سبق أن تحدثنا عن وجهتي نظر متضاربتين حول وجود أساطير في القرآن الكريم، في هذه المقالة سنتحدث عن معنى أساطير الأولين الواردة في نصوص القرآن.
بداية: الأساطير في اللغة تعني الأباطيل، أو أحاديث لا نظام لها. ومعنى سطرها: ألفها وسطر علينا: أتانا بالأساطير قال الليث:quot; يقال سطر فلان على فلان، إذا زخرف له الأقاويل ونمقها...(ابن منظور، لسان العرب، دار المعارف، تحقيق دار المعارف، المجلد 3 (من ذ إلى س) ص 2007.)
وفي القرآن الكريم:quot; وكتاب مسطورquot; وفيه أيضا quot; كان ذلك في كتاب مسطورquot; أي مكتوبا. فالقرآن في زعم المشركين هو ما ينقله محمد من كتب الأولين .
الآيات التي وردت فيها عبارة quot;أساطير الأولينquot;
فيما يلي نعرض للآيات القرآنية التي وردت فيها quot;أساطير الأولينquot; مشفوعة بتعليق مقتضب:
quot;وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَquot; سورة الأنعام، الآيتان 26-27.

في سورة الأنعام تدعو الآيات الناس إلى التوحيد بناء على دلائل وبراهين عقلية، فالسورة تدعو من أولها إلى السير في الأرض ومحاولة تلمس الحقائق ومعاينة دلائل العبودية لله، لكن الذين كفروا يواجهون ذلك بالصد والإعراض، ويعللون موقفهم بأن ما يسمعونه أساطير الأولين الآيات لم تنف قولهم ولم ترد عليهم مقالتهم، بل عقبت وهم ينهون عنه وينأون. فإذا كانت الآيات كما يدعون مثل أساطير أليهم وأن لا قيمة لها عندهم، فلماذا ينهون وينأون عنها،لقد وجد الذين كفروا تشابها بين آيات الله وبين أساطير الأولين وذلك في احتوائهما على آيات الرب والدعوة إلى توحيد الله.. ولقد جاءك من نبأ المرسلين إشارة إلى أحوال الأمم السابقة وحالات الإهلاك للمكذبين، وهذه الحالات والقصص مذكورة في الأساطير فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون فتكذيبهم بآيات الله وما دعت إليه هو عين ما جاءت به الرسل سابقا، فهم ضد الرسول وضد الرسالة التي تحاكي في أصولها أساطير الأولين واعترافهم إقرار بين بذلك، ومع ذلك فهم ينهون وينأون.
quot;وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍquot; سورة الْأَنْفال، الآيتان 31-32.
فان الآيات كانت تتلى عليهم في مكة تتضمن دعوتهم إلى التوحيد ونفي الشرك، فالأساطير كما القران كلاهما يصفان آيات الربوبية ويدعوان إلى التوحيد على خلاف الشرك الذي هم عليه، ولذلك أكدوا أن الحديث ليس جديدا عليهم.
هنا يطرح السؤال، هل دعوى التوحيد التي هي الموافقة لأساطير الأولين أم دعواهم دعوى الشرك ؟ وهذا يثبت عدم صحة التصورات التي تقرن أساطير الأولين بناء عقديا شركيا تعدديا.
في سورة النحل يقول تعالى: quot; وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ، قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَquot; سورة النحل، الآيات 24-25-26. بالرجوع إلى بداية السورة نجدها تستهل بقوله عز وجل quot; يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِquot; سورة النحل، الآية 2 ؛ الله ينزل الروح أي الوحي موضوعات السورة ومضامينها يذكر الكفار والمستكبرين بأساطير الأولين هذا يدل على أنهم كانوا يعرفون هذه الأساطير أو بعضها، ولم يعتقدوا بها لأنها لم توافق ما يعتقدون، وهذا يعني أنها كانت تتضمن ما كان يدعو إليه الرسول وإلا لما فنذوا محتوى هذه الأساطير،ولكن المشركين ضمنيا ينفون أن تدعوا إلى تعدد الآلهة والشرك.والملاحظة أنهم حين سئلوا (ماذا أنزل ربكم)؟ لم يقولوا أساطير ndash;بفتح الراء- ليكون جوابهم:أنزل الله أساطير الأولين، ولكنهم أجابوا أساطير الأولين، بضم الراء، وهو كلام باتجاه آخر، وكأنهم أعرضوا عن الجواب لإجابة أخرى أرادوا بها القول أن مجمل الدعوة الجديدة هي أساطير الأولين.
