الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الخميس الموافق التاسع عشر من مايو 2011 في مقر وزارةالخارجية الأمريكية في واشنطن ، هو الخطاب الثاني الموجه خصيصا للعالمين العربي والإسلامي، بعد خطابه الأول الذي القاه في جامعة القاهرة يوم الرابع من يونيو 2009 أي قبل عامين تقريبا. وهذا التخصيص يدلّ على اهتمام الإدارة الأمريكية الجديدة في عهد الرئيس أوباما بهذين العالمين من منطلق إقامة علاقات متوازنة تراعي المصالح المشتركة مع عالمين يشكلان حوالي خمس تعداد سكان العالم. كان أهم ما ميّز خطابه الأول في جامعة القاهرة أنه كان رسالة تفاهم وتقارب مع العالم الإسلامي، حيث أعلن مبادرة تصالحية بين الإسلام والمسلمين والولايات المتحدة الأمريكية، مشيدا بدور الحضارة الإسلامية وتأثيرها في التأسيس للتقدم الحالي الذي يشهده العالم، ومستشهدا بآيات من القرآن الكريم تؤسس للتفريق بين الإسلام وممارسات إرهابيين ينتمون للإسلام بالإسم فقط. وكانت رسالته هذه لها ما يدعمها خاصة ما يتعلق بالوجود الإسلامي في أمريكا، حيث يعيش قرابة ثمانية مليون مسلم، يمارسون عقيدتهم في ما يزيد على 1200 مسجد بحرية أكثر مما هو متوفر لهم في غالبية بلدانهم العربية والإسلامية.

وماذا عن الخطاب الجديد؟
من المهم ملاحظة أنّ هذا الخطاب يأتي قبل أيام قليلة من زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو لواشنطن، حيث سيلتقي الرئيس أوباما ومسؤولي الإدارة الأمريكية. لذلك فأهم ما في خطابه الجديد هو:
أولا: دعم إدارته المطلق لسياسة التغيير والإصلاحات الجذرية التي بدأت شعوب المنطقة العربية تحاول أخذها من الطغاة والمستبدين بالتظاهر السلمي الذي حولّه الطغاة وتحديدا في ليبيا وسوريا واليمن لمذابح ترقى في سوريا وليبيا لمستوى المذابح الجماعية المقصودة والمخطط لها من الطغاة. لذلك قال حرفيا: ( إنّ السياسة الأمريكية في المنطقة تعتمد على الترويج للإصلاح ودعم التحول هناك مع البدء بمصر وتونس اللتان تواجهان تحديات كبيرة )، مشيرا إلى أنّ الولايات المتحدة ستقوم كذلك بدعم الدول التي لم يصل التغيير لها حتى الآن.
ثانيا: البدء بالدعم الاقتصادي العاجل لمصر بمبلغ ملياري دولار، فضلا عن مساعدات أخرى سينظر فيها الكونغرس الأمريكي لتأسيس صندوق استثماري لدعم الاستثمارات في البلدين مصر وتونس. والمفارقة المؤلمة لدرجة الحزن أن يأتي هذا الدعم لمصر من الولايات المتحدة، وليس من الدول العربية القادرة على أكثر من هذين المليارين بمليارات عديدة، هذا مع تسرب معلومات عن أنّ دولا عربية تمارس ضغوطا على المجلس العسكري المصري لعدم محاكمة مبارك وعائلته، ورفض المجلس العسكري المصري لهذه الضغوط من الممكن أن يكون سببا لعدم أي دعم اقتصادي عربي لمصر في هذه المرحلة التي يحتاجها اقتصادها لدعم عاجل.

وماذا عن النظام السوري المتوحش على شعبه؟
لقد كان الجزء المخصص عن النظام الأسدي في سوريا واضحا لا لبس فيه، حيث أدان ممارسات النظام التي أسماها ( مسار القتل والاعتقال بالجملة للشعب السوري )، مذكّرا أن الولايات المتحدة بدأت بفرض عقوبات على بشار الأسد والمحيطين به. وأكّد صراحة ( أنّ الأسد لديه خيار قيادة التحول في سوريا أو الابتعاد عن الطريق )، ومطالبا أيضا ب ( التوقف عن ضرب مواطنيه والسماح بالتظاهرات واستقبال مراقبين دوليين للوصول إلى المدن لا سيما درعا مع بدء حوار حقيقي للتحول الديمقراطي ).

