الحكم التركى برئاسة رجب طيب أردوجان (وهو من ذووى التوجهات الإسلامية المعروفة) نجح فى الإنتخابات الأخيرة بأغلبية أكثر من نصف عدد الأصوات لأنه نجح فى إثناء حكمه فى مضاعفة متوسط دخل الفرد التركى ليصل إلى أكثر من عشرة آلاف دولار سنويا (متوسط دخل الفرد المصرى 2500 دولار سنويا)، ولذلك فإن كثير من المصريين والعرب والمسلمين (وأنا منهم) يعجبون بالنموذج التركى فى الحكم، ويتمنون تكرار هذا النموذج فى البلاد العربية مثل مصر وتونس.
وأوردجان لم يحقق ذلك بإطلاق لحيته أو زرع زبيبة فى جبهته أو أصدر أوامره بحجاب المرأة أو قطع يد السارق أو رجم الزانية أو لبس جلبابا قصيرا أو أقام الدنيا ولم يقعدها بسبب إسلام فتاة، ولكنه حقق ذلك بإتباع أسس الدولة المدنية الحديثة: التنمية ورافق ذلك العدالة ومحاربة الفساد.
وهناك عدة ركائز يعتمد عليها الحكم التركى بصرف النظر عن هوية الحزب الذى فى الحكم:
أولا: أرسى مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك قواعد الحكم العلمانى فى تركيا وما زال الأتراك على إختلاف مشاربهم يعتبرونه أبو تركيا وتجد صوره مازالت معلقة فى كل مكان
ثانيا: تركيا عضو عامل وهام فى حلف شمال الأطلنطى وبها قواعد عسكرية لهذا الحزب وكانت تلك القواعد ركائز أساسية إبان الحرب الباردة بين أمريكا والغرب وبين الإتحاد السوفيتى وذلك نظرا لقرب تركيا من الإتحاد السوفيتى، ومازالت تلك القواعد هامة بالنسبة للحلف حيث أنها تقع بالقرب من حقول البترول فى الشرق الأوسط.
ثالثا: تركيا تضع نصب أعينها الإنضمام للسوق الأوربية المشتركة إما عاجلا أو آجلا لذلك تبذل ما فى وسعها لكى تتبنى القيم السياسية والإقتصادية وربما القيم الثقافية التى تربط دول الإتحاد الأوروبى، حتى لوتعارضت تلك القيم بعض الشئ مع القيم التركية أو الدينية.
رابعا: لتركيا علاقات قوية مع إسرائيل، وهناك تبادل تجارى وعسكرى قوى بينهما، وكانت تركيا وإسرائيل تجريان مناورات عسكرية مشتركة دورية ولم يتم إلغاؤها إلا بعد حادث السفينة التركية التى كانت متجهه إلى غزة.
خامسا: التقدم الحضارى والثقافى والتعليمى والإجتماعى التركى أعلى بكثير من أى دولة عربية أو إسلامية، فتركيا تسبق مصر فى تلك المجالات بخمسين سنة على الأقل .
سادسا: تركيا كبلد يقع بين آسيا وأوروبا (بل إن جزء منها يقع فى أوروبا) فرض عليها أن تكون جسرا بين الحضارة الشرقية والحضارة الغربية.
....
وقد قمت فى مقال سابق بتحليل إتجاه مصر بعد ثورة 25 يناير وإلى أى نموذج سوف تتجه مصر وخلصت إلى أن مصر فى إعتقادى تتجه نحو النموذج الباكستانى وأرجو أن أكون مخطئا وأن تتجه مصر نحو النموذج التركى، ولكى تتبنى مصر النموذج التركى فإننى أرى أن هناك أشياء يجب أن تتبناها مصر لكى تصل للنموذج التركى:
أولا: أقترح إنضمام مصر إلى حلف شمال الأطلنطى والذى تنص المادة الخامسة من ميثاقه أن دول الحلف لن تترك للدفاع عن نفسها وحدها، وبهذا الإنضمام تستطيع مصر تخفيض نفقات الدفاع تخفيضا هائلا وتوجيه هذا الوفر من ميزانية الدفاع إلى ميزانية التعليم. وسوف يقيم الحلف بعض القواعد على الأراضى المصرية الأمر الذى يؤمن مصر من أى إعتداء وأى تهديد من أى جانب.
