إلتقيت به خارجا من أحد أنفاق غزة على الجانب الفلسطينى من النفق، ومددت يدى لآخذ بيده وكان وجهه وذقنه السوداء معفرة من تراب النفق، وأخذ يحجب بيده نور الشمس لحماية عينيه من شدة إضاءة ضوء النهار بالمقارنة إلى ظلام النفق، شاب يبلغ منتصف العشرينات، وسألته ماذا يفعل فى النفق قال: - - إستنى على شوية أصل فيه حاجات معايا لسه حأخرجها
- إيه حاجات زى أيه
- حمارين وجاموسة ودكرين بط وعربية جيب
- الحاجات دى كانت معاك فى النفق؟
- آه إمال إنت فاكر إيه، الإنفاق دى مبنية بمواصفات عالمية!
- طيب وإنت من إمتى بتشتغل فى موضوع الإنفاق ده؟
- من يوم ما فتح مشيت من غزة، الله لا يعيدهم ياشيخ.
- طيب وإنت بتكسب كثير من الموضوع ده
- الحمد لله لكن الحاجات دى مش بتاعتى
- إمال بتاعة مين؟
- أنا بأتاجر فيها لحساب الناس الكبار؟
- كبار مين؟
- مش حأقدر أقول لك.
- مش مهم، وبتحاسبهم إزاى؟
- بآخد منهم %5 من قيمة البضاعة، بعد ما أخلص عليها من جمرك الأنفاق.
- جمرك أنفاق إيه؟
- لأ...ما هو حماس عاملة جمارك وجوازات وكل حاجة على مخارج الأنفاق.
- وإيه كمان؟
- سمعت إنهم ناويين يعملوا سوق حرة للأنفاق
- وإيه الحمير إللى معاك دى؟ وبط وجاموسة؟
- الحمير عشان قطاع النقل والحرص على إستخدام الطاقة النظيفة والمتجددة، لأن حماس حريصة جدا على حماية البيئة فى غزة، وبعيد العادم من الحمير بيستخدم كسماد عضوى فى الزراعة، ومنتجاتنا الزراعية معظمعها منتجات زرعت بأسمدة عضوية.
- وإنت إيه رايك فى حصار غزة؟
- حصار غزة ده أعظم حدث فى التاريخ الفلسطينى!
- ياه !! إيه السبب؟
- لأن الحصار ده علمنا حاجات كثير جدا، علمنا إزاى نقتصد فى حياتنا ولا نستهلك إلا ما نحتاجه بالفعل، علمنا مع إستمرار إنقطاع الكهرباء أن نعيش حياة رومانسية ليلا على أضواء الشموع، علمنا أن نقتصد فى إستخدام الحمامات مع إنقطاع المياه، وأهم من هذا كله علمنا بناء الأنفاق، أصبح الآن لدينا خبراء فى غزة لبناء الأنفاق من كل المقاسات وبأبسط الأدوات والمعدات، ويمكن لهذه الخبرات أن تستخدم لبناء أنفاق للمترو وأنفاق تحت قناة السويس، وتعلمنا أيضا تجارة الأنفاق وهى وسيلة جديدة للتجارة لم تكن موجودة من قبل ويمكن لأهل غزة أن يتقدموا لمنظمة التجارة العالمية لإدخال هذا النوع من التجارة فى التجارة الحرة وتسويقه عالميا. والحقيقة أنا عمرى ولا أى حد من أهلى كسب من التجارة بالشكل ده من قبل بالرغم من أهلى كلهم تجار.
- وإيه رأيك فى السور الفولاذى إللى مصر بتبنيه على حدودها مع غزة؟
- كثير من السذج الفلسطينيين والعرب هاجموا بناء هذا السور، لكن بالنسبة لنا إحنا بناة الأنفاق وتجار الأنفاق السور ده حيحل لنا مشاكل كبيرة!
- إزاى مش فاهم؟
- كانت عندنا مشكلة كبيرة، إننا لما كنا بنبدأ بحفر نفق ما كناش بنعرف إمتى نتوقف، وأحيانا كنا نتوقف عن حفر النفق وفاكرين إننا وصلنا مصر فنكتشف إننا لسه فى غزة، فنضطر نهدم النفق الرأسى ونستمر نحفر أفقيا، وأحيانا كنا بنستخدم ال جى بى إس لمعرفة الإتجاهات والأماكن لكن فى معظم الأحيان ما كانتش بتشتغل فى الأنفاق العميقة، لكن مع بناء السور الفولاذى المصرى حنقدر نعرف دلوقتى أول ما نوصل للحدود المصرية حنصطدم بهذا السور الفولاذى.
- طيب إزاى ختختقروا السور ده؟
(ضاحكا) ndash; دى أبسط حاجة، ديتها بنطة لحام وإنبوبة أكسجين وبنقطع السور الفولاذى وبعد كده على طول نطلع رأسيا ونبقى فى مصر.
- لكنى سمعت أن مصر مركبة أجهزة إنذار على السور ده تعطى إنذار عند أول إختراق.
- يابيه... هو مين بيراقب أجهزة الإنذار دى مش عسكرى مصرى مجند غلبان ياإما نايم ياإما بيصلى ياإما بيكلم بنت خالته فى البلد على الموبايل، وهو أساسا مش مقتنع لا بوظيفته ولا بوظيفة السور الفولاذى، وبعدين العساكر المصريين دول كلهم حبيابنا وساعات بيساعدونا فى حمل البضاعة داخل الأنفاق، وطبعا بنديهم إللى فيه القسمة.
- أنا سمعت إنه فيه تهريب أسلحة فى الإتجاهين، ياترى تعرف حاجة عم الموضوع؟
- أنا تخصصى مواد غذائية وحمير، أما تجارة الأسلحة ده تخصص تانى وبيتم مع جهات عليا فى الجانبين.
- يعنى فى رأيك ممكن تهريب دبابة مثلا من مصر إلى غزة؟
- فنيا ممكن، لكن الدبابة تحتاج نوع معين من الأنفاق وممكن يكون تكلفته عالية شوية. وحتى سمعت إشاعات إننا ممكن نهرب طيارات حربية كمان بس بشرط إننا نفك الأجنحة ونعيد تركيبها فى غزة!
- وإنت إيه رأيك فى موضوع السلام والمفاوضات؟
- المفاوضات دى أوكى، خليهم يتفاوضوا إن شاء الله خمسين سنة كمان، لكن بدون سلام
- ليه ده السلام كويس والصلح خير.
- لأ السلام فيه خراب بيوت بالنسبة لنا، يعنى يرضيك إن كل تجارة الأنفاق المزدهرة دى تندثر وبيتونا تتقفل؟
- لأ طبعا ما يرضنيش!!
[email protected]