أمير الكويت الراحل صباح السالم مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر

حفل مضمون الرسالة الذكية جدا الموجهة من الأمير الكويتي الى ساحته المحلية، الى جانب رعايته لأنشطة محلية، بأبعاد سياسية وإنسانية عدت بسهولة من مجسات الإلتقاط في شارع الصحافة في العاصمة الكويتية اليوم، وسط تقديرات بأن تلك الأبعاد تعطي صورة إنطباعية حول حراك الأمير المقبل في الداخل الكويتي، وتؤشر أكثر الى حكمة الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي لايزال يتفحص كل شاردة وواردة، ويدون ملاحظاته، ويرسلها ناعمة الى أبنائه رافضا نهج الغلظة أشد الرفض.

الكويت: رفض أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح رفضا قاطعا مقترحا حكوميا بأن تحمل مدينة جامعية شاملة وجديدة، ستبصر النور قريبا جدا إسمه، مُصدرا أمرا خاصا الى الحكومة، طلب من خلاله بأن تعطى المدينة الجامعية الجديدة إسم أمير الكويت الراحل الشيخ صباح السالم الصباح الذي حكم دولة الكويت بين عامي 1965-1978، في لفتة تتعدى جانب الوفاء الإنساني الى البعد السياسي في رسالة تحمل فيضا من الأبعاد وجهت بشكل خاص الى الداخل الكويتي، في ظل تقديرات تقول إن الشيخ صباح مقبل لا محالة على حراك داخلي مؤثر جدا في بلاده، بعد نحو أربع سنوات له في الحكم حتى الآن قضاها متأملا المشهد السياسي المحلي، ومدونا ملاحظاته بشأن الواقع السلبي على المسرح السياسي في بلاده، مكتفيا بإرسال إشارات أبوية سلسة وناعمة الى أبعد حد، رافضا أيضا بشدة أن يتبع نهج الغلظة السياسية مع مفتعلي الأزمات السياسية في بلاده، كما رفض باستمرار حتى الآن أن يلغي المشهد الديمقراطي في بلاده، فحتى الآن إستخدم الأمير الكويتي حقه الدستوري في حل مجلس الأمة وإجراء إنتخابات مبكرة ثلاث مرات، رافضا نصائح متكررة بتعليق العمل ببعض مواد الدستور، وتعليق الحياة البرلمانية الى أجل مسمى.

وأحجم الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي تولى سلطاته الدستورية في التاسع والعشرين من كانون الثاني (يناير) من العام 2006 بزهد بالغ لا تخطئه العين، عن تسمية مرافق عامة في الإمارة الخليجية بإسمه، أو وضع نصبا له في الميادين العامة، كما أنه لم يغير من طريقة حياته البسيطة جدا حين كان وزيرا لعقود طوال، ورئيسا للحكومة من بعد، وتاليا أميرا للبلاد، إذ يميل الأمير الكويتي نحو البساطة في كل المجالات، كما أنه وجه الأجهزة الأمنية مرارا الى عدم المبالغة في مسألة تعطيل مصالح الناس بدعوى تأمين سلامة موكبه أثناء تنقله على الطرقات بين مقر الحكم في العاصمة الكويتية، ومقر إقامته الخاص في منطقة البدع المطلة على ساحل الخليج العربي، لكنه طلب من الحكومة أن تحمل مدينة طبية جديدة بوشر في تنفيذها إسم أخيه الأكبر المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت الذي حكم البلاد بين عامي 1978-2006، في حين تحمل قاعة إنعقاد الجلسات البرلمانية في مجلس الأمة الكويتي إسم حاكم الكويت الراحل المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح الذي حكم البلاد بين عامي 1950-1965.

