الحلقة الأولى
أطلعتني مرّة، أديبة جزائرية على ترجمتها لقصيدة "الشرفة" لبودلير. هذه الأديبة تتقن اللغة الفرنسيةكلغةٍ أُمّ، وتعشق اللغة العربية عشقَ هيام. قرأتُ الترجمة العربية عدّة مرّات. أُعجبت بسلاستها وتهاديها المريح. إلاّ أنني أحسستُ بصورةٍ غامضةٍ، أنّ شيئاً ما، لا ينمو في بعض المقاطع، نموّاً عضويّاً طبيعياً. خطر على بالي أنْ أُقارن الترجمة العربية بالترجمة الإنكليزية. الاختلافات بسيطة، ولكنّها كاختلاف المفاتيح لا يمكن أنْ تفتح إلاّ أبوابها. أيْ أنّ البساطة في الاختلاف هي التي تقرر جودة الترجمة أو خلاف ذلك.كتبت إلى الأديبة الجزائرية مُشيداً بترجمتها ولغتها الصافية، إلاّ أنني لفتّ نظرَها – من باب الاطلاع-إلى اختلافات ترجمتها عن الترجمة الإنكليزية. وضعتُ ذلك في جدول حتّى تسهل المقارنة.
لِعجبي تسلّمتُ بعد فترةٍ رسالةً منها تعتذر فيها عن أخطائها، وتعترف بتواضع محبوب، أن الترجمة الإنكليزية أدقّ. حدث الشئ نفسه تقريباً، مع مستعرب أسباني له باع طويل في التراث العربي. أستاذ جامعيّ ضليع. ترجم نصوصاً عربية لا تخلو من عواصة إلى اللغة الإسبانية. رجوته مرّة أنْ يترجم للمطبوعة التي كنتُ أُشرف على تحريرها، قصائد بعينها كنّا تذاكرناها معاً، للشاعر الإسباني ميغيل هرنانديث.الترجمة جميلة للغاية. لكنّ النموّ يتوقف فجأة في بعض المقاطع. هل العيب في اللغة العربية أمْ ماذا؟ سارعتُ إلى مقارنتها بالترجمة الإنكليزية أيضاً. الاختلافات بسيطة. لكنّها كاختلاف المفاتيح لا تفتح إلاّ أبوابها.
لفتُّ نظره إلى اختلافاته عن المترجم الإنكليزي. كتب لي في رسالة لاحقة، أنّه راجع الأصل الإسباني وقارن الاختلافات فوجد الترجمة الإنكليزية أقرب إلى الصواب. ما الذي نستخلصه من المثليْن أعلاه؟ كلا المترجميْن بارع في لغته الأمّ، وكلاهما يتقن اللغة التي يترجم عنها. لا بدّ أنّ هناك سبباً آخر هو غير فهم النصّ يجعل الترجمة أقرب إلى النصّ الأصلي، ولكن ما هو ذلك السبب؟
يبدو أنّ المترجم السابق لنا، كالمنفلوطي، أوفيلكس فارس، أو أحمد رامي عندنا، وفيتزجيالد في ترجمة الخيّام، أو ريتشارد بيرتون في ترجمة " ألف ليلة وليلة" عند الإنكليز، كانوا معنيين بالدرجة الأولى بنقل المعنى. وسواء فهموا اللغة الأجنبية مباشرة، أمْ عن طريق مَنْ يفسر لهم النصّ فإنهم وضعوه في لغتهم الأمّ وضعاً سليماً فنال القبول وانتشر. غير أنّ المترجم الحديث لا يكتفي بنقل المعنى فقط، وإنّما يسعى إلى نقل التقنية التي قيل بها النصّ. بكلمات أخرى،كان المترجم السابق يسأل نفسه: ما الذي قاله المؤلف؟ بينما يسأل المترجم الحديث نفسه: كيف عبّر المؤلف عن فكرته؟ أي ما هي التقنيات التي توسّلها في إظهار المعنى؟
بناء على هذا فإنّ المترجمة الجزائرية، وكذلك المترجم الإسباني ينتميان إلى المدرسة القديمة المعنية بالمعنى، والغافلة عن التقنية. يمكن أن نضمّ إلى هذه المدرسة، مترجميْن نالا شهرة واسعة هما: جبرا إبراهيم جبرا، وطه محمود طه.كلاهما كرّس من حياته سنين طويلة للترجمة، وكلاهما درّس مادّة الترجمة في الجامعات، إلاّ أنهما، جبرا في ترجمة بعض أعمال شيكسبير، وطه في ترجمة يوليسيس اجتهدا في ترجماتهما اجتهادات من الصعب قبولها، ذلك لأن أهمّ ما بشيكسبير تقنياته، وأهمّ ما بجيمس جويس أساليبه المنوعة في التعبير. إلاّ أن ّ المترجميْن أهملا تلك التقنيات التي تميّزهما، فركّتْ ترجمتُهما وخلت أو كادتْ، من النبض والروح والتفاعل.
