موسكو: سلمت القوات المسلحة البريطانية صلاحيات توفير الأمن في محافظة البصرة للسلطات العراقية. وقد أجريت مراسم التسليم يوم الأحد الفائت 16 ديسمبر. وتحمل إعادة السيطرة على جنوب البلاد للعراقيين معنى رمزيا وقد تصبح بداية لمرحلة جديدة في التاريخ المعاصر للبلاد.

في عام 2003 شارك في الحملة العسكرية على العراق نحو 45 ألف عسكري بريطاني واليوم يبلغ عددهم في العراق نحو 5 ألاف وبحلول ربيع عام 2008 سيتقلص عددهم بنحو الضعف. واليوم تتلخص مهمتهم في تقديم المساعدة في تدريب قوات الأمن العراقية. وسيشارك البريطانيون في العمليات العسكرية فقط في حالات استثنائية وبطلب من العراقيين حصرا.

ومن المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة هي أيضا بتقليص قواتها المرابطة في العراق في منتصف العام المقبل. غير أنه يبقى من الصعب معرفة متى وكيف وعلى أي نحو سيتم ذلك. ذلك أن كيفية تطور الأحداث في جنوب العراق بعد رحيل البريطانيين ستحدد بشكل كبير مخطط واشنطن اللاحق، على ما يبدو.

ولا يمكن اعتبار رحيل البريطانيين نصرا أو فرارا من أرض المعركة كما وصف ذلك أيمن الظواهري أحد زعماء القاعدة على عجل، مع أن الإرهابيين فعلوا كل شيء من أجل أن يبدو رحيل البريطانيين بهذا الشكل. وفور أن أعلنت بريطانيا عن نيتها سحب قواتها بدأ استهداف البريطانيين المرابطين في العراق بشكل كبير، فقد قتل منذ أبريل وحتى يوليو من العام الجاري 13 جنديا وضابطا بريطانيا، علما بأنه منذ بداية الحملة العسكرية على العراق في عام 2003 بلغ عدد الخسائر البشرية بين البريطانيين 134 شخصا.

وقد دوت انفجارات في محافظة ميسان المجاورة للبصرة بعد مرور بضع ساعات على إعلان موعد إقامة مراسم الوداع في البصرة، وقد أسفرت الانفجارات عن مقتل 40 شخصا وإصابة أكثر من 100 بجروح. وسلم العسكريون البريطانيون السلطة في ميسان لأجهزة الأمن المحلية في أغسطس. كما ترافق خروج القوات من المحافظات الأخرى بتفعيل نشاط الإرهابيين ولا يستبعد أن يحدث ذلك في البصرة أيضا.

وعلى الرغم من أن العسكريين الأجانب كانوا عامل استفزاز للعراقيين غير أنهم كانوا يضفون وزنا على القيادة العراقية المركزية في هذه المنطقة أو تلك. ولا يعرف من سيتولى السلطة بعد ظهور نزاع آخر للمصالح، خاصة وأسباب النزاعات والاصطدامات كينبوع لا ينضب. لذا لم يكن من باب المصادفة طلب واشنطن الملح من أهل الحكم في العراق بتقسيم الصلاحيات بين المركز والسلطات المحلية في مختلف المجالات بدءا بالأمن وحتى النفط. ولا تزال النجاحات قليلة في هذا المضمار.

غير أن لندن عقدت عزمها على تسليم الصلاحيات للسلطات المحلية. ويقول البريطانيون أن الشروط المثالية في البصرة لن تتوفر في أي حال من الأحوال. وهم على حق، وعلى كل حال فالبصرة أهدأ من غيرها من المحافظات، أما المشاكل التي بقيت فلن يكون باستطاعة البريطانيين حلها. ويعزى الاستقرار النسبي في البصرة إلى أن معظم سكان الجنوب من الشيعة وهنا أصبح بالإمكان الحيلولة دون وقوع اصطدامات دامية، لكن الأحزاب الشيعية المختلفة حاربت ولا تزال من أجل السلطة ولا يرغب أحد من الأحزاب التخلي عن الهدف. ولهذه الأحزاب تشكيلات مسلحة وهم يراقبون الوضع في المدن ويطبقون أنظمتهم الخاصة هناك. وعلى سبيل المثال قبل رحيل البريطانيين لم تتمكن الشرطة من وقف قتل النساء اللواتي من وجهة نظر المقاتلين المحليين يخالفون الشريعة. وهذا يعني أن الوجود الأجنبي لا يعتبر عديم الفائدة.

أي توازن سيتم التوصل إليه بدونه؟ وغالب الظن أن الأحداث في البصرة ستكون نموذجية بالنسبة للبلاد. وتحتل محافظة البصرة المركز الاستراتيجي الأهم من بين جميع المحافظات التي سلمت فيها القوات الأجنبية السيطرة للعراقيين، وهي قلب البعث الاقتصادي الجديد للعراق ومن بين أكبر المراكز في العراق لاستخراج وتكرير النفط، أما مدينة البصرة فهي ثاني أكبر مدينة في البلاد بعد بغداد. وهنا على نهر شط العرب يوجد الميناء الذي يستقبل السفن القادمة من الخليج العربي. ولهذا السبب تهتم شركات أجنبية كثيرة بالبصرة.

وهنا سيتضح كيف ستصطدم مصالح المجموعات المختلفة وهل سيكون باستطاعة السلطات أن تحل المشاكل بدون الجنود الأجانب.

ماريا أباكوفا