هموم طالب خريج....للحصول علي وظيفة
خريجو الجامعات الفلسطينية بين الاحتلال ووضع اقتصادي مترد
رزق علي عروق: لم يكد يحصل على نتيجته في الشهادة الجامعية " البكالوريوس" ويفرح بنجاحه ،حتى طار مسرعا تغمره سعادة عارمة لاقرب محل للحلويات لشراء" الحلوان " _ بلهجة أهل غزة_فصار كمن ربح المليون في برنامج "قرداحي" الشهير يوزع الحلوى على الأهل والأحباب والأصدقاء هنا وهناك ويتلقى التهاني من هذا وذاك. "مبارك التخرج .. عقبال الوظيفة.. ألف مبروك" وهكذا من شعارات التهاني والتبريكات. هذا كان مشهد حيّ الطالب أحمد سكر من مدينة غزة بعد حصوله على شهادة البكالوريوس" في الاسبوع الاول لتخرجه ، حماسة دفعته الى الخروج للتفتيش عن عمل بلا تلكوء او ممطالة او التحجج بقليل من الراحة قبل "تامين الوظيفة " كما يفعل عادة الخريجون الجدد .
حمل حلمه بالتفتيش عن وظيفة وبدأ رحلة جديدة لم يعتدها من قبل من طرق لأبواب المؤسسات الحكومية وغير الحكومية" الأهلية" بغية الحصول علي عمل في تخصصه الذي كرس 4 سنوات من عمره للتخصص به ليجد ان محاولته كاملة "كللت " بالفشل .وهكذا وجد لنفسه مقعدا في صفوف جيش عريض من العاطلين العمل.. قوامه خريجي الجامعات الفلسطينية والعربية و حتى الأجنبية.
الشاب احمد سكر مثال لأكثر من خمسة ألاف عاطل عن العمل من خريجي الجامعات والمعاهد والكليات جميعهم يحاول الالتحاق بأي مهنة تذكر في ظل اقتصاد أنهكته خمس سنوات من الحرب الضروس التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.
حتى ولو منظف مكاتب
" كنت انسج أحلاما كبيرة بعد حصولي علي الشهادة حول إيجاد وظيفة. لكني صدمت بالواقع الذي نعيشه.لقد أصبحت ضيفا دائما على المؤسسات بغية الاستفادة من البرامج التدريبية التي تؤهلني للحصول على وظيفة، فالشروط قاسية " ، ويروي احمد بحزن السعادة والثقة والتفاؤل عقب تخرجه " لكنه سرعان ما تملكني الإحباط وأصبحت أفكر مليا في كيفية الحصول علي أية فرصة للعمل تضمن العيش الكريم, وحتى ولو كانت فرصة للتنظيف في مكاتب.... العمل ليس عيبا" . احمد الذي حصل على شهادة بكالوريوس من جامعة الأقصى يأمل بإكمال دراسته العليا في احدي الدول العربية.. لتحسين فرصه للحصول على وظيفة.
ويبدي رغبته بالسفر الى احدى الدول العربية في حال تعذر حصوله على وظيفة للعمل داخل وطنه وإذا ما " وجدت الأبواب كلها مغلقة لن أتردد بالهجرة" وان كان قد شعر ببعض التفاؤل _ المشوب بالحذر _ للفترة المقبلة خصوصا مع الوعود التي قطعها على نفسه الرئيس محمود عباس "أبو مازن" .
ويعلل سكر الوضع الاقتصادي المتدهور بالاحتلال الاسرائيلي الذي أنهكت قوته العسكرية مقومات الاقتصاد الفلسطيني وصولا الي كافة مقومات الحياة الفلسطينية من مرافق عامة وتدمير لسوق العمل الفلسطيني.. الأمر الذي زاد أعداد العاطلين عن العمل بسبب إغلاق سوق العمل داخل فلسطين المحتلة عام 48 أمام العمال الفلسطينيين.
