كان عبد الناصر يصف حكام الخليج بأنهم حكام رجعيون ومتخلفون، حتى حدثت هزيمة 1967 فلم ينقذه سوى حكام الخليج بالدعم المادى والمعنوى، وكنا فى مصر نسخر من صغر بعض بلاد الخليج مقارنة بمصر، وكنا نقول النكتة القديمة أن أحد أمراء الخليج قد بزيارة الصين الشعبية وسأله رئيس الصين عن عدد سكان بلده، فقال الأمير: حوالى نصف مليون نسمة، فرد الرئيس الصينى قائلا: والله ياراجل ما لكش حق... طيب ما جبتهمش معاك ليه!!
...
وبعد زياراتى المتعددة إلى للخليج تيقنت أن عبد الناصر أخطأ خطأ جسيما لأن بعض حكام الخليج وفى مقدمتهم الشيخ محمد بن راشد حاكم دبى والشيخة موزة المسند سيدة قطر الأولى أصبحوا يقودون العالم العربى فى إتجاه التقدم والحداثة، وكتبت منذ سنتين مقالا تحية للشيخ محمد بن راشد عن ريادته ومجهوده الرائع وكيف أنه حقق فى سنوات بسيطة ما عجز عنه باقى الحكام فى نصف قرن، وبالرغم من الصدمة المالية والتى تعانيها دبى حاليا، إلا أن محمد بن راشد نجح وللأبد فى وضع دبى فى مكان متميز على الخريطة العالمية.
ونحن معشر الكتاب الليبراليون عادة ما نهاجم الحكام وإذا كتبنا مدحا فإن معظم مايكتبه الكتاب العرب مدحا للحكام منذ أيام المتنبى يكون إما خوفا أوطمعا، وهذا حقيقى إلى حد بعيد (حتى فى حالتى) فأنا لا أمانع فى تقبل هدية سيارة مرسيدس إس إي إل 550 سوداء نتيجة مقالى هذا، حتى وإن رسيت المقالة على سيارة بورش فأنا أيضا لا أمانع!! لذلك فسوف أسلك طريق المدح اليوم (ليس خوفا ولا طمعا ولكن حقا).
..
وكنت أعتقد قبل زيارة قطر، أن قطر هى مجرد مكان تنطلق منه قناة لهلوبة الفضائية الواسعة الإنتشار وأصبحت قناة عالمية برغم إختلافى معها من الناحية الأيدولوجية لأننى مازلت أعتقد أنها أحد أسباب إنتشار التطرف فى العالم العربى وكان المفروض عليها أن تنشر الحداثة والعلم بدلا من نشر رسائل الإرهابيين وبدلا من تأكيد نظريات المؤامرات الغربية ضد العرب والمسلمين، ما علينا هذا موضوع آخر، لكنى والحق يقال لقد غيرت رأئى بعد زيارة المدينة التعليمية والتى أنشأتها (مؤسسة قطر)، وتتولى الشيخة موز المسند رئاسة مؤسسة قطر، وتقوم مؤسسة قطر للبترول بالتمويل المباشر لمعظم مشروعات (مؤسسة قطر) وهذا فى تقديرى أفضل إستثمار لفوائض البترول وذلك بإستثمارها فى التعليم المتطور، ولقد نجحت الشيخة موزة المسند عن طريق مؤسسة قطر فى جذب نخبة من أعرق الجامعات العالمية إلى قطر ونذكر على سبيل المثال: جامعة فرجينيا كومنولث، جامعة إيست وسترن من شيكاجو، جامعة جورج تاون من واشنطن، جامعة تكساس إيه آند إم، جامعة كارينجى ميلون الكندية، كلية طب ويل كورنيل، لقد نجحت الشيخة موزة فى البدء من حيث إنتهى الآخرون لقد أدركت تماما أن قوة أمريكا ليس فقط فى قوتها العسكرية أو الإقتصادية ولكن تلك القوة العسكرية والإقتصادية هى نتيجة لقوتها العلمية من خلال جامعاتها ومراكز أبحاثها، لقد رفضت الشيخة موزة أن تعيد إختراع العجلة بل لقد قررت شراء أفضل عجلة بأموال البترول، لقد قمت بزيارة موقع المدينة الجامعية للطلبة والطالبات (تحت الإنشاء) وهى مدينة مصصمة بواسطة أفضل المكاتب الهندسية فى العالم وسوف تكون أضخم مشروع فى العالم يحصل على شهادة بلاتنيوم لتبنيها مواصفات (المبانى الخضراء) تلك الشهادة التى يمنحها المجلس الأمريكى للمبانى الخضراء.
وتقوم مؤسسة قطر أيضا فى البناء فى مجال الصحة والثقافة والبناء الإنسانى، فكما قام الشيح محمد بن راشد فى البناء فى مجال العقارات والتجارة والمال والسياحة، قامت الشيخة موزة المسند بالتركيز فى مجال الإنسان وذلك بالتركيز على التعليم والصحة والثقافة، وهذا مطلوب وهذا مطلوب، وإن كان العائد فى مجال المال والعقار والتجارة والسياحة يكون أسرع ولكن العائد فى الإستثمار فى الإنسان هوالأبقى والأهم، وهذا لا يقلل من إنجازات دبى.