هل يستمع نظام الأسد لذلك؟
من الواضح تماما أن الأسد الإبن الوارث لأبيه يعتمد على المماطلة لكسب المزيد من الوقت، لأنّ قراره هو ( إما أنّ أبقى في السلطة أنا وعائلتي وأخوالي وإلا فالموت والدمار لنا ولسوريا شعبا ووطنا ). لذلك هدّد أوباما الأسد بأنه سيتعرض لمزيد من العزلة الدولية. وكان قويا أن يدين أوباما أيضا مساعدة النظام الإيراني لنظام الأسد في جهوده لقمع وقتل الشعب السوري، وذلك لأنّ نظام الملالي لديه خبرة قوية وشرسة في قمع مظاهرات الشعب الإيراني التي قادها مسؤولون إيرانيون بمستوى الرتبة الدينية لخامئني مثل مهدي كروبي و مير حسين موسوي.

القضية الفلسطينية هي مربط فرس السلام
لم يأت خطاب الرئيس أوباما فيما يتعلق بمربط الفرس هذا بجديد، فهو مستمر في طرح مسألة ضرورة أن يقدم الإسرائيليون والفلسطينيون على تحقيق السلام، موضحا أنه ( لايمكن فرضه من جانب أي طرف خارجي بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية ). وهذا صحيح إلا أنّ أطروحة أوباما حول الدولتين هي التي يريدها الفلسطينيون ، أمّا توصيفها بقوله ( أن يتم تحقيق السلام الدائم بين الجانبين عبر وجود دولة يهودية لإسرائيل تكون وطنا لليهود، ودولة فلسطينية تكون وطنا لشعب فلسطين والاعتراف المتبادل بينهما )، فتحديد صفة الدولة الإسرائيلية ب ( أن تكون وطنا لليهود ) هي ما تحمل تخوفات عديدة أهمها أن تكون صفة اليهودية سببا في المستقبل لطرد وترحيل مليون وربع فلسطيني يعيشون في داخل دولة إسرائيل منذ عام 1948 . لذلك ورغم إشارة الرئيس أوباما إلى حدود عام 1967 فهذا ما يريده الفلسطينيون منذ عام 1988 ويرفضه ألإسرائيليون حتى هذه اللحظة.

هل تستطيع إسرائيل الدفاع عن نفسها مسقبلا؟
يبدو أنّ إجابة الرئيس أوباما الواضحة على هذا السؤال كانت مقصودة كرسالة لدولة إسرائيل، عندما قال: (إنّ التكنولوجيا ستجعل من الصعب لإسرائيل الدفاع عن نفسها، كما أنّ التغيرات في المنطقة ستصعّب من الوضع في ظلّ ضرورة اقناع ملايين الناس في المنطقة بالقدرة على تحقيق السلام، ومن ثم فإن حلم دولة يهودية ديمقراطية لإسرائيل لن يتحقق عبر الاحتلال ). وهذه رسالة واضحة مفادها أنّ السلام العادل هو الوحيد القادر على حفظ أمن إسرائيل، فهل تسمع الحكومة الإسرائيلية هذا التحذير من الرئيس أوباما، أم تستمر في سياسة الاحتلال والاستيطان التي لن تحقق لها سلاما وأمنا؟. حتى هذه اللحظة ليس في أفق الممارسات الإسرائيلية ما يوحي بأنها ستسمع هذه النصيحة الأوبامية التي قدّمها العرب منذ سنوات، وبالتالي ستبقى المنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات التي لن تكون في صالح دولة إسرائيل للأبد مهما امتلكت من عناصر القوة العسكرية، وهذا ليس من تحليلاتي بل الرئيس أوباما هو من يقول ( إنّ التكنولوجيا ستجعل من الصعب لإسرائيل الدفاع عن نفسها ). فلننتظر ما ستسفر عنه زيارة نتنياهو القادمة لواشنطن، و اجتماع السلطة الفلسطينية المرتقب، وكذلك فلننتظر الطغاة العرب الذين قال أوباما أنهم سيلحقون بمن أجبروا على ترك السلطة و قيد المحاكمة الآن.
[email protected]