واشنطن: هناك حالة من الاهتمام العالمي بالانتخابات الرئاسية الأميركية المقرر لها أواخر هذا العام (نوفمبر 2008)، والتي تشهد منافسة محتدمة بين أفريقي ـ أميركي يطمح أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة؛ ليحدث تحولاً في سياساتها الداخلية والخارجية، ومكانة واشنطن المتراجعة خلال فترتي الرئيس بوش المنتهية ولاية أواخر هذا العام، وسيدة طامحة في أن تصل إلى البيت الأبيض الذي قاده زوجها، ورجل ذو خلفية عسكرية ساعي إلى قيادة واشنطن منطلقاً من خلفية العسكرية؛ لتحقيق مجد وعزة الأمة الأميركية. وتلك الانتخابات محل اهتمام ليس فقط الدول التي سيكون لمن سيصل البيت الأبيض تأثير على السياسة الخارجية الأمريكية تجاهها، ولكن أيضا الدول الأوروبية، حيث يتابع المواطن الأوروبي باهتمام تلك الانتخابات وما تتمخض عنه من إمكانية وصول مهاجر إلى سدة الحكم في وقت عجزت فيه العديد المجتمعات الأوروبية ـ القائمة على العرقيات والمهاجرين ـ في أن يُصبح مهاجراً رئيساً فيها.

وقد كان هذا محور الحوار الذي أجراه معهد العلاقات الخارجية مع الصحفي الأوروبي المخضرم quot;سيرج شميمان المولود في 12 ابريل 1945 بباريس، ا وهو صحفي ذو خبرة بالعمل الصحفي بوكالة الأسوشيتدبرس وصحيفة النيويورك تايمز و الإنترناشيونال هيرالد تربيون ، كما حصل على جائزتي بوليتزر وايمي. وقد جاء الحوار على النحو التالي:

ما هو مقدار الاهتمام الأوروبي بالحملات الانتخابية الرئاسية الأميركية؟
عشت في الخارج لبضع سنوات وشاهدت العديد من الانتخابات، ولكن في حقيقة الأمر الحملات الانتخابية الرئاسية الأميركية الحالية خلقت حراكاً كبيراً بالمقارنة بمثيلاتها من الحملات السابقة التي أتذكرها. ويرجع ذلك إلى العديد من الأسباب، أهمها، وهو السبب الرئيسي، يتمثل في أن الرئيس الأميركي الحالي ـ جورج بوش الابن ـ أكثر الرؤساء كراهية في التاريخ، والاستنكاف له كان فوق العادة أحياناً، ولذا بدأ الاهتمام بالانتخابات منطلقاً من قناعة أن شخص جديد سوف يحل محله في البيت الأبيض، وأن هناك أشياء سوف تتغير. ولذا هناك توقعات كثيرة ولذا الكثير من الاهتمام.

لماذا جورج بوش مكروه؟
هناك العديد من الأسباب الكامنة وراء تزايد كراهية بوش، ولكن السبب والمكون الرئيسي في هذا الصدد هو التكبر، فهناك إدراك أن رؤية الرئيس الأميركي ـ جورج بوش ـ مختلفة عن باقي دول العالم. وتلك الرؤية محصلة رؤيته للعالم واحتياجاته وأرائه وتاريخه بأنها أشياء بعيدة عن اهتمامه. فالكثير يتحدثون عن تكبره. وهناك من يرون بوش على أنه quot;الكاوبوي cowboyquot; الساعي لتطبيق ما يحلو له استنادا إلى مقولة (إما أن تكون معنا أو ضدنا)، وعدم اهتمامه بمن يعارضونه عالمياً. وتلك الرؤية السلبية لها كبير الأثر. وقد جلست بجانب دبلوماسي ربما سيكون وزير الخارجية القادمة للولايات المتحدة، ولكن لن أسميه، وفي حين كان يستمع إلى مؤتمر انحي إلى وقال quot; هل هي دائماً مثل هذا؟quot; وقلت أنها مثل هذا، وقد وجد صعوبة في تصديقها.