ثانيا: يجب إحترام إتفاقية السلام مع إسرائيل وذلك للحفاظ على حدود مصر الدولية، ومحاولة مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين على حل مشاكلهم سلميا وعلى تمهيد الطريق إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة بدون أى تدخل مباشر من مصر، ولقد ثبت لى شخصيا أن الإسرائيليين والفلسطينيين يستطيعون أن يعيشوا بسلام ووئام لوإتيحت لهم الفرصة ولقد رأيت هذا بنفسى فى القدس وحيفا ويافا. وثبت للجميع تاريخيا أن تدخل العرب فى المشكلة الفلسطينية أدى إلى خسارة فلسطين، ومن لا يصدق هذا ما عليه إلا النظر إلى خريطة تقسيم فلسطين عام 1948 والتى رفضها العرب وقرروا محاربة إسرائيل من أجل رفض قرار التقسيم، وينظر إلى خريطة إسرائيل اليوم لكى يعرف كيف ضيع العرب فلسطين بدعوى حمايتها وتحريرها.
ثالثا: يجب أن تتبنى مصر quot;الدولة المدنيةquot; والتى تعنى بصراحة ووضوح :quot;لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدينquot;، الدين ثابت والسياسة متغيرة لذلك يجب فصل الإثنين، وكما أرسى أتاتورك دعائم الدولة المدنية فى تركيا، فإن حزب الوفد بزعامة سعد زغلول قد أرسى أيضا دعائم الدولة المدنية، حتى جاء ضباط يوليو فهدموا دعائم الدولة.
رابعا: يجب أن تكون مصر منفتحة على العالم، فمن المعروف أن السياحة سوف تكون أهم صناعة فى العالم قبل العام 2020 ، ومصر بآثارها العظيمة سواء كانت فرعونية أو قبطية أو رومانية أو إغريقية أو إسلامية، وبشواطئها الجميلة وبجوها المعتدل على مدار السنة تستطيع أن تكون أهم دولة سياحية فى العالم، هذا لن يتأتى إلا بخلق ثقافة سياحية لدى المجتمع ولدى الحكومة، وأى سائح يسافر من بلده إلى بلد إنما يسافر للتغيير وللإستمتاع والتحرر، وإذا وجد أن هناك بلدا تفرض عليه ما يلبس ومايشرب ومايأكل أو يتم محاصرته بالنصابين ومحترفى التسول والشحاتة والبقشيش فسوف يطفش من تلك البلد ويذهب إلى أى بلد آخر، لذلك فإنك لا تسمع كثيرا عن سياح يذهبون إلى إيران أو كوريا الشمالية أو السعودية أو باكستان أو السودان.
خامسا: مصر بسوقها الكبير وبعمالتها القليلة التكلفة تستطيع أن تنافس كثيرا وتكون مصنعا كبيرا لأفريقيا وللشرق الأوسط بل ولجنوب أوروبا، على مصر أن تنتهز الفرصة التى تمنحها الآن مجموعة دول الثمان الكبرى بعد إجتماعها الأخير فى باريس والذى قررت فيه منح مساعدات وقروض وإستثمارت مالية كبير لمصر وتونس، هذا يتطلب عملا وجهدا فائقا والبدء فى التطلع لمستقبل أفضل.
سادسا: إن موقع مصر الجغرافى بين آسيا وأفريقيا وجنوب أوروبا يعطيها مركزا متميزا فى العالم لا يقل عن المركز الإستراتيجى الذى تتمتع به تركيا.
سابعا: إن مصر تستمتع بعمق تاريخى لا تستطيع تركيا أن تنافس فيه مصر، فمن مصر الفرعونية بدأت الحضارة الإنسانية، ويجب أن نبنى على هذا التاريخ المشرف بدلا من محاولة البعض على هدمه والنيل منه.
...
قد تكون فكرة إنضمام مصر إلى حلف شمال الأطلنطى فكرة صادمة بعض الشئ للعديد من المصريين، ولكنى أكرر مقولة تشرشل الشهيرة:quot;أننى مستعد للتحالف مع الشيطان من أجل مصلحة بريطانياquot;.
[email protected]