رسائل للمتصارعين

صورة تظهر مخططا للمدينة الجامعية المنوي إنشاءها

وتتجلى أبرز أبعاد اللفتة الضمنية من جانب الأمير الكويتي التي غفلت عنها الصحف الكويتية الصادرة اليوم، رسالة الى المتصارعين على الحلبة السياسية، وضرورة ترشيق طموحاتهم، وتنمية زهدهم في المواقع والألقاب، وصولا الى حالة سياسية إيجابية يمكن عبرها إعادة الكويت الى سابق عهدها رائدة في جميع المجالات، وبشكل خاص مجال التنمية والمبادرات الإقتصادية العملاقة والخلاقة، التي يشعر صباح الأحمد بتناقصها المريب في عهده، وسط تقديرات هنا في الداخل الكويتي أن ملف التنمية وإنجاز المشاريع الكبرى قد باتت في عهدة الأمير الكويتي في مسعى للإشراف بشكل شخصي على تنفيذها في أقرب الآجال، في حين علم بأن الأمير الكويتي يستفسر بشكل يومي ومتكرر عن بعض التفاصيل والأرقام الخاصة بالعديد من المشاريع المتعطلة في رسالة ضمنية مزدوجة الى الحكومة والبرلمان تقول بلغة يفهمها الجميع إن التلكؤ بتنفيذ مشاريع عملاقة أيا كان مصدره لن يكون مقبولا أبدا، وأنه سيتصرف وفقا لقناعاته في هذه المسألة، وبعيدا عن أي تأويلات أو تبريرات.

ومن بين الأبعاد الأخرى لقرار الأمير الكويتي تسمية مدينة جامعية جديدة بإسم أمير راحل، رسالة تقول بلغة أيضا يفهمها الجميع أن قضية الأسماء والألقاب لا تشغل عقل وبال الأمير كما تشغله مسألة إنجاز المدينة الجامعية ذاتها، كما أن الأمير الكويتي يشير صراحة الى أن المدينة الجامعية الجديدة التي ظلت تعرف منذ أكثر من عقدين باسم جامعة الشدادية نسبة الى المنطقة الواقعة مخططات الجامعة فيها، باتت تحل إسم أمير يحمل مكانة خاصة في قلوب الكويتيين، وبالتالي فإن من الإساءة إليه والى مكانته ألا تنتهي مسألة بناء الجامعة في أقرب الآجال.

تنهدات شعبية

كما أن الأمير الكويتي إستمع وراقب تنهدات بالغة وواسعة من جانب قطاعات واسعة من شعبه، في وقت كانت فيه فضائيات العالم تنقل وتحتفي بافتتاح مدينة الملك عبدالله الجامعية للعلوم و التقنية في المملكة العربية السعودية، وكذلك شبكة قطارات مترو دبي، فهو من خلال إعطاء التسمية للمدينة الجامعية الكويتية فإنه يطمئن شعبه ضمنا أن القرار السياسي في البلاد لن يكون في المستقبل مرتهنا للفوضى والأزمات والمزايدات، في إشارة ضمنية بالغة الوضوح الى مجلس الأمة الكويتي، الذي يبدأ دورته البرلمانية الجديدة يوم الثلاثاء المقبل وسط مخاوف كبرى داخل الكويت، من أن يكون معاودة البرلمان إنعقاده مقدمة لمسلسل التأزيم البرلماني، في ظل تقديرات متنامية من أن البرلمان الكويتي لن يكمل ولايته الدستورية المقررة حتى صيف العام 2013، علما أن البرلمان الحالي قد أنتخب في السادس عشر من شهر أيار (مايو) الماضي خلفا لبرلمان لم يكمل ولايته الدستورية بسبب الصدام مع الحكومة، إذ قام الأمير الكويتي بحله في شهر آذار (مارس) الماضي.