مع تزايد كراهية بوش، أتوقع أن البديل الأول أن الكثير توقعوا أو على الأقل تمنوا فوز المرشح الديمقراطي؟
الكثير من الناس توقعوا ذلك. ولكن يجب أن ننظر إلى ظاهرة أوباما. وأن هذا جزء من رؤية الحب والكراهية لأميركا وإني على ثقة أنك تجدها في حياتك في الخارج. أمريكا هي الدولة التي تُلام على أي شيء. وهناك صورة مثالية تتمحور حول أن الولايات المتحدة أقوي من أوروبا، وأمريكا الطوباوية التي يُؤمن بها أي شخص، وهناك صور مشرفة عن الولايات المتحدة في ذاكرة العديدين فالكثير يسترجعون الجندي الذي حمي الكثيرين إبان الحرب العالمية الثانية أو الرئيس جاك كيندي (جون كينيدي) الرئيس الخامس والثلاثين للولايات المتحدة الأميركية ـ ذو شعبية هنا. وهذا النوع من المثالية يركز على المرشح الديمقراطي بارك أوباما المرشح الأسود. الساعي إلى استعادة مجد عصر أمريكا الصافية. الافتتاحيات الحكمية تقلل منها، لكن سحر أوباما كوجه جديد لأمريكا التي يرغب فيها كل شخص أضحي أكثر قوة.

هل هذا له صدي في باريس والضواحي التي يعيش فيها الجزائريون والمهاجرين؟
في حقيقة الأمر لهذا صدي واهتمام كبير ليس بين المهاجرين ولكن بين السكان الأصليين فدعنا نتحدث عن أن الأوروبيين الذين يستشعرون أن الولايات المتحدة الأمريكية تفعل شيء لم يحدث حتى الآن في أوروبا في وقت ليست مستعدة له على الرغم من تولي مهاجر سدة الحكم في فرنسا quot;نيكولاس ساركوزي. فينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها دولة قادرة على انتخاب أفريقي أمريكي الشيء الذي تري أوروبا أنها عاجزة عن تحقيقه، حيث هناك شعور بأن هناك حاجز منيع ظاهر وقوي وهو المانع التاريخي. فأوباما يتصدر أغلفة الكثير من المجلات التي كانت قصة غلاف لمجلة دير شبيجل الألمانية. وكان العنوان الرئيسي للغلاف quot;Messiah Complexquot; عن أن أوباما جاء ليُمثل في ألمانيا خصوصاً وفي أماكن أخري أيضاً.

وماذا عن هيلاري كلينتون؟
هذا يتعلق بالحديث عن العموميات، فماكين وهيلاري يأتيان في المرتبة الثانية. فهيلاري لها شعبية ولكنها كامرأة أقل من الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ذو الشعبية الجارفة هنا ومازال. وهيلاري لن تستطيع حمل هالة الرئيس كلينتون، فالأوروبيون كانوا سعداء بكلينتون كرئيس للولايات المتحدة، فقد جاء إلى أوروبا وضحك مع الأوروبيين وكان يُلاحظ فهمه لهم. وهناك أمل بأن تكون هيلاري مثله. وهي تسير حسناً في حملتها الانتخابية، وليس هناك كراهية ضدها ولكنها ليست ساحرة كأوباما. ماكين أكثر أهمية لاسيما في ألمانيا إن لم يكن في أمكان أخرى، وهو مشهور جداً، وقد اعتاد أن يحضر مؤتمر ميونخ للأمن السنوي، وأن يحظي بتغطية كبيرة.

أوروبيون يسألون! هل quot;أوباماquot; ممكن عندنا؟
وتاريخه يحكي ويُعاد حكاية أكثر من مرة فصورته بالعكازين وهو يحي من الرئيس الأميركي نيكسون بعد الإفراج عنه من السجون الفيتنامية كان من أكثر الصور نشراً. وقد لعبت أسطورته دور كبير فينظر إليه من عدة أوجه كمدافع عن السياسات الايجابية. فعلي سبيل المثال موقفه من التعذيب وينظر إليه على أنه الرجل الذي وقف في وجه البيت الأبيض أكثر من أي شخص أخر ضد التعذيب، وأن الكثير من سياساته في القضايا الأخرى محل تقدير من رجال الأعمال الأوروبيين والحكومات.