ما هي تلك التقنيات؟ وهل يمكن التعرّف عليها؟ ولماذا أصبحتْ مهمةً أو في غاية الأهمية، في العصر الحديث؟ ولكنْ قبل ذلك لنتعرّفْ على بعض الأوهام التي وقع فيها المترجمان المشار إليهما أعلاه ولماذا؟
من المحيّر، كيف يقع مترجم مقتدر كالمرحوم طه محمود طه في زلاّت ترجمية لا تتناسب وتضلعه من اللغة الإنكليزية أو تمرسه في الترجمة. زلاّت وليست اجتهادات، لأن الاجتهاد في أبسط تعريفاته، تفضيلُ حالةٍ على حالةٍ أو حالات.
حرصاً على عدم إفلات خيط الموضوع من أيدينا، ستقتصر هذه المقالة على النظر في ترجمة الجزء الثامن من يوليسيس أو على قسم منها، لطول الاختلافات وتنوعها، بالمقارنة مع ما جاء من شروح في كتاب: "Ulysses Annotated”، قام بها Don Giffordو .Robert J.. Seidman
كاتب هذه السطور مدين جملة وتفصيلاً في الشروح والتعليقات إلى الكتاب أعلاه.
فاتت مترجمنا المرحوم طه معاني الكلمات العامية ولا سيّما الإيرلندية التي استعملها جويس، وكذلك المصطلحات الدارجة و الأمثلة الشعبية. من ذلك مثلاً أنّ جويس وصف رئيس إحدى كليات دبلن بأنّه: TINNED وهي تعني في لهجة دبلن الدارجة أيضاً: لديه نقود: غني، إلا أنّ المترجم تصوّرها معلب. ومن باب الصدف أنْ كان اسم ذلك الرئيس: سلمون (نوع من السمك). ربما هذا ما زيّن للمترجم أن يضع الصيغة العربية على الشكل التالي: "منْزل…الدكتور سلمون: سلمون معلّب مترب. مترب معلّب جيّداً من الداخل". كيف يكون الشخص معلباً؟ ولماذا أضاف المترجم: مترب؟ أمّا ما قاله:"مترب معلّب جيّداً في الداخل فزلّة أخرى. ذكّر المنْزلُ، بلوم بكنيسة حفظ الجثث، فرغم صرامة هندسته من الخارج إلاّ أنّ داخله مترف وأنيق. الترجمة الصحيحة هي أنّ: "منْزله يشبه كنيسة حفظ الجثث". أدناه النص الإنكليزي:
Provost 's house. The reverend Dr. Salmon: tinned salmon.
Well tinned in there. Like
A mortuary chapel
كان جويس يصف زمرة من البوليس، ويذكر أنّ أفضل هجوم على أيّ منهم هو بعد تناولهم حلوى " البودينغ" مباشرة لأنهم يكونون متخمين. سخر جويس من طريقة أكلهم الهمجية فقال: "Prepare to receive
cavalry. Prepare to receive soup. وهذا التعبير إنّما هو أمر يصدر لمفرزة مهددة بالغزو، حيث يتوجب عليهم اتخاذ وضعية الدفاع، عندئذ "يركع الجنود في الصفّ الأمامي على إحدى الركبتين والبندقية بحربتها المائلة إلى الأمام، وعقبها مسند على الأرض".
يبدو أنّ المترجم لم يفهم ما المراد من هذه السخرية من البوليس، فجاءت ترجمته كالتالي: "استعدْ لملاقاة الفرسان، استعد لملاقاة الحساء". وهكذا فبالإضافة إلى عدم استيعاب مغزى التعبير، فإن المترجم غيّر المخاطبين من الجمع إلى المفرد.
