1
ومازلت.. كلما ذهبت.. إلى شاطئ المدينـة أراه، كأنمـا لا يبـرح مكانه، بقايا إنسان، يستر جسده وزاره الأصفر، و"فانلته" البالية، وينهم بموال يكاد لا يتـوقف، يصلني رخيـما نحـاسيا شجـيا يغريك سماعه، ويزعجك إن طغت عليه الآلات الرافعة، التي جيء بها من خـارج المدينة، ترفع حجارة نصف طن من على الشاحنات، تضعها على شاطئ المدينة، متراصة وبعضها فوق بعض، فتحجب البحـر، وتجثم على رماله الناعمة الذهبية، وما تبقى من شظايا محار.
2
عرضت عليه ذات مسـاء، رغبتي في مساعدته بما يشاء، وخزني بنظراته الحادة، قبل أن يتركني ويتجه إلى سفينته، تتبعته بنظراتي وهو يدخل في جوفها، سمعـت بعـدها حشرجة موال، يتخلله صدى طرقه على جدار سفينته.
3
بعد الانتهاء من تجميل شاطئ المدينة، جاءت شاحنات أكبـر، وبدأت الرافعات، برفع السفن الخشبية، الموجودة على طول الساحل، وأخذها لمكان بعيد في اتجاه الغرب .
4
ذات مساء رطب، رأيته أول مرة، يمشي إلى داخل البحر، بينما سفينته مكبلة بالحديد، معلقة في الهـــواء، تضعها الرافعة على إحـدى الشاحنات، وكنت أسمعه، بالرغم من سيره متوغلا في داخـل البحر، بالرغم من أصوات ماكينات الرافعات، وزمجرة السلاسل الحديدية، وأنات صفيـر الهواء، الخارج من تجاويف السفـينة، وهدير البحر، وطيور النورس، ظللت أسمع مواله، يصلـني هذه المرة محتضرا لا يكاد يسمع.
التفت ناحية الغرب، حيث تُسير الشاحنات بعضها وراء بعض، تصغر، تختفي في قرص الشمس الأحمر القاني، وطـائرة مدنية، تمر من فوق رأسي، تنفث دخانا أسود، يتلوى مثل الثعبان، تتجه إلى مطار المـدينة، تـلج في الغـيم، تخـتفي لثـوان قبل أن تظهـر ثانية 00 مضت سنوات والسماء حبلى بالغيم، لكن لـم يسقط مطر، نصلي صلاة الاستسقاء، ولا يسقط مطر.. لا يسقط مطـر .
نظرت ثـانية إليه، عدت لا أرى منه إلا رأسه، يلعقه موج البحر، ويبتلعه اليم.
التعليقات