أندرو إنجلاند: التأكيد أن المملكة العربية السعودية تخطط لإطلاق صندوق ثروة سيادي معناه أن المملكة ستنضم إلى ركب الدول الخليجية الأخرى الغنية بالنفط، التي تنشط في السعي للاستثمار في فئات الموجودات العالمية لتعزيز عوائد خزائنها.
لكن هذا الصندوق يتميز عن غيره من الصناديق بصغر حجم رأس المال المخطط للشركة الاستثمارية الجديدة، والذي يبلغ 20 مليار ريال سعودي (5.4 مليون دولار). ويعتبر اقتصاد المملكة الأكبر في منطقة الخليج، وقد ارتفعت القيمة الرسمية المعلنة لموجوداتها الخارجية إلى أكثر من 330 مليار دولار، وهي تخضع لإدارة مؤسسة النقد العربي السعودي.
ولعل من غير المدهش أن بعض المصرفيين كانوا يتوقعون تخصيص مبلغ أكبر لهذه الغاية، فيما كانت تتزايد التخمينات حول ما إذا كانت الرياض ستؤسس صندوقاً ومتى. لكن السلطات السعودية فضلت تخصيص مبلغ صغير في البداية يتم استثماره من قبل الصندوق العام للاستثمار الذي يديره منصور الميمان، وتحدثت في الوقت نفسه عن إمكانية زيادة موجودات الصندوق مع الوقت. وتعكس هذه الخطوة أيضا رغبة المسؤولين السعوديين في العمل بهدوء بعيداً عن الجدل الذي أحاط باستحواذ صناديق ثروة سيادية عربية وآسيوية على موجودات غربية.
وجاء قرار إنشاء هذا الصندوق الاستثماري بعد أشهر فقط من الجدل الداخلي. وتساءل البعض حول ما إذا كانت المملكة بحاجة إلى مثل هذا الصندوق. وإذا كان الأمر كذلك، من سيديره: هل سيقع تحت مسؤولية وزارة المالية أو مؤسسة النقد التي تتولى إدارة الموجودات الخارجية للمملكة؟ والأهم من ذلك، ما حجم هذا الصندوق؟.
وكانت هناك توقعات بأن يتم إطلاق أكثر من هيئة، ما يمكّن من وجود القطاع الخاص في هذه الصناديق.
وهناك أيضا مسألة quot;اللوم والادعاءquot;، وفقاً لأحد المحللين الذي يجادل بأن قلة تريد أن يلقى عليها بالملامة في حال اتخاذ قرارات استثمارية خاطئة، بينما ينتظر الكثيرون متأهبين لادعاء الفضل في اتخاذ القرارات الاستثمارية الصحيحة.
وهناك عامل مهم آخر يميز المملكة العربية السعودية عن جيرانها - ويساعد جزئيا في تفسير سبب عدم إقدام المملكة في السابق على تأسيس صندوق سيادي - وهو حجم المملكة. فبوجود نحو 17 مليون مواطن سعودي، ونحو سبعة ملايين عامل أجنبي، فإن عدد سكان البلاد يزيد كثيراً على عدد سكان الدول الخمس الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، وبالتالي فإن الإيراد النفطي للفرد لا يزيد إلا عن إيراد الفرد في عُمان.
وهذا يعني أن المملكة العربية السعودية تنفق الجزء الأكبر من إيراداتها في الداخل ولديها قوة امتصاص أكبر من جيرانها الأصغر حجماً. وخلال الطفرة النفطية الأولى في سبعينيات القرن الماضي، ركزت الحكومة على بناء البنية التحتية وأنفقت أكثر من 40 في المائة من إيراداتها عليها في الفترة 1976 ـ 1980، وفقاً للتقديرات.
ورغم ذلك، كان لديها فائض مكنها من تنمية احتياطياتها من العملات الأجنبية إلى 100 مليار دولار. لكن اقتصاد المملكة تعرض للركود مع تراجع الطفرة بشكل كبير، وتقلصت احتياطياتها بسب إنفاقها مليارات الدولارات لتمويل حرب الخليج الأولى، كما يقول جون سفاكيانسكي، كبير الخبراء الاقتصاديين في البنك السعودي البريطاني quot;سابquot;. وتم استخدام تلك الاحتياطيات أيضا لتمويل عجز الميزانية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
وحسب سفاكيانسكي: quot;كانت هناك فرصة (لتأسيس صندوق سيادي) في السبعينيات، ولو لوضع الإطار المؤسسي لذلك على الأقل، لكن السلطات قالت لننفق هذه الأموال داخلياً، وإذا توافر لدينا أي فائض، فيمكن أن نضعه في النظام المصرفي العالميquot;.
غير أن المواقف بدأت تتغير بشكل تدريجي بسبب الدعم الذي شكلته الاحتياطيات ونتيجة للزخم الذي أحدثته الصناديق الأخرى حول العالم.
ويقول سعيد الشيخ، كبير الخبراء الاقتصاديين في البنك الأهلي التجاري، إن إطلاق صندوق صغير نسبياً ربما يكون على الأرجح من باب quot;اختبار المياهquot;، مضيفاً: quot;أعتقد أن الوقت مختلف لأن ارتفاع أسعار النفط أكثر استدامة مما كان عليه في السبعينيات والثمانينيات. لذلك سيكون من غير الحكمة إنفاق كل هذه الموارد داخلياًquot;.