بائع الصحف
وصل للجنة الأوربية هاربا من جحيم وضع بلده الاقتصادي. حاول أن يجد له عملا حسب تخصصه كمهندس زراعي، حتى مشرف على حديقة فلم يفلح. أنقذه أحدهم في إيجاد عمل يسد منه جوعه كبائع صحف في الشارع الرئيس في المدينة، يعرض ما عنده على المارة. في الجانب الآخر كان شخص آخر افترش الأرض عارضا مجلاته وصحفه. عرف بان الثاني حصل على موافقة السلطات البلدية. بدأ يحلم أن يأتي اليوم الذي سيكون له فيه زاوية ما في الشارع مفروشة بمجلاته حتى وان كانت كتلك التي يعرضها الآخر وعلى صفحاتها صور نساء عاريات. راقبه رجل البلدية طويلا، وحدد له مكان بين محلين لبيع الأحذية. كانت سعادته كبيرة وهو يرصف على زاويته الصحف ومجلات الجنس المختلفة. وقف بجوار بضاعته ينتظر أول زبون. التفت إلى الجهة الثانية كان "كشك" بيع الصحف والمجلات المعمول من الألمنيوم وفي داخله شخص مشغول بتلبية رغبات المشترين. فكر قليلا وبدأ يحلم من جديد.


خزان الوقود
كان طالبا مجدا في الطب من عائلة فقيرة. لم يجد مكان يسكنه على قدر إمكانياته المتواضعة سوى قرية ليست بعيدة عن الجامعة. كان يصرف وقتا في الوصول إليها. أهدت له صاحبة البيت سيارتها القديمة التي لم تعد تستخدمها. كانت هدية كبيرة وعظيمة له. خففت عنه مشاكل النقل العام فأضافت إلى مشاكله كلفة البنزين. شكي من حظه العاثر بعد أن تحولت جميع محطات التعبئة إلى أجهزة حديثة يصعب التحكم في الكمية القليلة التي كان يطلبها وهي لا تتعدى لترين أو ثلاث، وكان يحلم ويحلم. أنهى الجامعة بتفوق. وعين طبيبا مقيما. في نهاية الشهر وصل إلى نفس المحطة التي كانت تحرجه في أنها تصب في سيارته اكثر ما يملك وقال للعامل:" أملئ خزان الوقود رجاء". جلس خلف المقود سعيدا دون أن يرتجف بان الماكنة سوف تصب اكثر ما يملك. ابتسم وهو ينظر إلى العداد مشيرا إلى امتلاء الخزان. شغل محرك السيارة الذي دار متعبا، واخذ يحلم من جديد.


بائع الخضرة
بعد أن نضبت جميع مدخراته التي جاء بها من وطنه. عمل في مهن مختلفة إلى أن أخذه أحد العرب الذين يعملون في سوق الخضرة ليكون بائع مفرد لبضاعته في أحد زوايا السوق. كان يبيع ويسد جوعه من بضاعته أو ما يجود به الآخرين في السوق من البائعة. كان يحلم وهو ينظر إلى ابن بلده البائع في المحل المجاور الذي تغطيه سقيفته وله مكان يجلس فيه وتلفون يرد عليه ومعارف يسألون عنه. تعرف على صاحب ذلك المحل الذي عرض عليه العمل عنده مكان ابن بلده الذي اخرج لسبب ما. طلب منه أن يحضر عند الساعة الرابعة صباحا في مكان محدد. أخذه إلى سوق الخضرة المركزي حيث البيع بالجملة. طلب منه حمل جميع ما اشتراه إلى السيارة ومن ثم منها إلى المحل. وبعد ذلك وقف يساعد في البيع. في نهاية النهار شعر بأنه عمل اكثر ما عمل في حياته. وكان اليوم التالي والثالث والأخير من الأسبوع كاليوم الأول وهو لم يشبع من النوم ولم يرتاح جسده. بدا يحلم ويحلم عندما ينظر إلى مكان عمله السابق الذي شغله قادم جديد.


عضلات
كانت تشغله صور أبناء جلدته من القادمين وهم يصادقون بنات شقراوات واخذ يحلم ويحلم، بان يمسك يد واحدة منهن. حاول أن يجد السر في ذلك. اهتدى فكره إلى أن المشكلة في المظهر، مقارنا بين جسمه المترهل وكرشه الممتلئ والآخرين. كان همه أن يجمع ما يستطيع من مال لشراء معدات رياضية بسيطة بعد أن ترك الدراسة وعمل سائقا. حتى كانت أولى الحاجيات التي تنقلت بين أماكن سكنه المختلفة. ثابر على الرياضة حتى أصبحت عضلاته اكثر ما تثير في منظره. انتظر أن تراه واحدة منهن. نظر إلى جسمه في المرآة وهو يدور حولها فوجد لا شئ ينقصه من ناحية عضلاته الملفوفة وانتابه شعور بعد ذلك انه اصبح قويا. في إحدى الأمسيات وهو يحاول أن يكلم واحدة عند باب أحد المراقص الليلية، دفعه شاب يوغسلافي. أخذته الحمية فرد عليه، لم تمضي سوى دقائق حتى تجمع مجموعة من الشباب اليوغسلاف أشبعوه ضربا لم يفق إلا والضمادات حول جسمه في أحد المستشفيات. بعد عدة أسابيع خرج على عكازيتين. عند باب المستشفى كان أحد معارفه من طلاب الجامعة في انتظاره يحيط بيده خصر صديقته الشقراء الفاتنة. نظر إليهما والحسرة تملئ قلبه على الوقت الذي ضيعه في عضلاته دون عقله، واخذ يحلم من جديد.


