إن موقع فرنسا في خريطة الشرق الأوسط الكبير لم تعد تحتمل التفسير والتأويل، فطي ملفات الخلاف والإختلاف بين فرنسا والولايات المتحدة حول العراق قد كان البداية اليسيرة للمشروع الإحتلالي الجديد. إن البساطة ليست أفضل السبل في السياسة، لكنها في التحليل هي ذات أهمية مزدوجة المعايير، إذ يتبين فيها من دون لبس وتمحيص دقيقين من أن فرنسا والولايات المتحدة الأميركية يريدون لعب دور محوري في الشرق الأوسط الكبير، وستدخل بريطانيا الغامضة هذه الأيام على الهجوم قريبا جدا لحفظ مصالحها بطبيعة الحال. هناك محاولة فرنسية جدية للإنضمام إلى التمساح الأمريكي الذي يجتر الشرق الأوسط بما فيه الخريطة الملتوية التي رسمها لنفسة خارطة للوصول إلى مبتغاه الحميد السديد، وذلك تحت عقدة الخوف والتخويف من الأسلاف غير الصالحين، وتلازم مسارات الحكام الفاسدين، ومصائرالمفسدين والمتطلعين إلى نعمة الفساد في الشرق الأوسط الكبير أجمعين.
لم يسمع الرئيس الأمريكي جورج بوش النية لحلفائه الأوروبيين الميمونين عن ماهية التفاصيل الدقيقة لخريطة الشرق الأوسط الكبير... الأسئلة معروفة سلفا لكل سائل، والأجوبة أيضا للسامع فيض تكرار لحمار لم يتعلم نعمة التحليق بعيدا عن صحنه اليومي الشهير.. إذ يقول الرئيس الأمريكي جورج بوش نريد تنفيذ خارطة الطريق أي حلا لدولتين تعيشان جنبا إلى جنب بسلام (السلام يعني الأمن لإسرائيل طبعا)، الأمن هو أساس كل شيء مقابل الأعتراف بفلسطين كدولة من ضمن خارطة الطريق، كل المقصود من ذلك القول عمليا هو عملية غقرار بسيطة: (الكلام طبعا بين قوسين هنا، لأنه أيضا وبالتأكيد لا يلزم إسرائيل../ أقر أنا جورج بوش، رئيس العالم الحر، أو إن شئتم رئيس الأمة الأمريكية، بأن فلسطين ستعيش دولة حرة كما أخطط لها بأن تكون في عام 2009 ـ بعد رحيله طبعا، إذ إنه وعد العرب وكل العالم الحر سابقا وأعرب متشدقا من أن مفهومه للسلام سيوقع في عام 2005 وستكون هناك دولة فلسطينية في ذات العام على أبعد تقدير نتيجة ذلك، وشاطره توأم الكذب والتضليل توني بلير، لكن الأحداث تدل على أن لا مفهوم موجودا بالأساس، وبالأصل فلسطين لن تكون في أكثر الأحوال، أنى أعلنت، لتماهي أكثر من سلطة بلدية وأقل من جزيرة موبوءة بالفاسدين والعملاء والمطبعين بختم أميركي أصلي أصيل).. بح، بح، بح / خلص الحكي، قولوا معي: أمين.
التوقيع: رئيس العالم الحر "الأمين" / جـورج بـوش.
أما عن العراق، فالحكومة العراقية الجديدة (ما بعد صدام طبعا، حسب القاموس الجديد) ستكون مكبلة بوصايا الإحتلال العشرة، وغير قادرة حتى على حفظ الأمن، أو حفظ بياض وجهها الذي أتت به، بل قل أكثر من ذلك، ستزيده سوادا قاتما كالعمالة التي تجلت بكل أذنابها منذ سقوط نظام الرئيس صدام حسين وحتى تاريخهم المجيد بالإحتلال أو ما زعموه باطلا (حرية العراق طبعا)، ولن تكون مطالبة أصحاب الفخامة في أركان الدولة بخروج القوات "الحليفة" الفاتحة إلا إجراء روتينيا ذات صبغة واحدة، ستتخذه أي حكومة بطلب من كامل أعضائها بوضع جدول زمني لخروجها أو "إعادة إنتشارها" حسبما تقتضيه الظروف والمتغيرات التي يراها أصحاب برنامج العراق الجديد: (الإحتلال مقابل الغذاء)، أو الأمن مقابل سحق رأس الزرقاوي ومساعديه / ما شاء الله وكم له من مساعدين ومستشارين وخبراء فنيين في كافة أنحاء العراق.. ومن الفن ما قتل!! ربما يقول قائل أنه نال 8 ملايين صوت في الإنتخابات الأخيرة وسيشكل الحكومة..، هذا الرقم جاء نتيجة بيانات القوات "المتحالفة" التي توكد يوميا أنها اعتقلت مساعدا للزرقاوي وأنه قائد منطقة كذا وكذا..).. هذا كله في وقت يستعد فيه أشراف كردستان العراقية قلبا وقالبا، للرحيل عن محيطها ومحور إتزانها الوطني، بعدما ألبست كفن الفيدرالية الجديدة، وتسلح الطامعون بما شرعنته أيدي المحتلين وحلفائهم، وهم يمارسون "بروفة النهش المنظم" لأكل عظامها المكسر تحت عناوين مختلفة أهمها "حق تقرير المصير" و "الإستقلال" متى كان مطلبا شعبيا تنادي به أكثرية باتت مغربة عن واقع بائس يضحكون له في غرف الرقابة الفائقة الأجنبية.
