الأهواز - الأحواز أو عربستان هي أسماء تستخدم للاطلاق على الاقليم الواقع بين بلاد الرافدين غربا والخليج العربي جنوبا وجبال زاغروس التي تحيط به شمالاً وشرقاً، فبغض النظر عن التسميات، ان هذه الرقعة الجغرافية يقطنها منذ عصور طاعنة في القدم شعب عربي ظل، تحكمه في الداخل أصالته وأصوله وأعرافه وتقاليده وجذوره العربية الخالصة، تفاعل مع طبيعتها وصارعها ثم تكيف معها...لذا شق جداولها وحرثها وأخلص لها.. فجادت له بالمقابل بخيراتها في جدلية عشق هادئ بين الأرض والإنسان إلى أن حلت به نكبة نيسان عام 1925 المتمثلة في القضاء على الحكم العربي في الاقليم على يد رضا خان البهلوي وابتلاء الاهواز وطنا وشعبا بحكم ديكتاتوري شمولي حاول صهر الشعب العربي الاهوازي وسائر الشعوب الايرانية في بوتقة التفريس تمهيدا لانشاء وطن واحد لشعب واحد مستغلا التقاء هذه النزعة العنصرية بالمصالح الاستعمارية المتمثلة في انشاء دولة ايرانية تقوى على الوقوف بوجه محاولات روسية الشيوعية الرامية الى مشاطئة مياه الخليج الدافئة.


ونتيجة لذلك بدأ استهداف هوية الاهوازيين العربية بغية انتزاعها منهم عبر السعي لالغاء خصوصياتهم القومية وطمس معالم وجودهم الوطني ومحو ماهيتهم الثقافية واللغوية وتم استخدام أعتى الأدوات القمعية وأبشع الأساليب العنصرية لهذا الغرض. وفي المقابل اتخذ النظام الرسمي العربي موقف المتفرج في ظل تعتيم اعلامي لا نظير له شاركه في ذلك التجاهل الدولي المتعمد.


وهكذا تم تغييب الشعب العربي الاهوازي عبر ادخاله في نفق مظلم منذ ثماني عقود وفقد الاهوازيون حينها الامل في تقرير مصيرهم بانفسهم مضطرين الى خوض معركة غير متوازنة قاوموا من خلال هذه السياسات الاجرامية والاجراءات التعسفية من حفاظا على وجودهم متكلين على امكانياتهم الذاتية واصرارهم على التمسك بشخصيتهم الاهوازية وكينونتهم العربية رغم الظروف الدولية والعربية المعاكسة.
فاذا اخذنا بنظر الاعتبار خطط ومشاريع السلطة المركزية التي تعمدت القضاء على مصاديق العروبة في اقليم الاهواز ابتداءا من استبدال الاسماء العربية التاريخية للمدن والقرى والشوارع بأسماء فارسية ومنع ارتداء الزي العربي وحظر التحدث باللغة العربية في المدارس والمؤسسات الحكومية وعدم السماح للاهالي اختيار اسماء عربية لاطفالهم تتميزعن الاسماء العربية المستخدمة في الثقافة الفارسية الى تغيير التركيبة السكانية بواسطة تهجير العرب ومصادرة اراضيهم وجلب المهاجرين الجدد من الاقاليم الاخرى وحقنهم في جسد التجمعات السكانية العربية في المدن الكبرى خاصة عبادان والمحمرة وأهواز العاصمة.


واضافة الى العوامل السياسية والايديولوجية والدولية وراء تلك الاجراءات صار العامل الاقتصادي يلعب دورا ليس اقل خطورة من ذلك بل بات يشكل الحافز الرئيسي لممارستها لا سيما لو عرفنا بان اقليم الاهواز يؤمن 90% من ايرادات النفط والغاز،إذ تقدر بعض المصادر انتاج البترول في الأهواز بين 3،5 ـ 4 مليون برميل يومياً، والغاز 9،5 مليون متر مربع يوميا، كما تضم الاهواز 45% من المياه العذبة التي تستهلكها ايران حيث تجري فيها أنهر كبيرة مثل نهركارون الصالح للملاحة ويعادل نهردجلة في غزارته على حد تعبير المؤرخ عبدالقادر النجار الى جانب انهر كالكرخة والجراحي وشاوور وديز وأهوار من قبيل هور الفلاحية وهور الحويزة كما تعتبر الاراضي الزراعية في الاهواز من اخصب الاراضي في العالم نتيجة لتكوينها من طمي الانهر الكبيرة التي جاء ذكرها. ويبقي أن تعلم أيها القارء الكريم أن عدد سكان الأهواز يبلغ تقريباً 5 ملايين نسمة وبهذا يشكل الاهوازيون ثالث تجمع سكاني عربي على الخليج بعد العراق والسعودية.


وبالرغم من حرمان الاهوازيين العرب من هذه الثروات الهائلة وعلى الرغم من لجوء السلطة المركزية العنصرية الى العنف المفرط ضدهم لاخماد أي احتجاج شعبي الا انهم لم يتوانوا في المقاومة امام محاولات الانظمة الايرانية المتعاقبة فقدموا قوافل من الشهداء والجرحى والسجناء الامر الذي ساعد بشكل ملحوظ على توسيع رقعة الوعي السياسي في اقليم الاهواز ومهد الطريق لمشاركة الشعب العربي الاهوازي بشكل مؤثر وفعال في ثورة الشعوب الايرانية التي اندلعت عام 1979 ضد النظام الشاهنشاهي الحاكم آنذاك ولكن لم تتغير سياسات حكام طهران الجدد في جوهرها تجاه العرب ومطالبهم بالرغم من الشعارات الثورية حول العدل والمساواة ورفض التمييز وحماية المستضعفين، فما ان طالب الأهوازيون ببعض الحقوق البسيطة التي ظل النظام السابق ينكرها عليهم حتى لجأ النظام الجديد سلاحه بوجههم.