في سورة المؤمنون: quot;بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ، قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَquot; سورة المؤمنون، الآيات 81-82-83. ثمة أولين معاندين أيضا من قبلهم قالوا مثل قولهم ،ومقولتهم تشبه مقولة الذين سبقوهم في ردهم على أنبياءهم .
في سورة الفرقان: quot;وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًاquot;سورة الفرقان، الآيات 4-5-6 ما جاء به الرسول هل هو جديد على المشركين ؟كلا،مسألة التوحيد وبعد القضايا الغيبية موجود في الأساطير،لكن الكفار كفروا بالتنزيل،وعندهم أن الرسول افترى النبوة ونسب القرآن إلى الله،وهو في الحقيقة أساطير الأولين اكتتبها وأمليت عليه.
في سورة النمل قال تعالى: quot;بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ، وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ، لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَquot; سورة النمل، الآيات 66-67-68 تتحدث السورة هنا عن نفي الآلهة مع الله وتدعو إلى العبودية لخالق الخلق ومعيده ورازق الحياة في السموات والأرض،وتذكرهم بعلم سابق متعارف عليه منذ وجد الإنسان على الأرض هو العلم بالآخرة والإيمان بالبعث،وهذه الأقوال حسب الكفار مزاعم لم تثبت لديهم بالرغم من الأدلة والبراهين وما لاقاه الأولين من المكذبين من هلاك.
في سورة الأحقاف: quot;وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَquot; سورة الأحقاف، الآية 17/ هنا حوار بين الوالدين وابنهما الذي لم يؤمن بالله وبالبعث ويرد عليهما بأن هذا الكلام والقول موجود لدى الأولين،وكلام قديم بلى عليه الزمن الجديد وهذا الكلام لم يؤمن ويصدق به الولد.
في سورة القلم قال تعالى: quot;أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ، إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَquot;سورة القلم، الآيتان 14-15/ تبدأ سورة القلم بالقسم بما يسطرون فقد أقسم سبحانه بهذا التسطير الذي يسطر القوانين والحقائق لكل ما في الوجود ،تماما كما سطر أعمال الإنسان وأقواله ليحاسبه.أمام عجز الكفار عن الرد عن دعوة الرسول، فهم يلجأون إلى إتهامه بأن دعوته من مزاعم أساطير الأولين، سمعوا بها سابقا وهو يكررها.
في سورة المطففين قوله تعالى: quot;وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ، الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ، وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ، إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَquot; سورة المطففين، الآيات من 10 إلى 13/ هنا، المستكبرون يردون بمزيد من التكذيب والاستكبار و ادعاء محمد أنه رسول من الله بكلام مأخوذ من أساطير الأولين.

استنتاجات:
*النصوص القرآنية التي تناولنها بالتحليل تعرض لدعوة محمد ndash;ص- بشتى أنواعهم ،المستكبرون، والكافرون، والمشركون، والمتمردون، والعاقون.
*نفى القرآن أن يكون محمدا ناقلا لمعلومات اكتتبها القدماء.
*مدار الحوار في القرآن لم يكن عن الأساطير ومحتواها.
*العنصر المشترك في جميع النصوص القرآنية التي وردت فيها أساطير الأولين جاءت على لسان الكافرين لدعوة الحق، ولم ترد على لسان غيرهم من أهل الكتاب.
*كل النصوص القرآنية قيلت في مناسبات الاحتجاج والجدال حول قضايا إيمانية عقلية منطقية تدعوهم إلى النظر في الدعوة الجديدة للتوحيد والبعث،الجزاء.
*العجز عن رد الحجة بالحجة تجعل الكافرين والمنكرين يلجأون إلى إغلاق باب الجدل، وبنسبة ما يسمعونه إلى أساطير، وهذا دليل، على أنهم كانوا يعرفون شيء من هذه الأساطير وما حوته من مضامين.