مرفت ابو جامع من غزة: لا تملك رشا أبو شحادة الفلسطينية،أوراقا ثبوتية، كي تدرك عمرها الحقيقي بالسنوات،قائلة بحسبة ما، انه يتراوح بين التاسعة والثامنة ولكن الفقر والجهل سجلا شهادة ميلادها الجديدة، بأعمار عجوز أثقلها الحمل والهم،وبدأت ملامحه واضحة في وجهها الشاحب كأمنية مستحيلة في زمن اللامستحيل.

تخرج رشا 8 أعوام واثنين من اخوتها طلعت quot;10 اعوام quot;وعبد الله quot;9 سنواتquot;، في بكر الصبح لا يتجهان الى مقاعد الدراسة، كحال الاطفال في اعمارهم ولكن ينتشران على مسافات متقاربة في شوارع غزة، بلونهما الاسود كسواد ليلهما الحزين، الذي طال مروره على أجسادهم التي بالكاد تحمل همومهم الكبيرة، بينما تلحق بهما والدتهما كلما اسعفتها صحتها وتقف على ابواب الجامعات او البنوك.

خارطة شوارع غزة تحفظها الصغيرة عن ظهر قلب كيف لا،وهي التي تسافر المسافة الواصلة بين غزة وخان يونس يوميا لبيع حاجياتها دون مرافقة احد.
تقول :quot; الله معي لقد تعودت منذ ان كان عمري 6 اعوام حين أرافق والدتي نجول في غزة كي نستطيع جمع قوت يومنا، ونعود باجسادنا المتعبة، نسدد ايجار البيت واقساط جرة الغاز وبعض الخبز.

اسراب من الاحلام البريئة مسكونة بداخلها، لم تر نورا،الا في كواليس معتمة تجتاحها ساعات ارتماء جسدها المتعب من القفز طوال النهار أمام جيوب المارة والعربات،على مخدة وغطاء يسرب من ثقوبه برد الشتاء في الاربعينية القارسة،quot;نفسي البس ملابس نظيفة،اروح المدرسة، أكل اتدلل كباقي الاطفال، أشعر بالعيد والملابس الجديدة واللعب والهدايا التي لم ارها بحياتي سوى في واجهة المحلات وفي يد طفلة مدللة ترقد الى جانب والدتها في سيارتها الخاصة.

quot;لست متسولة quot;quot; تقول رشا لصديقاتها في اللعب -المقلة في حضوره، مخففة وقع الكلمة في نفسها،عندما يقذفنها بكلمة متسولة quot; انا ابيع اشياء بسيطة واحظى ببعض الشواكل التي تعيل اسرتي quot;وهذا عمل ولا عيب فيه.
وتواصل،quot; أخجل أحيانا،عندما اقف بباب مدرسة وانا انظر في عيون البنات في سني وهن بمريولهن الاخضر او الأزرق المخطط، نفسي ارتدي مريولا او أمسك قلما وكتبا وأن اعرف الحروف واهجئها، ان اغير طريقي الذي امره كل يوم بآخر يؤدي للمدرسة،من يحقق لي امنيتي ؟؟؟.
أما قصة اسرة رشا فتبدأ يوم هربت والدتهما بهما من بئر السبعquot; من مدن فلسطين المحتلة عام 48)، قبل 8 اعوام من قسوة والدهما الى مقر والدتها في حي الصبرة في مدينة غزة.و لم يفكر يوما ان يسأل عنهما في غزة،واحتفظ بشهادات ميلادهما في جيبه،بينما حرصوا على الا تختزن ذاكرتهم بصور اب جاف، quot; لا نريد العودة اليه، هل هذا يستحق ان يكون أباquot; تقول الأسرة مجتمعة.
وتروي ام طلعت 39 عاما (والدة رشا) بصوت مخنوق: quot;هربت بأولادي من قسوة والدهم قبل ثمانية اعوام، كان يعنفني، خفت على حياتي وحياة أطفالي،عدت اقيم مع والدتي العجوز في بيت بالايجار، واخرج كي أرتزق من اولاد الحلال وبعد موت والدتي العجوز،شعرت بغربة المكان خاصة بعد ان كان الايجار للبيت مرتفعا ولم يكن باستطاعتي دفعه بحثت عن مكان اخر اقل في المصاريف، فوجدت هذه الشقة على الطابق الثاني في منزل جنوب قطاع غزة،
أسدلت جزءا من بطانية احتلتها الخيوط الممزقة من كثرة الاستخدام، الى ارجلها بعد ان اجتاحها البرد الذي تسربه النافذة المغلقة بقطعة من القماش وواصلت:quot;خفت ان يأخذهم زوجي مني وهم كل حياتي، فهربت بهم بعد ان رفض تسليمي شهادات ميلادهم.
وتابعت :quot; أولادي لا يملكون شهادة ميلاد وانا ليس بامكاني اليوم بعد ان اصابني السرطان من البحث عن لقمة عيشهم لذا نعيش من عملهم ولا احد يسأل بنا او نركن عليه في تأمين قوتنا quot;