من التعابير الأخرى التي فاتت معانيها على المترجم ما يلي:
1-On the baker's list: أيْ على ما يرام. يقال هذا، جواباً عمّنْ يسأل: كيف الحال؟. إلاّ أنّ المترجم ظنّها تعني:"لا يشبع من الأكل".
2-Turn up like a bad penny: وتعني: تفاصيل مزعجة لا معنى لها. ظنّها المترجم: "كالعملة الرديئة تلفّ وتدور"
3-He has me heartscalded: ومعناه: يسبب وفاتي وهو ما يزال قيد الاستعمال بدبلن. ظنّها المترجم: "سمّم حياتي"
على أية حال، كثيراً ما يقتبس جويس من أغاني الأطفال، ومن الأغاني الشعبية أيضاً. وطالما كان يمزج كلمات أغنية بأخرى مما أوقع المرحوم طه باجتهادات مريبة. من ذلك مثلاً: Gammon amp; spinach"". ظنّها المترجم تعني: "سمك لبن تمر هندي". الصواب: هذا تعبير عامّي يعني: ماجريات يومية عادية، على غرار ما جاء في الأغنية الشعبية: المقطع الأوّل: "ضفدع ينطلق لصيد الأصوات/ هايْ هوْ قال رولي/ ضفدع ينطلق لصيد الأصوات/ سواء
رضِيَتْ أمّه أمْ لا/ مع دجاجة مكتنِزة وفخذ خنْزير وسبانخ Gammon amp; spinach هايْ هوْ!قال أنتوني رولي."
من الأغاني الأخرى التي اقتبس منها جويس، أغنية من كلمات آني كروفورد. كان جويس يصف البروفسور غوردن في آخر حفلة موسيقية له مع مولي زوجة بلوم، فقال: " بالتأكيد آخر ظهور له على أيّ مسرح "ربّما لأشهر وربّما إلى الأبد". يعيد جويس هنا صياغة الأغنية: "آه هل نسيتِ أننا سننفصل بعد وقت قصير/ آه، هل نسيتِ أننا سنفترق هذا اليوم/ قد يكون فراقنا لسنين وقد يكون إلى الأبد/إذنْ لماذا أنتِ صامتة ياكاثلين مافورنين؟" إلاّ أنّ المترجم لم يفطن إلى الأغنية فترجمها: "ربما في غضون أشهر، وربّما في المشمش".
قد تكون اقتباسات كهذه صعبة على كلّ مترجم. الأسلم هو الرجوع إلى المصادر المتخصصة. من تلك الصعوبات على سبيل المثال، ما جاء في الحوار ما بين المسز برين والمستر بلوم، وكانت قد أرتْه بطاقة تسلّمها زوجها صباحاً:
"- ما هذا؟ تساءل المستر بلوم، متناولاً البطاقة؟ U.P?
-U.P: UP قالت. شخصٌ ما أراد أن يظهر عجزه. عار عظيم عليهم كائنْ مَنْ كان"
قال المرحوم طه في ترجمة المقطع أعلاه:
" – وما فيها؟ سألها مستر بلوم وهو يتناول البطاقة. م. س.؟
-م.س. مس. قالت. واحد يحاول أنْ يسخر منه. وهذا عار منهم مهما كان الفاعل"
أيْ أنّ المترجم فسّر U.P ب: "م. س. مس" ، ولكن ما معناها؟ ما المقصود بهذه الحروف؟
المعنى أنUP صفة لشراب الويسكي إذا كان تحت المستوى القانوني المطلوب.استعمل أحد تلامذة الصيدلة تعبير: UP للإعلان عن موت وشيك، لامرأة عجوز. وفي الترجمة الفرنسية ليوليسيس ترجمت البطاقة على النحو التالي: Fou Tu: أيْ أنتَ مجنون: كنتَ سكرانَ.
جاء في الرواية وصف لزوج بيورفوي:
"Poor Mrs Purefoy! Methodist husband. Methodist in his madness”
صاغ المرحوم طه ترجمة السطر على الوجه التالي: "مسكينة مسز بيورفوي! وزوجها الميثودي المنهجي. منهجيّ في جنونه".
جويس يومئ بهذا المصطلح Methodist إلى الفصل الثاني – المشهد الثاني 207 –208 من مسرحية هاملت، وفيه يتظاهر هاملت بالجنون، أمام بولونيوس مستشار الملك الذي بعثه لمعرفة أسباب سلوكهاملت الغريب مؤخراً. كان هذا المستشار متخماً بالألفاظ الجوفاء والبلاغة الفارغة. قارعهاملت لغة بولونيوس الجوفاء بأشدّ منها، جَوَفاً، مع حركات غير سويّة.استغرب بولونيوس، فقال ملاحظة على جانب: "على الرغم من أنّ هذا جنون، إلاّ أنّ فيه نظاماً".
