فى بداية حرب 1967 ولإعلان نبأ الهزيمة بالتدريج للشعب المصرى أعلن راديو القاهرة أن: quot;قواتنا قد أعادت تمركزها إلى خط الدفاع الثانىquot;، ولم نفهم وقتها معنى كلمة quot;خط الدفاع الثانىquot; ولم نعرف أنها تعنى quot;هزيمةquot; ولم نفهم معنى كلمة quot;أعادت تمركزهاquot; ولم نعرف وقتها أنها تعنى الإنسحاب، ثم جاء إعلان نتيجة الهزيمة على لسان القائد quot;الملهمquot;، واليوم يعود الليبراليون العرب إلى خط الدفاع الثانى وربما الثالث فى صراعهم الحضارى مع الإسلامويين، ونجح الإسلاميون بإقتدار إلى جر الليبراليين والعلمانيين إلى ملعبهم وأمام جمهورهم العريض، فنجحوا أيما نجاح حتى الآن فى تحجيم الإتجاه الليبرالى وبقى هذا الإتجاه رهن الإعتقال إما فى سجون حقيقية أو فى سجون معنوية أو فى سجون عبارة عن مقالات بالإنترنت مثل مقالاتى تلك والتى لا يقرأؤها غير بضعة مئات وربما بضعة آلاف فى أفضل الأحوال، وإعتزل البعض أو هاجر تحت وطأة الخوف من الإتهام بالكفر وخوفا من تطبيق حد الردة أو التطليق من الزوجة (والتى قد تكون نعمة لبعض الليبراليين والإسلامويين على حد سواء!!) ناهيك عن الإتهامات المتكررة بالعمالة للغرب وللمخابرات الأمريكية وللموساد الإسرائيل
والليبراليون بطبيعتهم أناس مسالمون لأنهم يؤمنون بالسلام والحب والتعايش بين الناس، ووقعوا فى شر أعمالهم عندما واجهوا قوى تريد العودة للخلف ليس فقط إلى أيام الصحابة الأوائل ولكن فى بعض الأحيان إلى عهود الجاهلية الأولى، وواجهوا قوى لا تعترف إلا برأيها، ليس هذا فحسب بل وتعتبر أن قتل المخالفين فى الرأى هو فريض أسموها quot;الفريضة الغائبةquot; ألا وهى فريضة الجهاد، لذلك فلا تتعجب إن قرأت أو سمعت عن إنتحارى يفجر نفسه داخل مسجد أثناء صلاة الجمعة فيقتل نفسه ويقتل عددا ممن يختلفون عنه فى المذهب مع العلم بأنه مسلم وهم مسلمون وتم قتلهم أثناء تواجدهم داخل المسجد وهم يولون وجوههم نحو نفس إتجاه قبلة الإنتحارى، لذلك يقول بعض الليبراليون:quot;إذا كانوا بيموتوا الناس أثناء صلاة الجمعة، يبقى حيعملوا معانا إيه وإحنا بنهاجمهم ليل نهارquot;، وبالفعل تم إغتيال فرج فودة وتمت محاولة إغتيال نجيب محفوظ وتم الحكم بالتفريق بين نصر حامد أبوزيد وزوجته، وتمت وضع الحراسة على العديد من الكتاب الليبراليين، كل هذا فى مصر فقط، وأذكر مناقشة تمت بينى وبين أحد الإسلامويين والذى لم يبد أى إستنكار لمحاولة إغتيال نجيب محفوظ بل على العكس، لم يستطع إخفاء شماتته، وقال لى:
- يستاهل أصله ماسونى
- طيب إنت عمرك قريت له حاجة؟
- لأ
- طيب إنت تعرفه شخصيا؟
- لأ
- طيب عرفت منين إنه ماسونى؟
- سمعت
- طيب تعرف يعنى إيه ماسونى؟
- لأ
- طيب تعرف منين إن الماسونية حاجة وحشة؟
- أهو بيقولوا إنها حركة صهيونية.
- يعنى معنى كده إن نجيب محفوظ كان صهيونى؟!
- مش بعيد...
(وعندها توقفت عن إستكمال الحديث، فعندما يغيب العقل يجب أن يتوقف اللسان) (على الأقل بالنسبة لى)!!
ولقد إستطاع الإسلامويون أن يقودوا الليبراليين إلى الإنزلاق إلى معاركهم التافهة:
فأصبحنا نهاجم العلاج ببول الإبل بدلا من أن نقوم بتوعية مواطنينا عن أهمية المستقبل الطبى للعلاج بالخلايا الجذعية، وعن الهندسة الوراثية
وأصبحنا نهاجم النقاب بعد أن خسرنا معركة الحجاب، بدلا من أن نهتم بالتركيز على مساواة المرأة بالرجل فى كل المجالات
وأصبحنا نسخر من مسألة إرضاع الكبير بدلا من أن نشجع الإختلاط بين الرجل والمرأة فى كل مراحل التعليم وكل أوجه النشاط الإقتصادى والإجتماعى والرياضى.