حملقت فضية 13 عاما، في صحيفتي، وظننتها تقرأ، قلبت صفحاتها وطوتها وقالت مترجية، اقرأي لي هذا السطر،،quot; أشفقت عليها وقرأته quot; ياريت هالجمعيات على فايدة أخوكم جوعان بلا حدود quot;، كان تعليقا على صورة كاريكاتير بالصحيفة ضحكت في داخلي وقلت لعل احساسها الفطري وضع اصبعها على جرحها،ما كانت تود قوله.ولخصته الكاريكاتير.
تقول فضية quot; ياريت ادخل المدرسة والله حلم عمري،بينما ضحكت quot; نquot; 14 عاما ورفضت ان نكتب اسمها،انا لا اريد بعد هذا العمر فقط الا لبسا كالفتيات بسني وذهبا وان يكون لي صديقات،و اجد عريسا قالتها بلغة تحتمل المزح والجد quot;ان شئتي خذي صورتي واكتبي فتاة تبحث عن عريسquot;.
تحركت ام طلعت نحو المطبخ الذي يشبه مخزنا مهجورا، وأشعلت طنجرة الكهرباء واخذت قسطا من الدفء وقالت :quot; كلما شعرت بتحسن حالتي اذهب لمحلات اللحوم او الدقيق واجلب ما تبقى من عظام او طحين لأطفالي، اما اليوم فنحن منذ أربعة أشهر، بلا دقيق او غاز حيث نشعل احيانا النار في الشقة المجاورة الفارغة من السكان، ونطبخ اشهرا عليها حتى نسدد ثمن تعبئة جرة الغاز.
أما رشا فطوال النهار40شيكلا (10دولارات) او اقل حصيلة ما تبيعه بعد الالحاح والاصرار امام المارة حتى تعود الى بيتها وتشتري وجبة عشاء من الفول والفلافل لأسرتها، وترفع منها ثمنا لعلاج والدتها الذي يتجاوز 150 شيكلا و400 شيكل ايجار البيت شهريا.
تقول ام طلعت :quot; اشتري خضارا من البقايا بعد بيعها، وملابس اولادي من الدلال وبالكاد نتدبر امور حياتنا.
اختفى صوتها، بلعت ريقها وتابعت:quot; قبل اشهر اختفي صوتي فجأة، ولم اعد اسمعه فذهبت للطبيب ليخبرني بما لم يكن يخطر في بالي وزاد همومي وخوفي وقلقي على مستقبل أطفالي quot; اني مصابة بسرطان في الحنجرة وبعد ان علموا بوضعي في وزارة الصحة جهزوا لي اوراقا وارسلوني الى مستشفى اسرائيلي لتلقي العلاج هناك،وعدت قبل شهر من المستشفى، ولا أستطيع الان العودة والمراجعة بسبب ضيق الحال.

غادرت الأسرة، وهي تسجل احلامها أمام القراء في بطانية تستر أجسادهم من غول الشتاء وكفالة تحمي رشا من مستقبل مرسوم طريقه بالجهل والفقر وشهادة ميلاد خالية من قساوة الأب والمجتمع،ومن هموم ثقيلة اهمها الالتحاق بالمدرسة، ومعرفة حروف الهجاء،وشكل الحياة اذا ما غاب عمودها quot; الام المريضةquot;.