الشرق الأوسط الكبير!! (أستغرب، لماذا لا يقال العظيم أو الحر أو ما شابه – التعبير هنا غير موفق جدا)، لكن المضمون يدل أيضا على أن الشرق الأوسط صغير جدا، ولقب الكبير قد يكون فتحا مبينا على العالمين أجمعين.. نعم، الشرق الأوسط الكبير، بعدما كسرته الأنظمة وفتتت كل مقوماته وتاجرت بمفاهيمه، وشرعت توزعها غباء وهباء لكل من يعنيهم الأمر، فكانت فكرة أن يكون الشرق الأوسط الكبير فاتحة "عظيمة" لكل من لا تطال يده جزمة السلطة، أسنح فرصة ذهبية ذات معان خالدة، ليكسر بها شموخ المعاني الوطنية وما تبقى من الهوية المشرعة على الخارج الأجنبي تحت ذرائع السادة الكاملة والديمقراطية السليبة.. إن تعريف الديمقراطية يتغير بين الدول، فالديمقراطية تستمد شرعيتها من مبادئ القانون الطبيعي أولا، ومن إحترام الحريات الفردية وحقوق الإنسان، وحرية الصحافة والإعلام، وتنضوي التعددية تحت جناحيها.. والأسئلة تتوالى لتجيب على مقدمات المشروع، فمثلا وليس حصرا، هل أن ديمقراطية مشروع الشرق الأوسط الكبير هي التي تجلت معانيها التحريرية في "فضائح سجن أبو غريب" مثالا؟! أو اكتملت أطراف مجدها في تشكيل سلطة الوصاية والتسلط العشائرية العنصرية على رقاب الشعب في العراق؟! أو هي التصويت بالفيتو على كل ما هو حق طبيعي للأخر المسلوب؟! أم هي جدار يبنى بذريعة الأمن، ولكن خباياه عنصرية خبيثة شريرة تستقرأ واقع الحال والمحال العربي الكئيب الضعيف لتغتال الحجر والبشر والزيتون العربي؟!.. إن مؤامرة لوس أنجلس وشرم الشيخ وإعادة سفراء مصـر والأردن إلى "إسرائيل"، مرتع أحلام البغي والعهر الأبدي، إلا بداية البدايات، وما إصطياد "الحريري" وإغراق الشام ومحاكمة الشام غيابيا بالموت المشؤوم إلا مدماكا فيه، لتصب الزيت والنار من أيادي عرابيه حقدا خالصا، إيذانا منهم ببدء تقليم أظافر الندم على ما قد خالفناهم به، وما قد وعدونا به من عند "الله الأمريكي" الحكيم.
في أول زيارة لأوروبا بعد تنصيبه في الولاية الثانية، لم يكن هناك من أدنى شك بأن جورج بوش الإبن الأمين لكل الغباءات الإلهية، لا يملك إلا إستراتيجية الكلام الإعلامي حول القضية الفلسطينية ـ
أو حتى هي ليست قضية في حساباته، إنها مسألة أمن، ووقف لما يسميه "العنف" تطبيقا لخارطة الطريق التي أوتي بها من كواليس حكمه الظالمة، فهو الذي لم يذكر مرة أي قرار لمجلس الأمن يتعلق بإنسحاب الجيش "الإسرائيلي"، أو يتعلق بمضمون الصراع وحقيقته الفعلية على أرض الواقع، وعن مفاعيل الغبن الحقوقي والسياسي والإجتماعي والإنساني الذي يعيشه الفلسطسنيون.. طبعا، الفلسطينيون الديمقراطيون، وليس الإرهابيين من جماعة "ياسر عرفات"، الذي أرادوه أن يموت معزولا وشاردا ومغردا في نهايته الأخيرة.. إنها عبرة الديمقراطية والإنتخابات التي شهد لها العالم بفوز ساحق ومجيد على كل أخصامه "الدمى" في العين الفلسطينية والعالمية ـ بحضور مراقبي الإتحاد الأوروبي الذين لا يفوتهم من الكمال الاميركي شيئا ـ إنه مجد الديمقراطية التي اجتاحت وطننا، هذا الشرق الأوسط الصغير، الذين أرادوه كبيرا يومها، بأفكارهم وأفعالهم وتشويهاتهم المقننة.. لقد صار بنظرهم "ياسر عرفات" قائدا إرهابيا، وشريكا فاسدا، ولا يمثل إرادة الشعب الحي، ومتسلطا، وحاميا أمينا للفساد وللمفسدين وللقتلة وللإرهابيين.. بالأمس القريب، هذا الذي وقع 99 % من المعاهدات والإتفاقات "المؤقتة طبعا"، وتنازل عن بند تدمير "إسرائيل" إلى الأبد، ونال جائزة نوبل للسلام، وحاضر عن العفة الفلسطينية ومعاني التحرير، فكان صريع التحرير والعفة التي حاضر بها والخداع الذي أوقع فيه ووقع طوعا في أفخاخه الكبيرة.