ودخلتا فى نقاشات عقيمة حول حديث الذبابة ومدى صحته، بدلا من أن نقوم بتنظيف مدننا، لأننا لو نظفنا مدننا وقرانا سوف يختفى الذباب نهائيا ويختفى معه ضرورة اللجوء إلى حديث الذبابة.
وكان أهم شاغل فى مصر هذا الشهرهو: هل يصوم لاعبى منتخب مصر لكرة القدم أم لا؟ لدرجة أنه قد صدرت فتوى بهذا الخصوص، وإنزق الليبراليون أيضا إلى تلك المسألة الغير مهمة على الإطلاق.
وإنزلقنا أيضا إلى متابعة إسهال الفتاوى فى السنوات الماضية، بدلا من التركيز على تنمية المجتمع وإنماء وإعلاء دور العقل، وأصبحنا نسمع أسئلة إلى مشايخ الفتاوى من نوع:
أنا زوجى أهلاوى وأنا زمالكاوية ويهددنى زوجى إن لم أغير ملتى الزمالكاوية وأبدأ فى تشجيع الأهلى فإنه سوف يعتبرنى زوجة quot;ناشزquot;، فما هو رأى الشرع فى هذا؟ والأسوأ من السؤال هو أن يتطوع أحد المشايخ بالإجابة والأدهى والأمر من هذا وذاك هو أن أكتب أنا عن هذا الموضوع من أساسه!!
وبالأمس فقط تلقيت رسال إلكترونية عن فتوى الشيخ بن باز بإنكار كروية الأرض، هذا الموضوع لا يعنينا فى كثير أو قليل، وإنما يبدد طاقاتنا ويجعلنا نلعب فى ملعب الإسلامويين، بدلا من تشجيع شبابنا على إبتكار سفينة فضاء تخرج بهم خارج الكرة الأرضية.
وإستهلكنا قوانا فى محاربة ما يسمى بالإعجاز العلمى فى القرآن، بالرغم من أن الكل يعرف أن القرآن إنما هو كتاب ذكرى للناس وهداية للعالمين، وليس كتاب كيمياء حيوية أو علم الأجنة، وتتطوع الكثير من الليبراليين لكى يثبتوا بأن هناك نصوص دينية تتعارض مع العلم، مع أن هذا هو ضد نفس المنطق السابق فكل الكتب الدينية أنما هى كتب دينية وإذا وجدتم تعارض فى الوقت الحالى أو المستقبل بين تلك الكتب وبين الأمور العلمية فلا غبار فى هذا لأن تلك الكتب أتت فى أزمنة معينة وتتحدث إلى أناس بمستوى معرفة يناسب عصرهم، ولكن أن نؤلف الكتب مع هذا أو ضد ذاك فهذا هو مضيعة الوقت بأسمى صورها
وأنا أناشد كل الزملاء الليبراليين أو كما أن أحب أن أسميهم الزملاء الأحرار، أن يتوقفوا عن تلك المعركة الخاسرة والتى لا يمكن أن يكسبوها، ويفعلوا شيئا لشعوبهم بل وعليهم أن يتخذوا من الإسلامويين مثالا يحتذى.
الإسلامويين فهموا رجل الشارع أفضل منا بعشرات المرات، وقفوا إلى جواره صفا واحدا فى المسجد، إردتوا نفس جلبابه ونفس طاقيته أطلقوا لحيتهم مثله، أقاموا له مسجدا ودار حضانه وعيادة طبية رخيصة وصالة عزاء ومدرسة لتحفيظ القرآن، بل وقاموا بتجميع أموال الزكاة ووزعوها على الفقراء، أما الليبراليون فقد حبسوا أنفسهم داخل ندواتهم والتى لا يحضرها سواهم، وكتبوا كتبا لا يقرأها سواهم، وتعالوا على ابناء شعبهم وعلى رجل الشارع ومن حين لآخر يعايرون رجل الشارع بجهله، وبأن نسبة الأمية فى العالم العربى قد تجاوزت ال %50 فى بعض البلدان، فماذا فعلتم أنتم أيها الليبراليون لنشر العلم بدلا من الجهل؟ ماذا فعلتم للنزول إلى الشارع؟ أين جمعياتكم الخيرية؟ أين مدارسكم؟ أين مستشفياتكم المجانية؟ أين ملاعبكم الرياضية؟
إن الإسلامويين فعلوا أشياء كثيرة لشعوبهم ولم ينتظروا حكوماتهم للمساعدة بل وفعلوا تلك الأشياء رغم أنف الحكومات فى معظم الأوقات. أما الليبراليون فقد إكتفوا بالفرجة ولوم الحكام.
...
وأنا لا يوجد لدى أدنى شك بأنه إذا كانت هناك حرية وديموقراطية حقيقية فى مصر وغيرها من البلاد العربية والإسلامية، فإن الإسلامويين سوف يفوزون بأغلبية وحتى إن لم تكن أغلبية مريحة فإنها تكفى لتكوين حكومات إئتلافية، وإن حدث هذا فإنى أشد على أيديهم وأقول لهم: حلال عليكم لقد فهمتهم شعوبكم أفضل بكثير منا، ونراكم فى الجولة القادمة إن كانت هناك جولة قادمة!!
[email protected]

hellip;