران التي ستنشب الحرب بينها وبين إسرائيل قريبا.
quot; يلينا سوبونينا quot; كاتبة المقال أكدت هذا المعني، وتري أنه يجب الاستمرار في مباحثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بغض النظر عن مدى نجاحها، وهو أمر تمليه ضرورة المحافظة علي الاستقرار الهش في المنطقة، لأن السيناريو البديل سيكون انفجار الوضع ونشوب صراع مسلح جديد.
إجماع الخبراء الروس على إمكانية نشوب الحرب في الشرق الأوسط، لم يمنع quot; أندريه فيدور تشينكو quot; مدير مركز الدراسات الشرق أوسطية، من التلويح بالحل السحري لإمكانية تجنب الحرب القادمة، وهو (مشروع الشرق الأوسط الكبير) الذي طرحه قبل سنوات الرئيس الإسرائيلي quot; شيمون بيريز quot;، ويتضمن رفع مستوى معيشة سكان المنطقة عبر الاندماج الاقتصادي.
المقال يعيد إلى الأذهان فكرة كان تقدم بها السياسي الروسي المخضرم يفجيني بريماكوف، الذي أشار إلى ان وضع خطة للتسوية ليس شرطا كافيا لتحقيقها، بل يجب الضغط على الأطراف المعنية لقبولها، لكنه يذكرنا (في الوقت نفسه) بتصريحات اطلقها سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا في مطلع هذا العام 2010، والتي أشعلت السباق من جديد لإعادة ترتيب التحالفات في منطقة الشرق الأوسط، وكتبت عنها مقالا في إيلاف بعنوان quot; إيران، إسرائيل، تركيا، وبالعكس quot;.
لافروف قال quot;بحتمية تطبيع العلاقات بين إسرائيل وإيرانquot;، مذكرا الجميع بأن اسرائيل سبق وقدمت المعونة الى ايران في فترة حكم الشاه، خاصة في تنفيذ برنامجها الصاروخي النووي، كما زودت ايران اسرائيل بكل احتياجاتها من النفط.
الخطيئة الكبري اليوم هي أن نتوهم في عالمنا العربي البائس (ثم نردد ونكرس كأنها حقيقة) مقولة: أن الصراع بين اسرائيل وايران ايديولوجيا (دينيا)، ثم نفاجأ أنه نزاع استراتيجي قابل للحل والتفاوض، لأن القوي النووية في عالم اليوم لا تتصارع في الحقيقة، وإنما تتفاوض وتبرم الاتفاقيات إذا لزم الأمر، خاصة إذا كانت تمتلك أوراقا قوية للعب والضغط، ومجالا استراتيجيا قابلا للتمدد والمساومة والأخذ والرد.
الوضع الجيو- سياسي لكل من (إسرائيل وإيران) ضمن المحيط العربي والإقليمي، يجعلهما يلتقيان حول نظرية: quot; اللا حرب - اللا سلام quot; أو الحفاظ علي الاستقرار الهش، وهو المطلوب تثبيته والمحافظة عليه، من وجهة نظر الدول الكبري وفي مقدمتها أمريكا وأوروبا وروسيا، وهو ما يجعلنا بعد زيارة الرئيس نجاد للبنان أمام بديلين أثنين لحالة (الاستقرار الهش): إما القبول بمشروع الشرق الأوسط الكبير، أو نشوب الحرب في المنطقة؟
التعليقات