وذلك بالرغم من ان التنظيمات العربية السياسية والعسكرية منها التي قاومت النظام السابق أقدمت بحل نفسها كخطوة اعتبرت مبادرة حسن نية من جانبها و شكلت شخصيات سياسية أهوازية بارزة وفدا كان يتكون من 30 شخصية عربية بقيادة المرجع الديني الكبير المرحوم الشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني ليطرح مطالب الشعب العربي الاهوازي بشكل سلمي بهدف تصحح الوضع في الأهواز في اطار إيران ومنح الاقليم حكماً ذاتياً. الا أن هذا الطرح العقلاني قوبل بالرفض الشديد والتهديد بالويل والثبور، فجاء الرد قاسيا بدد ماتبقى من آمال لحدوث تفاهم بين الطرفيين. إذ كان الرد عبر اقتراف مجزرة الاربعاء الأسود الشهيرة في مدينة المحمرة التي سقط فيها اكثر من 500 أهوازي بين قتيل وجريح وبتوجيه مباشر من المرشد خميني نفسه.


ونتيجة لذلك فشل النظام الجديد في سد الفجوة التي ظلت حائلا بين الاهوازيين والانظمة الايرانية المتعابقة أو علي الأقل تضييقها واصيب العرب بالاحباط وقطع الامل في نظام ولاية الفقيه وقام النظام بتجديد المشاريع المعادية للاهوازيين والتي تجمدت بفعل الثورة بل وصار يبدع باساليب اكثر خطورة تحت غطاء الدين مثل اغتصاب الاراضي من خلال مشروع عرف باسم مشروع قصب السكر وانشاء المستوطنات وتكثيف الهجرة الى الاقليم.
ولكن بالرغم من ذلك بقيت المقاومة العربية الاهوازية السلمية مستمرة بمختلف الطرق والاساليب وظلت العقلانية سيدة الموقف وتحولت الساحة الخارجية الى مساحة جديدة تضاف الى المساحة الداخلية نتيجة لاتاحتها فرصة العمل والنشاط بغية انعكاس صوت الداخل الى الاوساط الدولية والاقليمية والمحلية.


وهكذا بدأ الاهوازيون يفتحون على الوطن نوافذ اعلامية و سياسية و ثقافية عديدة من المَهجر مدركين بان هناك صوت يتفق عليه المجتمع الدولي وهو صوت السلام العالمي نظرا لما يحمله من حساسية تجاه حقوق الانسان والحقوق المدنية،متيقنين بان الطريق الى تحقيق الحقوق يمر بخطوط متعرجة ومنكسرة احيانا ولكن الافاق واسعة والأمال تراعب القلوب المتجددة في عنفوانها والحصاد أت لامحاله.


وحسب المراقبين إن الحراك السياسي الأهوازي بدأ يحصد نتائجة في اللقاءات السياسية والاعلامية والمشاركات الفعالة في مؤتمرات وندوات عربية ودولية ذات صله بحقوق الانسان.. وغيرها فضلا عن إجراء لقاءات مع مسؤوليين دوليين وعرب، أهمها اللقاءات المتكررة في امم المتحدة والبرلمان الأوربي والكونغرس الامريكي مع مسؤولين امميين وأمريكيين وأوروبيين.. فهذه بداية قوية ويتوقع أن تستمر من خلال لقائات اخرى على مستويات أعلى، وهو يؤدي الى انزعاج أركان النظام الايراني مما دفعه الى الاستشعار بالخطر اثر ذلك.وبحسب بعض التقارير إن إيران حاولت منع حصول مثل هذه اللقاءات ولكنها فشلت في ذلك وباتت تقبل بالامر الواقع بمضض بالرغم من القلق الذي ينتابها من جراء ذلك في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة.


ان المقاومة الاهوازية قديمة بقدم الظلم الذي يتلقاه الشعب منذ ثمانية عقود، فهو ليس وليد المواجهة بين ايران وبين الغرب ضمن سياق الأحداث السياسية التي تمر بها المنطقة، الا أن بعض المحللين السياسيين ذهبوا الى ان طرح مثل هذه القضية في هذه الظروف بالذات ربما يستشف منها خطا على أنه جزء من الخطة الامريكية في وقت بأت فيه بعض الفصائل الاهوازية تنظر الى الولايات المتحدة الامريكية على أنها المخلص الذي يمكن أن يحقق لها حلم الاستقلال!.


ولكن يجب التاكيد هنا بان تبلور الوعي لدى الاهوازيين بكيانهم المتميز، وإيمانهم بالواقع الإستثنائي لأرضهم ولشعبهم،هو الذي إستدعى منهم تفعيل النظرة الواقعية والتعاطي مع قضاياهم وفق المعطيات والمتغييرات الدولية، وتهيئ الظروف لتنظيم صفوفهم للإسهام في الاحداث بما يخدم قضيتهم،عبر التفاعل البرغماتي الواقعي مع التطورات للدخول في مرحلة من النضال السلمي تهدف نيل حقوقهم المشروعة.
والى ذلك يمكن القول كما قال الأستاذ خالد محمود quot; إن الاهواز حكاية وطن اختلاف الاسماء والمسميات، حكاية ماتزال جاهدة تحاول الاحتفاض بذاكرتها عند شعبها، والفارق بين المصطلحات والمسميات رمز مكثف للهوية وإنتماء للوطنquot;.


ابراهيم الاهوازي
[email protected]