عندما صدر قانون الخلع فى مصر منذ عدة أعوام أثار ضجة كبيرة وكانت خطوة هائلة لمنح المرأة حرية الطلاق من زوجها التى لا تستطيع أن تعاشره، فهل يمكن لمصر أن تطلب الخلع من الرئيس مبارك فى ساحة القضاء؟ لأنه من الواضح أن الرئيس مبارك مصصم على البقاء حتى نهاية ولايته الحالية، ولكنه أعلن عدة أشياء معظمها إيجابى ولكن كل هذه الأشياء (رغم إيجابيتها) كانت متأخرة أربعة أيام على الأقل.
إن ليلتى الرعب (الجمعة والسبت) التى عاشتهما مصر بعد إختفاء الشرطة المريب من الشوارع لم يسبق لهما مثيل فى تاريخ مصر عندما إنطلق قطاع الطرق والحرامية والبلطجية يعيثون فى الأرض فسادا، ووصل الأمر إلى التهديد بالدخول إلى البيوت والمتاحف والسجون، ولم تسلم منشأة فى مصر من التهديد أو التخريب، ولكن شعب مصر الذين إتهمناه مرار أنه شعب فوضوى إستطاع فى خلال ساعات من تكوين لجان شعبية فى كل أنحاء مصر المترامية لحماية بلده وأهله، وإختفت تماما النعرات الطائفية ولم نشهد إعتداء على كنيسة واحدة رغم هروب الشرطة التى كانت تحمى الكنائس، وأثبتت مصر لى لأول مرة فى حياتى أنها بالفعل quot;أم الدنياquot;.
ووقف الخلق جميعا ينظرون *** كيف أبنى قواعد المجد وحدى
لأنه بالفعل فى الأيام الماضية كانت مصر بشبابها يبنون مجدا وثورة وحدهم تماما، ثورة تضارع الثورة الفرنسية، ولكنها (حتى الآن) أقل دموية من الثورة الفرنسية، وتوقف العالم كله (بما فيه المصريون أنفسهم) مذهولين ويراقبون أو يشاركون فيما يحدث، ثورة شعبية خرجت عفوية وإستمرت عفوية وسلمية، وإستمر الناس فى الشوارع رغم حظر التجول، وعلى رأى أحد الأصدقاء: quot;ده حظر تجول مصرى.. يعنى كده وكده!!quot; إنها ثورة بدون رأس يحركها ولكنها تتحرك وتتزايد بالعاطفة، ورغم أن الجميع يحاولون الآن سرقتها والكل يدعى بنوتها إلا أن ما حدث قد حدث، لقد كسر المصريون حاجز الخوف من الحكام، وأى حاكم ياتى إلى مصر مستقبلا سوف يعمل ألف حساب لهذا الشعب.
والآن مصر على مفترق طرق خطير والأحداث تتسارع، والإنسان يلهث وراء تلك الأحداث وربما عندما يصل مقالى هذا إلى القارئ يكون قد أصبح غير ذات موضوع، والآن ماالعمل؟
الرئيس أعلن أنه باق حتى سبتمبر 2011، وأعلن أنه سيطالب بتعديلات دستورية هامة عن تحديد مدة الرئاسة، وشباب ميدان التحرير فى معظمهم لا يريدون مغادرة الميدان وإنهاء الثورة إلا برحيل مبارك الذى أعلن أنه سيعيش ويموت على أرض مصر.
من الواضح أن الجيش يؤيد الرئيس والشرعية، وفى الوقت يؤيد حركة الشباب ولن يستخدم القوة ضدهم، والجيش حاليا فى مأزق صعب، هل يستمر فى تأييده للرئيس لحين إنتهاء ولايته الشرعية؟ أم يخضع لمطالب الثورة ويرفع يده عن الرئيس؟ واين نذهب من هنا؟
فى إعتقادى أن مبارك وصل إلى أقصى ما يعتقد أنه لمصلحة مصر، وبعد أن كان يقول من أسابيع عندما سمع أن المعارضة تشكل برلمانا موازيا، قال:quot;خليهم يتسلواquot;، بالأمس إستجاب لمعظم مطالب الشعب ولم يذكر موضوع التسلية! رغم أنه ذكر أنه لم يكن ينوى الترشيح حتى قبل المظاهرات وهى كلمة لا معنى لها ولا لزوم لها وفيها إستخفاف بذكاء المتظاهرين، لأنه لم يتحرك إلى بناء على نزول الناس إلى الشارع.
مصر متوقفة منذ أكثر من أسبوع، النقود نفذت من أيدى الناس لأن البنوك مغلقة، شحت المواد الغذائية، الناس لا تستطيع صرف مرتباتها، القضاء متوقف، هرب الأجانب من مصر، السياحة متوقفة، المطارات مغلقة 15 ساعة فى اليوم، الشرطة مازالت غير متواجدة فى العديد من أجزاء مصر، عديد من الشركات الأجنبية أعلنت عن إغلاق مكاتبها فى مصر، بعض ناقلات البترول تحولت عن قناة السويس. إلى متى سيتحمل المصريون ذلك؟
أنا أعتقد بأن رفض المعارضة للحوار مع عمر سليمان نائب الرئيس كان خطأ كبيرا ووضعهم شرط: quot;أنه لا حوار إلا بعد أن يرحل الرئيسquot;، ذكرنى بالشعار المضحك لحزب الوفد أثناء ثورة 1919 أنه:quot;لا تفاوض مع الإنجليز إلى بعد الجلاءquot;!! على ماذا تتفاوضون إذا ما رحل الإنجليز أو إذا ما رحل مبارك.
...
أعتقد أن الوقت قد حان الآن فورا لشباب المظاهرات والمعارضة أن يشكلوا وفدا للتفاوض مع عمر سليمان نائب الرئيس وربما يستطيعون إقناعه بأن ينقل مبارك كل صلاحياته الدستورية إلى عمر سليمان أثناء فترة السبعة شهور القادمة بموجب المادة 139 من الدستور المصرى.
الصدام والعناد بين الطرفين ممكن أن يؤدى إلى كارثة، شباب المظاهرة يريدون أن يشعروا بأن ثورتهم قد حققت النصر الكامل، وهذا شئ جميل وربما رومانسى، وربما يأتى النصر الكامل بثمن أغلى كثيرا مما دفعته مصر حتى الآن..

ثورة شباب مصر
...
سبيوكم إنتم ما فيش أخف من دم المصريين، دى أجمل لافتة شاهدتها حتى الآن تقول كما ترون فى الصورة:
إرحل بقى.. إيدى وجعتنى!!

[email protected]