لو كان الفقر رجلا لقتلته.. يـُنسب التمني هذا للإمام علي بن ابي طالب..
لا تعطي الفقير سمكة، بل علـّمه كيف يصطاد السمك...حكمة صينية قديمة...

سوف لن اتحدث هنا بلغة كتاب الاقتصاد لآدم سميث ولا بلغة رأس المال لكارل ماركس انما بلغة الناس الفقراء والمحرومين من ترف التعلم والقراءة، اذ التعلم والقراءة في بلداننا صارت ترفا مع الاسف..فلا زالت بلداننا العربية والاسلامية تدور في دائرة التمني بقتل الفقر ان كان رجلا فقط، لا ادري لماذا انتظروا دهورا ان يكون الفقر رجلا ليقتلوه، دونما التفكير بخطط اقتصادية محكمة للقضاء عليه كما قضت عليه العديد من دول العالم منذ اكثر من نصف عقد من الزمن..
لقد قالها الامام علي حبا منه بالفقراء ورغبة حقيقية بالقضاء على الفقر، وكان من واجب من خلفوه من القادة والخلفاء والرؤساء والملوك، ان يفعلوا ماتمناه عمليا لا ان يبقوه في حدود الامنية، خاصة ان الدولة في زمانه لم تكن دولة حضرية ذات اقتصاد مستقر قادر على توزيع الدخل بشكل عادل ومتساو، وكان عماد الاقتصاد هو الزراعة والرعي وغزوات الفتح التي تحصد الغنائم التي غالبا ما تقسّم قسمة ظيزى بين المقاتلين، واتذكر هنا مانظمه عمرو بن معد الزبيدي من شعر حينما غـُمط حقه من الغنائم في معركة القادسية حيث قال:

إذا قــُتـلـنـا ولم يبك ِ لنا أحدٌ times;times;times; قالت قريش ُ ألا تلك المقادير ُ
نـُعطى السوية من طعن ٍ له نفذ ٌtimes;times;times; ولا سوية إذ نـُعطى الدنانيرُ

واعتمدت الزراعة غالبا على الامطار التي قد لا تراها الدول العربية لأشهر طويلة، رغم وجود انظمة ري في بعضها كالعراق مثلا التي اشعلت اموالها الوفيرة الحروب بين القادة وسببت الكوارث.
لهذا كانت امور العرب بين القحط والسنوات العجاف، وبين ازدهار يحرم منه بعض المزارعين، لصالح المالك الاقطاعي، فجاء الاسلام بحل لقضية الفقراء- كان لابد ان يكون مؤقتا - بفرض الزكاة والخمس وتشجيع الصدقات وافراد نسبة من بيت المال للمحتاجين، لكنه لم يكن كافيا ليقضي على الفقر في اي زمن من الازمان سوى بسنتي خلافة عمر بن عبد العزيز الذي مات مسموما كما اخبرنا التاريخ، حيث يقال انه لم يوجد في زمانه فقير واحد، ولأنه كان فيلسوفا زاهدا بالمال، وحكم بسنتي خير ووفرة وامطار، افاض على الفقراء من خيرات تمتع بها خلفاء وامراء بعده على حساب المعوزين، لتنمو طبقة مسحوقة استمرت بين التوسع والانحسار الى يومنا هذا، اضافة الى ان الحل الاسلامي يعتمد على صلاح الضمائر والخشية من الله، وهذا امر غير مضمون في زمن موت جماعي للضمائر جعل القادة ينفردون بالمال والسلطة ليخلفوه بعد موتهم الى الابناء او الخلف غير الصالح.
ففي احدى الدول العربية التي يكثر بها الفقراء ويتغرب ابناؤها في مشارق ومغارب الارض quot;ليكوّنوا انفسهم quot; كما شاع بين الطبقات الفقيرة والمغلوبة على امرها والمهاجرة بحثا عن لقمة العيش، يتكشف لنا ان احد الرؤساء الذي خلف اباه يمتلك اكثر من تسعين مليون دولار، اضافة لما لديه من كنوز في بنوك خارجية واطيان وممتلكات غير منقولة..
قد يقول قائل، ان هذه الملكية بسيطة جدا لما يمتلكه سواه، واعرف ان غيره يمتلك مليارات لأتاكلها النيرات، لكنني جئت بمثل بسيط لمن يتشدق بالاشتراكية والعدالة وحقوق الانسان من القادة العرب، اما المتشدقين بالاسلام فان خيالي المحدود في امور المال لا يمكنه تخيل ما يملكون، اذ هو فوق تصوري وتصور الكثير من القراء امثالي..
هؤلاء الملوك والقادة، اصحاب السيادات يعتبرون انفسهم ظل الله على الارض، لهذا لابد من ان يتبع اسمهم المقدس كلمةquot; حفظه الله ورعاهquot;.
من هنا لابد أن تكون الدولة او المملكة بكل مابها لهم وباسمهم وهم المتفضلون على الرعية بما عندها وان كان قليلا...
ويضطرنا تزايد الفقراء في عالمنا العربي الى التساؤل:

هل لا بد من وجود فقراء في الدول الاسلامية تطبيقا لشريعة الله؟
لماذا لم يتم معالجة امر الفقر والبحث عن نظام اقتصادي واجتماعي يحقق العدالة بين البشر؟
فمنذ تلك العقود القديمة التي عاش بها الإمام علي حتى الان، لم يصبح الفقر رجلا يوما ليقتلوه وينتهوا منه، انما اتسعت طبقة الفقراء، واصبحت ملايين مسحوقة من البشر تملأ شوارع مصر والمغرب والاردن والعراق واليمن وليبيا وسوريا والسودان وغيرها من بلدان تحمد شعوبها الله اذ هداها للاسلام، ولكن لا ندري هل ان حكوماتنا وقادتنا يعتقدون انه لا بد للفقراء من ان يبقوا فقراء ليكمل الأغنياء دينهم بالتصدق عليهم واداء فروضهم الدينية على اكمل وجه؟.
لقد وعى قادتنا ان الطبقة الوسطى هي صاحبة التغيير في المجتمعات فاعتبروها عدوهم الاول، لذلك لم يألوا جهدا في القضاء عليها شيئا فشيئا، من خلال افقار بعضها والسماح للطفيليين منها بالاغتناء لتنضم الى صفوف الاغنياء، عندها يكونون قد امنوا على كراسيهم ونمط سلطاتهم ليبقى ملكا لهم ولعوائلهم لازمان اخرى.
وحينما نعود للحكمة الصينية في تعليم الفقير مهنة او حرفة، نجد ان الصين استطاعت فعلا ان تقضي على الفقر بشكل موضوعي حتى اصبحت اكبر مثال على القدرة في حل هذه المعضلة الموجعة للانسان، والتي توقفه متسولا امام بيوت الاغنياء وفي الأزقة والأسواق او تجعله انتهازيا ونفعيا من موائد قصور الملوك والامراء والرؤساء.
فالصين يعيش بها اكثر من مليار وبضع مئات الاف من البشر لا تشكل نسبة الفقر عندهم مشكلة كبرى كما هي في بلداننا، بل ان الصين قد حققت معجزة باطعام كل هذا العدد الهائل من البشر..
فمتى نتعظ ونعرف اسباب عللنا وفقرنا، ليعيش الانسان العربي كريما، كما يعيش البشر في دول منحت اللجوء للأغراب - ونحن منهم - ايمانا بالانسان وحقه في الحياة. ولأنها طبقت قوانين وضعية انسانية لا يمكن ان تغضب الخالق بإغاثة الفقير واطعامه واسكانه، حققت العدالة الاجتماعية بين الناس ونجحت في اشباعهم ليتفرغوا الى امور البحوث العلمية والتطور الحضاري بعيدا عن اوجاع الجوع وما يرافقه من قهر نفسي وسحق لأنسانية البشر وكرامتهم؟
[email protected]

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية