تجرى فى هذه الأيام المباركة من شهر مارس عام 2010 الإنتخابات العراقية، وأنا أراقب ما يحدث فى العراق، وأرى أن الإرهاب يلفظ أنفاسه الأخيرة فى العراق بالرغم من إزدياد العمليات الإرهابية الأخيرة، لأن الإرهاب أصبح يضرب ضربات يائسة بدون تمييز بعد أن أدرك تماما فشله فى محاولته لتقسيم العراق بين شيعة وسنة وأكراد، فها هى الكتل الإئتلافية المرشحة للإنتخابات تجمع بين طياتها كل ألوان الطيف العراقية الجميلة، وهناك كتل لا تزال متمسكة بإنتمائتها سواء كانت إنتماءات عرقية أم إنتماءات دينية وهذا من حقها أيضا، إلا أن الجميع أجمع على أن هناك عراقا جديدا قد ولد من رحم المعاناة والتضحيات ومن رحم ضحايا الإرهاب خاصة.
وأنا لا يعنينى من يفوز فى الإنتخابات ولا يعنينى من سيصبح رئيسا للوزارة القادمة ولا يعنينى من يراقب الإنتخابات، أنا يكفينى أن أرى رئيس الوزراء العراقى ورئيس الجمهورية والوزراء الحاليون يكافحون مثلهم مثل أى مرشح آخر للفوز بأصوات الناخبين، والكل يدرك تماما أنه لن تحصل كتلة واحدة على نسبة %99 ولا حتى نسبة ال %50، هل رأيتم هذا من قبل فى منطقتنا العربية؟ اللهم إلا فى إسرائيل وأحيانا فى لبنان وفى مصر قبل عام 1952. هل سمعتم أن الرئيس طالبانى يسعى لكى يورث إبنه رئاسة الجمهورية؟ هل سمعتم عن أشخاص يبقون فى نفس المنصب قرابة ربع قرن ولا يريدون تركه ولو على نقالة إسعاف؟ هل رأيتم متوسط عمر المسئولين فى دولة ما يقترب من الثمانين عاما؟ طبعا أنا كل ده بأتكلم عن جمهورية سلوفينيا!!
...

لماذا ترغب معظم الدول العربية وخاصة دول الجوار فى فشل العراق ولماذا ترغب إلى أن يعود إلى الوراء حتى لو كان ثمن هذا هو آلاف الضحايا الأبرياء؟ أعتقد أنه يوجد عدة أسباب:
أولها: العرب بطبيعتهم يكرهون التغيير بدليل أن الحكام العرب يضربون الأرقام القياسية فى البقاء فى السلطة، حتى أصبح أى حديث عن التغيير هو ضد الإستقرار المصطنع، وأهو إللى نعرفه أحسن من إللى ما نعرفوش!!
ثانيها: التغيير جاء فى العراق نتيجة الغزو الأمريكى، يعنى كان بيد عمرو لا بيدى، وطبعا أى خير يجئ من ناحية أمريكا يبقى مش خير
ثالثا: نهوض العراق سيكشف كل الأنظمة العربية، سوف تكون البداية وسوف يتم تحطيم باقى الأصنام واحدا تلو الآخر، وهناك العديد من العرب مستفيدين من بقاء الأصنام، إبتداء من المثال الذى يصنع الأصنام ونهاية بمن يحمل البخور يدور بها حول الأصنام ومرورا بمن يلمع ويدهن الأصنام من وقت لآخر، حتى من يعبد تلك الأصنام يخشى من تحطيمها، لأنه لا يؤمن إلا بتلك الأصنام.
....

وأنا لى بعض الملاحظات على الإنتخابات العراقية ولكنها لا تقلل منها:
أولا: لم أفهم الإصرار على عدم السماح لأعضاء سابقين فى حزب البعث فى الترشيح للإنتخابات، إن سحب حق الترشيح لأى مواطن يجب أن يتم بحكم محكمة وليس بحكم لجنة، أنا أفهم أن يمنع ترشيح من ثبت تورطهم فى جرائم أيام حكم البعث أو بعدها. إن من عظمة نيلسون مانديلا ليس فى أنه خرج من السجن إلى رئاسة جنوب أفريقيا وليس لأنه قضى على النظام العنصرى هناك ولكن عظمته كانت فى أنه سامح من إضطهدوه عن طريق لجان المصالحة والتسامح، ولولا هذا لشهدت جنوب أفريقيا مذابح مقيتة وإضطهاد مضاد من جانب السود للبيض هناك.
ثانيا: لم أفهم سبب السماح للجيش والبوليس الإشتراك فى الإنتخابات، فالجيش والبوليس فى أى بلد هما ملك لكل البلد وليسا ملكا لحزب معين أو طائفة معينة. أنا أفهم أن يشتركوا فى إنتخاب رئيس الجمهورية بإعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولكن لا أفهم أن ينتخبوا ممثلين فى البرلمان.
ثالثا: لا أفهم أن يكون وزير الدفاع الحالى عضوا فى أحد الإئتلافات المرشحة للإنتخابات؟، ماذا إذا لم تعجبه النتائج، فهل سيأخذ دباباته وبنزل للشارع؟
رابعا: سعدت بالكوتا المخصصة للسيدات ، وهى %25 من المقاعد، أرجو أن تخرج المرأة العراقية من عباءتها وتكون مثالا للمرأة العربية، فما لم أكن أعرفه أن أول وزيرة عربية فى التاريخ الحديث كانت وزيرة عراقية.
خامسا: أقرت بعض الأحزاب الدينية فى العراق أثناء الإنتخابات بأها تسعى لتكوين دولة مدنية يتساوى فيها المواطنون أمام القانون بغض النظر عن إنتماءاتهم، وهذا كلام جميل جدا حتى لو قيل لتحسين الصورة ولإكتساب أصوات الناخبين، إلا أنها تؤكد أن أصواتنا الذى بحت مطالبة بالدولة المدنية لم تذهب هباء.
...

ومرة أخرى هنيئا للعراق الجديد بإنتخاباته، وكل إنتخابات وأنتم طيبون، وأرجو أن تكون الإنتخابات القادمة قد أتت وقد إندحر الإرهاب تماما وكذلك تكون أراضى العراق تحررت من الإحتلال، وشكرا ماما أمريكا!!

[email protected]