من الرياضة للغات
لم يكن الخريج محمد أبو سلطان _تخصص تربية بدنية_ يعلم ان القدر سيقوده الى العمل في مركز للغات مقابل مبلغ زهيد يكاد لا يغطي تكاليف الحياة اليومية الفلسطينية في ظل ارتفاع مستوى المعيشة.,
أبو سلطان الذي انهى تخصصه،الذي تنفرد به جامعة الاقصى في قطاع غزة، بتقدير جيد جدا مرتفع وتخرجه الاول على دفعته ،انضم الي قوافل العاطلين عن العمل .فهو الان _ ولقتل الوقت _ يمضي نهاراته في علمه الجديد في مركز تعليم اللغة الألمانية الذي أصلا لا يجمع مع تخصصه شيئا. " من الغرابة ان تجدوني هنا..فأنا حصلت على درجات مرتفعة لكنها لم تمكنني من الفوز بفرصة معيد بالجامعة التي تخرجت منها فما أتقاضاه هنا. لا يكفي لسد متطلبات الحياة اليومية".فما يتقاضاه أبو سلطان لا يتعدى المائة دولار في مجتمع مستوى دخل الفرد فيه عشرة دولارات في اليوم في ظل ارتفاع ملحوظ في مستوى المعيشة بسبب اعتماد الاقتصاد الفلسطيني الكلي على الاقتصاد الإسرائيلي. "كل الأبواب أغلقت في وجهي ولأنني لا أمتلك البطاقة الشخصية،من الصعب الحصول على وظيفة.."
ولم يتمكن أبو سلطان الذي يبرز أيضا في لعبة كرة القدم في نادي للهواة في غزة اذ تم اختياره أكثر من مرة ليمثل المنتخب الفلسطيني في مشاركات في الخارج من الاستفادة من براعتها كونه لا يمتلك البطاقة الشخصية لكنه يحاول المضي قدما املا بهدوء الأوضاع الأمنية المتدهورة التي تعيشها الأراضي الفلسطينية حتى يتمكن من الحصول علي بطاقة تثبت الهوية. بالتالي يضمن عدم تعرضه لمضايقات تحول بينه وبين الحصول علي وظيفة. ويطمح بانتعاش سوق العمل الفلسطينية بعد تردد أنباء حول اعتزام ماليزيا استقدام 100 ألف عامل فلسطيني للعمل لديها للتخفيف من أعداد البطالة المهولة وخاصة خريجي الجامعات لإفساح المجال لمن هم في حال مثل حاله للحصول علي عمل.
وعود فضفاضة
وفي ذات السياق لا يختلف طرح محمد الغرباوي _ خريج هندسة كهربائية تخصص اتصالات وتحكم من الجامعة الإسلامية بغزة_ عن غيره من الشباب الفلسطيني .محمد الذي التقيناه على هامش ندوة لمعالجة ومناقشة قضية خريجي الجامعات الفلسطينيةيعتبر ان فرص الحصول على وظيفة ضعيف نسبيا لأن القطاع الحكومي مغلق في وجه الشواغر الجديدة والقطاع الخاص ضئيل جدا وضعيف بسبب الطوق الأمني وسياسة الإغلاق المشددة علي الأراضي الفلسطينية.ويجمل محمد الأسباب التي أدت إلي هذه الحالة من ازدياد عدد العاطلين عن العمل في "الفساد المستفحل في المؤسسات الحكومية والقهر الوظيفي والمحسوبية إلي جانب عدم تطبيق قانون التقاعد , فضلا عن استغلال القطاع الخاص للمهندس" .ويبدي استيائه الشديد من الوعود التي تلقاها هو وغيره من الخريجين إلا انه وكما يقول "الكل يعد أو يلقي المشكلة على غيره دون حل لمشكلة الخريجين وبالذات المهندسين".قائمة طويلة عريضة توجه بها الغرباوي إلى الحكومة الفلسطينية لإنصاف أمثاله من الخريجين إلا أنه لا يجيب غزة إلا خالقها.
الحكاية في سطور
غزة كانت على موعد مع مؤتمر وطني نظم برعاية جامعتها " الإسلامية" لمناقشة قضايا الخريجين ووضع حلول وآليات للخروج من الأزمة المتفاقمة، فيما كان المجلس التشريعي مسرحا لعدد من مسيرات نظمها الخريجون الذين طالبوه بسن قانون لحماية حقوقهم ومساعدتهم على تخطي محنتهم الإنسانية. وكانت تقارير صحفية قد كشفت النقاب عن أن المجلس التشريعي يناقش في هذه الأثناء مشروع مساعدة الخريج والذين ينص علي صرف مكافأة" 80"دولار لكل خريج لحين الحصول علي وظيفة.
تلك كانت حكاية بلا بداية ولا تزال مستمرة حتى اليوم خالقة معها ازمة متفاقمة بلا حلول جذرية فلا إحصائيات رسمية ولا حتى حركة الهجرة المنتظمة للشباب الفلسطيني من أجل الحصول على فرصة عمل في احدى دول الخليج العربي وأوروبا. مصير مجهول ينتظر هؤلاء الشباب ،فمنهم من عاد بخفي حنين وعدد ضئيل كتب لهم النجاح في وقت تعذر على وطنهم احتضانهم في حرب لم ترحم شجرا ولا حجرا بل أتت النار علي الأخضر واليابس. وللحكاية فصول أخرى.
التعليقات