في كل مرة، وفي كل لحظة من لحظات التاريخ السوري خلال أكثر من عقد تقريبا، نجد أن المعارضة السورية أهم ما تقوم به هو معارضة نفسها، ولغة التخوين فيها أسهل من شربة ماء. وكما عودت نفسي وقارئي على الصراحة التامة، في كل محطة سورية سواء كنت مشاركا فيها أو غير مشارك، أيضا أريد أن اوضح موقفي الآن من هذا المؤتمر، والذي سيضم أعدادا كبيرة من السوريين المقيمين في الخارج.
ترددت بداية في حضور المؤتمر، لأنه يعقد في تركيا، ولهذا أسبابه التي يطول شرحها، ولكن أهمها أنني لا أريد أن يدخل أي مؤتمر إلى حقل التداخلات الإقليمية، لكون تركيا لها أطول حدود مع سورية، والعلاقة بين البلدين فيها من التعقيدات كما فيها من القضايا الحساسة، لكن غالبية الطيف المشارك كان له رأيا آخر. في أي معارضة كانت هنالك أمراض جمعية وفردية، وفي أية ثورة كانت هنالك متسلقي اللحظة، وهنالك من يريدون أجندة فردية مؤداها الشهرة وغير ذلك من امتيازات شخصية. وهذه قضية يجب ألا تحجب ضرورة المشاركة في أي نشاط سوري. إن رجال الأعمال الذين يمولون المؤتمر مشكورين بالطبع على جهودهم، يعتقد بعض المعارضين وغيرهم أن هذه الأموال ليست منهم بل من جهات خارجية، وهذه قضية تحتاج للشفافية من جهة وللوضوح والمتابعة من جهة أخرى. ولكي لا ندخل بالنوايا، علينا أن نقول: أن هذه الأمراض الفردية لايمكن أن تنتهي بين ليلة وضحاها واعتقد انها لن تنتهي، بل يجب التصدي لها من أجل ألا تكون هي التي تحرك الأمور. ميزة كل ثورة بالعالم أنها تجلب للشأن العام أناسا كانوا على الحياد أو حتى مع النظام القمعي. وهذا يحدث الآن في الثورة السورية. هنالك مشاركين بالمؤتمر كانوا من الذين تحالفوا في السابق مع حافظ الأسد من خلال وجودهم في أحزاب جبهة النظام الوطنية التقدمية، وهنالك منهم من كان شريكا لبعض رجالات السلطة، لكن الأكثرية ليست كذلك، ومع ذلك مهما كانت الأسباب التي أدت لتغيير موقفهم، فإن الثورة السورية بحاجة لمزيد من السوريين، وبحاجة لمزيد ممن يغيرون موقفهم من هذا النظام، وبحاجة لاجتماعهم من أجل التغيير والحرية والكرامة أيضا. رغم ذلك ورغم حاجة الثورة لخطاب معارض موحد على الأقل في هذه المرحلة، إلا أن حملة التشكيك بالمؤتمر والمؤتمرين بدأت، وأن لهم أجندة خارجية، وهذا ما كتبه الدكتور برهان غليون على مدونته في الفيسبوك quot;إلى أخواني الذين يسألوني عن أسباب عدم حضوري مؤتمر انطاليا أو يتساءلون عنها، أقول إنني أتفهم تعطش شباب الثورة إلى عنوان سياسي يشكل مرجعا لهم وذراعا سياسيا يصد عنهم ضربات سلطة العسف والعنف العاري وحامل لرسالتهم أمام الرأي العام العريي والعالمي. وجوابي أنه لو كان لدي ثقة ولو قليلة على أن هذا المؤتمر يخدم بالفعل هذه الأهداف أو بعضها لما ترددت لحظة في انضمامي إليه. كنت أعلم ان الشباب في انطاليا يتواصلون مع الدكتور برهان، الدكتور برهان بالطبع حر في مواقفه واحترمه دوما، لكن ملاحظتي البسيطة تتعلق بالتشكيك بنوايا الناس المختلفين في رؤاهم، وأعتقد أن موضوعة الأجندة الخارجية باتت مستلهكة جدا من قبل النظام وغالبية المعارضة الباريسية منذ أربعين