أسرة الأمير

أمير الكويت الأرمل منذ منتصف عقد الثمانينات فجع في العام 2002 برحيل ابنته الوحيدة الشيخة سلوى بعد صراع مع مرض عضال، وشوهد الأمير صباح متأثرا بشدة خلال مراسم دفنها وتقبل العزاء بوفاتها، إذ أسمى دارته الحالية تيمنا بها إذ كانت إبنته الراحلة قد وضعت لمساتها الفنية على المحتويات الداخلية للقصر الذي لم يشهد دخول الشيخة الراحلة إليه بعد انتقال والدها للإقامة فيه، وكان قبل نحو عقدين من هذا التاريخ قد فجع أيضا برحيل ابنه الطفل الشيخ أحمد الذي وافته المنية في العاصمة البريطانية لندن، وللأمير الكويتي اثنان من الأبناء هما الشيخ ناصر وزير شؤون الديوان الأميري المتزوج من الشيخة حصة كريمة أمير الكويت الراحل الشيخ صباح السالم الصباح، والشيخ حمد العازب حتى الآن كما يتردد، والبعيد عن السياسة، والمولع بالإقتصاد والبزنس، إذ يعد من أدهى العقول الإقتصادية على مستوى المنطقة الخليجية.

نبذة عن صباح الراحل

في اليوم الأخير من العام 1977 جاءت وفاة الشيخ صباح السالم الصباح من بعد حكم إستمر لتشكل صدمة حقيقية للشارع الكويتي الذي كان لبضع سنوات يستمع الى موجزات عن مطبات صحية من النوع العادي جدا للأمير، إذ تميزت حقبة الأمير الراحل صباح بإنجاز وإنشاء العديد من المرافق العامة والبنية التحتية العملاقة في إمارة صغيرة كانت تشق طريقها بصعوبة بالغة نحو النهضة الحديثة، مستفيدة من تدفق أسعار بيع النفط الكويتي، في وقت بدأت فيه آثار الرخاء الإقتصادي تلمس بوضوح في البلاد، التي بدأت تتلمس طريقها نحو المكانة العربية والإقليمية والدولية، إذ حظيت الكويت بمكانة عربية خاصة، ودورا متميزا أهلها للعب أدوار الوساطة والمصالحة بين أطراف عربية عدة كانت متخاصمة خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الفائت، إلا أن أبرز بصمات الأمير الراحل كانت في وجوده أساسيا داخل حلقة عربية ضيقة جدا سعت لوقف القتال في اليمن، ولاحقا وقف القتال في الأردن بين القوات الرسمية الأردنية وفصائل فلسطينية فدائية بعد أن خلطت الأخيرة بين تساهل الملك الأردني الراحل حسين بن طلال وسماحه للمجموعات الفلسطينية بالتدرب داخل معسكرات أردنية، وبين منطق الإستقواء وإستعراض القوة الذي مارسته لاحقا، الأمر الذي دفع الملك حسين الى شن هجوم عسكري داخلي لردع مجموعات فلسطينية إستباحت الهيبة الرسمية، إذ نشأت مواجهة عسكرية عرفت لاحقا بـquot;أيلول الأسودquot;.

ومن بين أبناء الأمير الراحل ثلاثة أبناء تولوا المناصب الوزارية وهم الراحل الشيخ علي صباح السالم الذي تولى وزارة الدفاع، وتوفي فجأة في العاصمة البريطانية خلال رحلة للإطمئنان إلى إبن عمه ولي العهد وقتذاك الشيخ سعد العبدالله الصباح، وكذلك توفي الوزير السابق الشيخ سالم صباح السالم الصباح الذي عمل في مناصب وزارية عدة في أكثر من حكومة كويتية، لكنه توفي من بعد صراع مرير مع المرض في العام 2007 بعد أن سجل موقفا مؤثرا في مبايعة الشيخ صباح الأحمد الصباح الأمير الحالي من فوق كرسي متحرك بسبب سوء حالته الصحية، بعد أن نشأ خلاف محدود داخل أسرة الحكم بشأن حسم مسألة الحكم.

ومن بين الأبناء أيضا وزير الخارجية الحالي الشيخ الدكتور محمد شديد الشبه بوالده الراحل، وشديد التأسي به وبمنهجه في التواصل مع جميع فئات الشعب الكويتي، إذ جاء الشيخ محمد الى المنصب الوزاري من بعد ترؤس للبعثات الدبلوماسية الكويتية في الولايات المتحدة وفرنسا.