أنا فى إعتقادى أن ماقام به الشيخ محمد بن راشد وتقوم به حاليا الشيخة موزة المسند هو مثابة بعث جديد ودفع دم جديد فى سبيل دفع منطقة الشرق الأوسط فى طريق الحداثة والتقدم ومحاولة اللحاق بالقطار التى بدأ مسيرته من القرن التاسع عشر عندما بدأت مصر أيام محمد على باشا فى أعقاب نهاية الحملة الفرنسية على مصر والتى قضت على المماليك الذين وضعوا مصر فى قمقم لعدة قرون وحكموا مصر هم والأتراك بإسم الدين، والدين منهم براء، لقد إستعان محمد على بأفضل مافى العالم من مهندسين لبناء قلعته الصناعية، وفتح المدارس المهنية العلمية لتدريس الهندسة والطب والزراعة ونقل مصر من مرحلة الكتاتيب والحفظ إلى مرحلة العلم والفهم والإبتكار وأرسل البعثات إلى أوروبا، وجاء بعده الخديو إسماعيل ليضع لمساته الحضارية من أوبرا وقناة السويس والبرلمان وإستكمل مسيرة محمد على فى طريق بناء البنية التحتية المصرية.

يجب على المصريين أن يحضروا إلى قطر ودبى لكى يتعلموا منهم بدون إستكبار ولينسوا الماضى، وليتوقفوا عن قولهم:quot;ده إحنا إللى علمناكمquot; وهو قول حق يراد به باطل، نعم مصر علمت الكثير من العرب، ولكن فى كثير من الأحيان يتفوق التلميذ على إستاذه، وهذا فخر للإستاذ ولا ينقص منه، ولكن حان للإستاذ أن يخلع عباءة الإستاذ ويرتدى (مريلة) التلميذ!!

إن من شمتوا فى أزمة دبى أقول لهم سوف يخيب رجاءكم لقد تم البناء، وسوف يتم تسديد الديون بمساعدة الأشقاء لأنه رغم الشماتة فإن من مصلحة الجميع أن تنهض دبى من جديد وتأخذ الريادة فى مجال الحداثة، والتقدم الذى أعجبنى فى دبى ليس فى علو الأبراج السكنية ولا إبهار فنادق الخمس نجوم، ولكن فى التقدم الإجتماعى والحضارى وإلتزام الناس بالقوانين، والخدمة الممتازة والإلكترونية فى المكاتب الحكومية، وفى إحترام الآخر، فتذهب إلى الشاطئ فتجد البنت الأوربية ترتدى البكينى وبجوارهاالبنت الخليجية برداءها التقليدى والكل يحترم الكل، هذه فى تقديرى معجزة وخاصة فى عصرنا الحالى حيث سيطر مشايخ الحجاب والنقاب على العقول والأفئدة.

ولى رجاء للشيخة موزة المسند وهو محاولة نشر الثقافة الحضارية ليس فى قطر فقط ولكن فى باقى البلاد العربية وبالذات البلاد ذات الثقافة السكانية الكبيرة مثل مصر والسودان وسوريا والمغرب والجزائر، لماذا لا تبدأ مؤسسة قطر بإنشاء فروع للجامعات العالمية العريقة فى القاهرة والخرطوم ودمشق ومراكش والجزائر ونابلس، ولماذا لا تبدأ الجامعات التى تم إنشاؤها بالفعل فى قطر بقبول الطلبة العرب المتفوقين بمنح دراسية رمزية.

إن العلم والثقافة والفن هم السبيل الأجدى فى محاربة التطرف والإرهاب والخرافة المسيطرة على الشارع العربى، أننى أعتبر أن الشيخ محمد بن راشد هو أحد رواد التقدم فى العصر الحديث، والشيخة موزة المسند أيضا رائدة فى مجال الثقافة العلوم وكونها إمرأة عربية مسلمة فإن هذا يجعلنا نقدرها أكثر فهى تسبح ضد التيار فى مجتمعات لا تزال تنظر للمرأة بإعتبارها عورة وسلعة.
قد يقول قائل إن الشيخة موزة المسند وراءها أموال البترول، وهذا حقيقى ولكن إنظروا حولكم إلى بلايين البترودولارات التى صرفت على مغامرات عسكرية وعلى قصور و على أسلحة لا تعمل وعلى ملذات أخرى، من من دول البترول إستطاعت إنشاء هذا الكم من المؤسسات العلمية والثقافية فى هذا الوقت البسيط؟
...
سوف أختم بالدعاء التقليدى الذى اسمعه من خطباء الجمعة: quot;اللهم وفق ولاة أمورنا لكى يتخذوا القدوة من محمد بن راشد ومن الشيخة موزة المسندquot;.
[email protected]