أهل الكهف
لم يكتفي النظام الجائر في توزيع ظلمه على الناس أجمعين، ولكنه كان سببا أيضا في تفريق الأبناء عن آبائهم والأزواج عن زوجاتهم والاخوة عن بعضهم والأصدقاء عن تواصلهم. كان يحلم أن يلتقي بصديق شبابه الذي فرقته وإياه الأيام لأكثر من ثلاثة عقود،غدت خلالها حقائبه بالية وهو يتنقل بين المدن والبلدان المختلفة. عوض جزءا من شوقه إلى ربوع الصبا ورفقة الأحباب والأصدقاء في زيادة المعارف بنهم وكسب الخبرة وكان يجمعهما كما يجمع اللؤلؤ من أصداف البحر. في كل رحلة كان يحلم بلقاء صاحبه وهو يتصوره يكبر في كل شئ كما هو. بعد أن تهدم صنم الطاغوت وانهارت قوانينه الجائرة شد الرحال إلى وطنه ليكحل عينيه برؤية من افتقدهم طويلا أحياء أو زيارة قبور الأموات. بعد عدة ساعات من لقاءه بصديق الشباب ذاك وجده كأنه من جماعة أصحاب الكهف لم تغيره العقود الماضيات، ولربما فعلة النظام الجائر إياه له دور، بقي مراهق في مشاعره، لا زال يفكر بين فخذيه وليس بعقله، طائش التصرف على الرغم من المنزلة التي وصلها بفضل السلطة البائدة. فكر في صديقه حتى خال انه ضحية الوهم الذي عاشه كل تلك السنوات. واخذ يحلم من جديد في الأيام التي لم يراه فيها عندما كان يشتاق إليه.


سراب
رفع الهاتف المحمول وشاهد على الطرف الآخر صورة ممثله في إحدى الدول وقال له بحزم :" لا تنسى روضة أطفال ومبنى مدرسة وبيت للأيتام ". أجابه الذي على الطرف الآخر : " جميع التكاليف ؟". فرد عليه، بعد أن ارتخى على كرسيه الجلدي الأبيض الفاخر :" كل التكاليف بالإضافة إلى رواتب العاملين في المشروع. كما لا تنسى توزيع هدايا العيد على العوائل التي في القائمة". رد الصوت:" ولكننا في بداية شهر شعبان "، قال له :" خير البر عاجله ". وضع التلفون على طاولة المكتب المصنوع من خشب الأبنوس البرازيلي وارتخى بكل جسمه وهو يحس بسعادة تملئ قلبه. ورد:" المال مال الله " افضل من أن يذهب في بناء قصور سيعصف بها الريح بعد حين. أوقفت أفكاره عندما فتحت الباب سكرتيرته الفاتنة وهي تحمل مجموعة من الأوراق. وضعتها بأدب أمامه، قائلة :" هناك عشرة طلاب يطلبون مساعدة لتكملة دراستهم الجامعية ". سأل :" عشرة فقط؟" وقبل أن تجيب، قال :" أضيفي لهم أبناء الشهداء والعاملين في شركتنا من الذين انهوا دراستهم هذا العام. سوف نتحمل مصاريف الدراسة والمعيشة والنقل لحين حصولهم على أعلى ما يمكنهم أن يحصلوا عليه من شهادات من الجامعات الأمريكية ". رفعت الأوراق وابتسامة رقيقة مع علامات فرح ارتسمت على وجهها. ودعها بنظراته وهي تغلق الباب خلفها. شعر كان حملا ثقيلا ما أزيح عن كاهله وقرأ : والذين يكتنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. وقال بصوت عالي وهو يدور بجسمه على كرسيه الفاخر :" صدق الله العظيم". أنهضه صوته ففتح عينيه وهو يتقلب في فراشه في بيت للمهاجرين الفقراء تصرف عليه الكنيسة وجوع يأكل معدته. نظر إلى ساعة قديمة معلقة على الحائط فعرف أن الوقت لم يحن للذهاب إلى مقر الجمعيات الخيرية التي تشرف على مكان سكنه ليستلم مساعدة الأسبوع. لقد تخلت عنه " خير أمة أخرجت للناس" بكل ما تملك من ثروة. اغلق عينيه من جديد على أمل أن يستمر في حلمه، ولكن !!!