إن الرئيس الأمريكي يتظاهر أوروبيا بأنه يتماهى ويتماشى مع الإتحاد الأوروبي في تطلعاته، وأن سقطة الخلاف حول حرب العراق قد صارت من الماضي البعيد، حتى أنه قبيل ذهابه بساعات لأوروبا، خيل إليه بأنه كرئيس الولايات المتحدة الأسبق "فرانكلين"، وكأن أحداث التاريخ تعيد نفسها، عندما زار هذا الأخير أوروبا في القرن الماضي وتم استقباله بحفاوة عالية تفوق الخرافة، إلا أن صاحبته في الخارجية "كوندي أبو ريس" قد أذهلته بتواضعها قائلة له: "جورج!! يجب أن تكون متواضعا في هذا المجال، إن الأوروبيين لا ينسون شيئا، كن حذرا يا صاحبي"... بكل بساطة، أسائل نفسي دوما، متى لم يتفق الأميركيون مع "جزر الموز والجزر، والبطيخ بكل أنواعه" على قضايا تتعلق بالأمن والسلام ومكافحة الإرهاب والتجارة والبيئة وتبادل كل فضائل العالم الحر التي يتنادون بها، حتى أنهم يجمعون على جنس الملائكة، وعند تنفيذ ما تعهدوا به وقاتلوا من أجله ينقلبون إلى نقيضه المستحيل الذي لا يحمد، ولا يغني، ولا يسمن من جوع.
إن أوروبا لم تعد أوروبا، وهي ليست للأوروبيين وحدهم، ولا لمن يعنيهم أمر "مكة" فقط، فكل التفاصيل الصغيرة فيما بينهم لا جدال فيها، وحتى الكبائر لم تعد شأنا قوميا، والعزف الإيقاعي الأمريكي في أوروبا الموحدة، صار مقبولا يروج له كالعطر الباريسي، أو كالنبيذ المخمر داخل دبابات حلف الناتو الأمريكي أو "حلف شمال الأطلسي"، هذه الذراع الأمريكية الجديدة، اللاعب الخصم لكل ما هو أوروبي بإمتياز، ولكل ما هو سيادي على مستوى الوحدة الكبيرة والوطنيات الصغيرة، لن تكون عونا وسندا لأوروبا الحرة الخارجة من حروبها الطاحنة إلى ساحات الأخرين المسحوقين، ستكون عبئا ملموسا يغرق في بطن التمساح الأمريكي الغاطس في كل مكان من العالم مبشرا بما خسره الأخرون (الحرية).. نعم، الحرية التي لا يملكها التمساح الأمريكي لمشروع الشرق الأوسط الكبير!! كيف بالولايات المتحدة الأميركية تنشر قيم العالم الحر "الحرية والديمقراطية"، وتبشر بالحروب الإستباقية. إن مشروعاتها لم تعد صالحة للتبشير في كل أنحاء العالم، وإزدواجية المعايير التي تسلكها في حل قضايا الشعوب المغلوبة صارت واضحة المعالم، وسياسة الحروب بالوكالة لم تعد هما أمريكيا إلا فيما يتعلق بأعداء "إسرائيل" في الوجود والحدود، فهي جاهزة للبطش بهم والتشهير في ماركة جلودهم، ومحور الشر لا يروج لمجد أطرافه "الكرتونية الهشة" إلا في الشرق الأوسط الصغير، الذي أرادوه كبيرا بديمقراطية القتل والتخويف والتهديد، وطحن عظام المناضلين في كل مكان داسته أقدامهم، وزرع رهاب الكراهية إلى أبد الأبدين.
* ينشر بالتزامن مع شبكة المعلومات السورية القومية الإجتماعيةwww.ssnp.info
نضال القـادري
كاتب وشاعر سوري قومي إجتماعي
أوتاوا، كندا – 23/02/2005
E-mail: [email protected]
التعليقات