عاماquot; التي لاترحم ولا تترك ولا تريد رحمة الله أن تنزل على الآخرينquot; مستهلكة حقيقة، لأنهم هم أنفسهم في الواقع لا يتفقون على ماذا تعني أجندة خارجية!! كأن تكون مع السياسة الفرنسية أو القطرية ليست أجندة خارجية، أنا أوافق الدكتور برهان أنه في كل مؤتمر للمعارضة هنالك بشر لهم أجندات شخصية وذاتية، وانتهازية بشكل مطلق، ولكن الحد من خطورة هؤلاء هو أن نواجههم في أي منبر، ولا نترك لهم الساحة. وهذا ينطبق على مؤتمر انطاليا كما على غيره من المؤتمرات، حتى من وافق على مبادرة الدكتور غليون نفسه، فيهم من هؤلاء. وكي أطمأن الناس لو تسرب لي لحظة واحدة إحساس أن إسرائيل تريد تغيير النظام، لما حضرت أي مؤتمر للمعارضة في الخارج. بل بالعكس كل معطياتي تشير أنها تحاول دوما إرسال فقاعات، حتى يستفيد منها النظام في تخوين المعارضة، ولا أريد تعدادها هنا. خارج إسرائيل التي تحتل أرضنا، كل الدول مصالح كلها بدون استثناء أوروبا وأمريكا وتركيا وإيران... الجميع دون استثناء لا تحركه سوى المصالح. ومصلحة إسرائيل تقتضي استمرار النظام تماما كإيران وحزب الله وشلة المخبرين اللبنانيين الصغار. ولهذا لم يفاجئنا خطاب السيد حسن نصرالله في دفاعه المستميت عن النظام، وهذه قضية كانت مصدر خلاف عند المعارضة السورية وكنا نتهم بالطائفية عندما كنا نتعرض لسياسات حزب الله أو للسياسة الإيرانية. وأنا إذ اقول للقارئ هنالك خوف واحد يواجه مؤتمر انطاليا هو تسلق هؤلاء الذين يمكن لنا تسميتهم براكبي الموجة، وإذا حدث هذا سيكون لنا موقف آخر. أما غير ذلك فيحق لكل سوري أن يصبح معارضا وعلى طريقته، ويحق له أن ينظم مؤتمر، المطلوب أن نبتعد فقط عن التشكيك ببعضنا، لأن هذه قضية لا تنتهي، وستكون خدمة للنظام. ولهذه الأسباب وغيرها يصرح وزير الخارجية الايطالي لتبيرير تخاذل المجتمع الدولي تجاه النظام وجرائمه في سورية، يصرح أنه لايوجد معارضة سورية.
أعتقد انني حاولت مع غيري من الناشطين ألا يعقد أكثر من مؤتمر في الآن معا للمعارضة السورية في الخارج، وعلى هذا الأساس ساهمت مع الجميع بأن ماكان مطروحا هو عقد ثلاث مؤتمرات لتجمعات مختلفة، ساهمت بأن يتواصل الجميع من أجل مؤتمر واحد، وهذا ما حصل.
لكنه ليس كذلك. هو بجمع بين الكثير ممن يريد أن يستفيد من الثورة ويستغلها لخدمة أجندات خاصة، ومنها أجنبية لسوء الحظ، وقليل جدا ممن يفكر بالفعل في خدمتها والتضحية من أجلها. هذا هو تقديري على الأقل. وكان إعلانه مفاجأة لي لأن منظميه كانوا على اتصال بي وكنت قد وعدتهم بأننا نعمل مع الداخل لبلورة مبادرة جامعة. مع الاعتراف بأن بطء الداخل قد أساء لنا أيضا وفتح الباب أمام مثل هذه المبادرات الضعيفة والمليئة بالمفاجآت غير السارةquot; انتهى كلام الدكتور برهان.
نتمنى لمبادرة الدكتور برهان النجاح لأنني وافقت عليها، ونتمنى لكل المعارضة أن تنجح في مسعاها، ولكن نتمنى إن كنا غير قادرين على دعم نشاطات بعضنا على الأقل ألا نشكك ببعضنا، بطريقة قراءة النوايا التي لايعلم بها إلا الله!!! وأنا كتبت هذه المادة مع احتمال كبير ألا يتسنى لي حضور المؤتمر.
التعليقات