ماكين زار العديد من الدول الأوروبية (ألمانيا، فرنسا وبريطانيا)، هل لقائه مع الرئيس الفرنسي ساركوزي نال التغطية الكافية؟
نعم نال الاهتمام وكل شخص يعرف أنه نال الكثير من المزايا فهو حالياً يتصرف رئاسياً. فهو ليس خائفاً وبصورة واضحة لا يُنظر إليه كاستمرار لبوش، يُنظر إليه كشخصية مشهورة. فماكين له تاريخ ساحر. أوباما نوع من المسيح المنتظر (messiah) كل منهم (أوباما، هيلاري وماكين) يجذب الانتباه بطريقته الخاصة. كنت في اجتماع لغرفة تجارة فرانكفورت ولجنة التسوية. وأحد الأسئلة التي طرحها العديد كانت تتعلق بأن أوباما وهيلاري لم يحصلا على تذكرة المرور إلى الانتخابات. وكان من الصعب إقناع الأوروبيين لماذا اثنين أقوياء وأن القرب من كل القضايا لم يكن كافياً لخلق احتمال قوي للفوز ببطاقة الحزب. وهذا الجزء لم يكن واضحاً لناس، وأعرف إني فشلت في شرح هذا بالشكل الكافي.

دعنا نتحدث قليلاً عن المرشح الديمقراطي بارك أوباما، لأنه بالنسبة لي لا يتخيل إطلاقاً أن يُرشح شخص مهاجر لمنصب قيادي في أي دولة أوروبية. أعتقد أن قصته تسحر العديد من الأوروبيين؟
هذا ساحر للناس بشكل واضح. أنت تعرف أنه يبرز بصورة جلية نوع من التفكير ذكرته هل quot;هذا ممكن في دولتيquot; وقد يحدث هذا في عدد من دول أوروبا، ولكن في قارة من الأمم القومية، حيت دول قامت على أمم عرقية، والدول التي أصبح فيها مواطنين من خارج الدولة رؤساء قليلة. ساركوزي أبوه كان هنغاري وأمه يهودية والتي كانت محل نقاش جاد. وأعتقد أن هناك العديد من الدول لديها استعداد ولكنهم ليسوا هنا. ولديهم تاريخ وطني مختلف ولديهم علاقات مختلفة مع مستعمراتهم ودرجة من تشكيل أمور المستعمرات التي تسمح بالنزوح إلى الدولة الأم.

وكل هذا مختلف جداً عن التاريخ الأميركي. فالولايات المتحدة الأمريكية مجتمع ودولة متعددة العرقيات، وفكرة أن يصبح أي شخص رئيس حدث أكثر من مرة في الولايات المتحدة كالرئيس الأميركي جاك كينيدي. في أوروبا هذا الأمر صعب ولكنه ربما يحدث. أعتقد بصورة شخصية أن ما يبرز المرشح الديمقراطي باراك أوباما أن شخصاً أسوداً سوف يصبح رئيس الدولة العظمي وهو الأمر الذي يدفع بتلك العملية هنا (أوروبا).

هل هناك اهتمام بالقصة الكاملة مع واعظه؟
ليس بالصورة الكبيرة هنا، حديثه عن الأعراق نال اهتمام كبير هنا، ولكن هنا فكرة أن بعض الوعاظ قالوا أشياء فيما يخص الأفريقيين ـ الأمريكيين لم تحدث مثل هذه الحراك والاهتمام. هي لم ينظر إليها على أنها شيء فظيع ولكن نظر إليها على أنها جزء من ثقافته التي جاء منها. الأشياء الصغيرة التي تصبح ذات أهمية داخل الولايات المتحدة لن تكون بنفس الأهمية هنا في أوروبا. هنا تركيز على الخطوط العامة لقضايا المجتمع الأميركي ومواقفهم ثم بعض التكتيكات الصغيرة التي نركز عليها. فمن الملاحظ أن من بعد تري الصورة الكبيرة أقل وضوحاً.

وهناك قدر كبير من الاهتمام للعملية السياسية في مجملها والجهود لشرح ما يتعلق بها. وهناك أيضاً أكثر من ظاهرة تستدعي الاهتمام. في العموم المعلقين الأوروبيين في الولايات المتحدة قريبون من واشنطن ويحصلون على الكثير من معلوماتهم من واشنطن والصحف الأمريكية والتليفزيون والانترنت بالطبع. والشيء الذي ينقصنا أحياناً هو إدراك بقية الولايات المتحدة.