الغريب أن المرحوم طه ترجم : " Cheese digests all but itself " أيْ: "الجبنة تكاد تهضم نفسها"، بالصورة التالية: "تهضم الجبنة كلّ شئ عداها". كان هذا التعبير: "الجبنة تهضم نفسها" شائعاً في القرن التاسع عشر، حيث كانت عملية صنع الجبن شعبية واعتبرت مثل عملية الهضم، لأنها تتطلب استعمال الأنفخة (الغشاء المبطّن لمعدة العجل الرابعة)، وهي مادّة تؤخذ من معدة الحيوان وتستعمل لتخثير اللبن.
جاء بعد الجملة أعلاه مباشرة: "Mity cheese "، أي الديدان المفصلية، إلاّ أنها في ترجمة طه انقلبت إلى: "الجبنة العظيمة"، متصوراً أنّ Mity هي Mighty. وقبل ذلك تصوّر أنّ معنى: All but: كل شئ عدا. المعروف أنّ الديدان المفصلية تتكاثر في الجبنة وتهضمها، تاركة كتلة طحينية بنية اللون حيثما وأينما انتقلتْ.
أكثر من ذلك ترجم المرحوم طه بعض الجمل بعكس معناها. من ذلك مثلاً، وصْفُ بلوم لصبيّ أعمى وكيف يكون احترازه في تجنب المخاطر، قائلاً: "Behind a bull: in front of a horse" أيْ خلف ثور، أمام حصان" وذلك لانّ الثور لا يركل إلى الخلف ولا الحصان يرفس إلى الأمام. إلاّ أن الترجمة جاءت عكس ذلك: " أمام ثور خلف حصان".
المعروف أنّ المرحوم طه ترك التعابير غير الإنكليزية على حالها، بلغاتها الأصلية، غيرَ محاوِلٍ إعانة القارئ على فهمها ولو بحاشية. من تلك التعابير في هذا الجزء موضوع البحث: LA CAUSA SANTA: أي القضية مقدسة، ووضعها باللغة الإيطالية.
وردتْ هذه العبارة في غناء انفرادي في الفصل الرابع من أوبرا LES HUGUENOTS. تعالج الأوبرا مذبحة البروتستانت الفرنسيين عام 1572.
تصرّف المترجم كذلك ببعض الكلمات التي وردت في الكتب الدينية ولم يرجع إلى أصولها، من ذلك:
ترجم "Wheels within wheels": "حلقات متشابكة في حلقات"، غير أنّ بلوم استعملها على غرار سِفْر حزقيال: (الإصحاح الأوّل-15 –16) : "فنظرت الحيوانات وإذا بكرةٌ واحدةٌ على الأرض بجانب الحيوانات بأوجهها الأربعة. منظر البكرات وصنعتها لمنظر الزبرجد. وللأربع شكل واحد ومنظرها وصنعتها كأنها بكرة وسط بكرة".
من ذلك أيضاً ما ورد في ترجمة المرحوم طه: "يا تُرى ما طعم لحم البجع" بدلاً من لحم البطوط التي كان شأنها شأن الغربان والنوارس غير نظيفة في سفر لاويين (الإصحاح11/13 –18). مع ذلك فقد كان لحم البط من الأطعمة الشهية بإنكلترا في العصور الوسطى. على هذا أُعتبر البط من الطيور التابعة ملكيتها إلى العائلة المالكة، وللملك وحده حقُّ التصرّف بها.
***
المترجم الآخر الذي يجمل التوقف عنده، هو جبرا إبراهيم جبرا، نظراً لما له من صيت في هذا الباب. يبدو أنّ المرحوم جبرا لم يُولِ الاهتمام الكافي للمصطلحات الخاصة بشيكسبير لدى ترجمته لمكبث. أو ربّمالم يلتفتْ إلى تقنيات شيكسبير التعبيرية، لذا مذقتْ ترجمته لدرجة ضاع معها طعم الأصل. من تلك المصطلحات الخاصّة: Nature: ومعناها القاموسي: الطبيعة. إلاّ أنها لا تعني الطبيعة لدى شيكسبير ولا سيّما في مسرحية مكبث، وإنّما تعني: الحياة أو الجسم الحيّ. يتفق على ذلك كلّ دارسي شيكسبير.
لنأخذ مثلاً على ذلك. سأل مكبث، الرجلَ الذي كلّفه بقتل الجنرال بانكو إنْ كان قد أدّى المهمة. أجاب القاتل بتهكم:
Ay, my good lord, safe in a ditch he bides
With twenty trenche'd gashes on his head
The least a death to nature
جاءت ترجمة جبرا بالصيغة التالية:
"نعم، مولاي الكريم، سليم في خندق
وفي رأسه حفرت عشرون طعنة
أصغرها موت للطبيعة"
أية طبيعة يعنيها المترجم؟ الأصوب أن نضع لأيّ شئ حيّ بدلاً من: للطبيعة:
"عشرون جرحاً محفوراً في رأسه
أصغرها كافٍ لقتل أيّ شئ حيّ"
في مثال آخر، قالت الليدي مكبث، بعد أن وضعتْ مخدراً في شراب حارسيْ الملِك حتى يسهل اتهامهما بقتله:
That death and nature do contend about them
Whether they live or die
قام جبرا بترجمتهما كما يلي:
"حتى ليتنازع الموت والطبيعة حولهما
أفي عداد الأحياء هما أم الأموات"
هذه الترجمة معطوبة من جانبين:
1-بالطبع كان التنازع بين الحياة والموت ولم يكنْ بين الطبيعة والموت.
2-غيّر المترجم الفعليْن: "سيعيشان" أو "يموتان" إلى آسميْن هما: "أحياء" و "أموات". أوّلاً استعمل شيكسبير فعلين ولم يكنْ عابثاً، فالليدي مكبث لم تُرِدْ قتل الحارسيْن بأيّ حال، لأنّ ذلك سيفسد خطّة قتل الملك من ناحية، وستثار الشكوك بشأن القاتل الحقيقي أي مكبث. ما أرادت الليدي مكبث من قولها هو أنها أعطتْ الحارسين مخدّراً قوياً، لطمأنة مكبث وتحريضه على قتل الملك، فالحارسان الآن في حالة غيبوبة، فهما لن يريا القاتل مكبث، ولن يسمعاه، وبالتالي لن يشهدا ضدّه.
من المصطلحات الأخرى التي ترد عشرات المرّات، في مسرحية مكبث، مصطلح: Time: أي الزمن أو الوقت قاموسيّاً. إلاّ أنها لا تعني ذلك. يتفق شراح مكبث جميعاً، على أنّ معناها في مسرحية مكبث هو: الناس أو العالم.
أدناه بعض الأمثلة. حين يخبر مكبث زوجته أنّ الملك في طريقه لزيارتهما، وأنه سيبات ليلته في قصرهما، تقول له الليدي مكبث:
Your face, my thane, is a book, where men
May read strange matters. To beguile the time
Look like the time
جاءت ترجمة جبرا بالصورة التالية:
"وجهك يا حبيبي كتاب، للناس
أن يقرأوا فيه أشياء غريبة، لكيما تخادع الزمان
إجعلْ محيّاك في شبه الزمان"
لكن ليس الزمان مادّة مجسمة حتى يستطيع مكبث أن يخادعه، وإذا لم تكنْ هناك صورة مجسدة ومعروفة للزمان فكيف يتسنى له أن يجعل محيّاه في شبه الزمان؟
يقول هنتر أحد شرّاح مكبث: "حتى تخدع الناس، فاظهرْ بالمظهر الذي يجب أن يتوقع أن يراك به الناس". يقول لوت: "إذا أردت أن تخدع العالم (العالم الحاضر)، فابدُ كما يبدو عليه العالم. تصرّفْ بالطريقة الاعتيادية، وما من أحد سينتبه إليك. " أمّا محقق طبعة آردن التي اعتمد عليها المترجم- كما ذكر- فيقول: "إخدع العالم، ضلّلْ كلّ المراقبين". يضيف الشارح كذلك: "Time تعني الحاضر أناساً وأشياء عموماً". من سوء الطالع بالنسبة إلى جبرا، أنّ مصطلحيْ: Nature و Time يتكرران مرات عديدة، وفي كلّ مرّة تغمض العبارة، ولكن كيف لم يفطن إلى ذلك المرحوم جبرا؟
يتبع
التعليقات