سليمان بوصوفه من لندن: لم يمض يومان على نشر جريدة إيلاف تحقيقا حول حملات التحريض على إباضية الجزائر، حتى بدأت تلك الحملات تحصد الفتنة وتنشر الرعب بين الأقلية الإباضية.

أحداث عنف وشغب اندلعت في مدينة (بريان) الواقعة على بعد 550 كيلومترا جنوب شرق العاصمة، أدت إلى مقتل شاب وجرح العشرات اثنان منهم في حال خطرة وإلى إجهاض امرأة في صفوف الإباضية الذين فقدوا العشرات من المحلات التجارية والمصانع والسيارات التي أُضرمت فيها النيران وتعرضت إلى التكسير والتخريب.

*شرارة العنف:

حسب شهود عيان، ففي ليلة المولد النبوي قامت مجموعة من شباب قبيلة (الشعانبة) العربية، بإلقاء مفرقعات على سيدة إباضية خرجت لتوها من المستشفى، ما أدى بأبنائها وأبناء عشيرتها إلى التدخل بالعصي والهراوات. وسرعان ما انتشرت أعمال العنف في كامل المدينة ذات الغالبية الإباضية، قبل أن يعود الهدوء إلى البلدة مع ساعات الفجر الأولى، لكن أعمال الشغب عادت لتنتشر في اليومين التاليين ما استدعى تدخل قوات الشرطة والدرك الجزائري التي لم تعتقل أحدا.

هذا التدخل جاء متأخرا حسب السكان الذين فقدوا شابا يدعى (علي لعساكر) يبلغ من العمر تسعة وعشرين عاما بعد أن أطلق عليه شخص أعيرة نارية من بندقية صيد، فيما تعرضت امرأة للإجهاض إثر اقتحام شبان لبيتها الذي تعرض للنهب والحرق، كما استفاق السكان على آثار الدمار الذي لحق بمحالهم التجارية وبسياراتهم التي تعرضت للحرق والتكسير.

*التحريض على العنف:

الصحف الناطقة بالعربية وبالفرنسية في الجزائر نقلت بالتفاصيل هذه الاحداث وعبرت عن استغرابها من اندلاع أعمال شغب في منطقة (ميزاب) حبث تعيش الاقلية الإباضية،والتي تُعتبر المنطقة الاكثر هدوءا في الجزائر.

الحاج داوود نجار، مدير تحرير صحيفة (الواحة) المحلية وأحد الصحافيين الذين فضحوا كمًا هائلا من قضايا الفساد التي تورط فيها مسؤولون محليون اعتبر أن الأحداث تقف وراءها مافيا تحاول خلط الأوراق والاستفادة من حال الفوضى التي تعم المنطقة، وفي تصريح له قال (السلطات انتظرت إلى أن يتعفن الوضع فتدخلت بعد خراب البيوت ومواطنون تجمعوا أمام فرقة الدرك يطالبون بالتدخل والحماية. هكذا يتحقق ما كان ينتظره البعض منذ فترة طويلة من الزمن (..) عندما يخطط هؤلاء لتحريك الشارع فلا شئ يمكن اعتباره صعبا، تكفي مجموعة من الشباب تمرَّر لهم الرسالة فتتجسد خطة التفجير..وتندلع المواجهات.)

من جهته استنكر حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي يتزعمه حسين آيت أحمد، هذه الأحداث وطالب بفتح تحقيق (جدي وعاجل) لكشف (مسببات هذه الأحداث، والأحداث المشابهة التي تقع بصفة متكررة ويتم التعامل معها بصيغ مشبوهة الغرض منها إشعال نار الفتنة في هذه الولاية).

أما حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية فأوفد ممثلين عنه إلى مدينة (بريان) لأجل المساعدة على استتباب الهدوء والأمن.

*الإباضية والمالكية صراع على النفوذ وملكية الأراضي:

هذه الأحداث التي هزت المنطقة عادت بذاكرة السكان إلى شهر رمضان من عام خمسة وثمانين حيث نشبت أعمال عنف وشغب إثر مقتل فلاح إباضي (اشقبقب بكير) كان في حقله، الفلاح ذُبح من الوريد إلى الوريد وتم التنكيل بجثته، وذلك احتجاجا من بعض الأشخاص الذين رأوا بأن مسألة توزيع الأراضي الفلاحية تمت لصالح الإباضية (الأمازيغ) على حساب عروش (الشعانبة ) و(المذابيح) وهم من القبائل العربية، وما زاد الأمور احتقانا هو إفراج السلطات عن المتهمين بالقتل بعد حبسهما شهورا فقط، إثر تدخل أصحاب النفوذ، وهذا ما أدى إلى اندلاع أعمال طائفية في بداية التسعينات في مدينة (القرارة) القريبة، وفي مدينة (بريان) حيث تكررت أعمال الحرق والسلب، وتم قتل (إباضي) يدعى(دادي عدون) وأحد أبنائه ببندقية صيد قديمة.

هذه الخلافات بين العروش الأمازيغية وبين العروش العربية أو بالأحرى بين الإباضية والمالكية، كثيرا ماتنشب في هذه الولاية الصحراوية ذات الغالبية الإباضية حول ملكية الأراضي وحول مسائل تاريخية كتسمية بعض الشوارع والمدارس بأسماء الشخصيات البارزة من أبناء المنطقة حيث تنشب الخلافات حول شرعية تلك التسميات.

*العقلاء متحدون فمن يزرع الفتنة؟

إثر الاحداث الأخيرة تجمّع شيوخ الإباضية والمالكية وطالبوا السكان بالتزام الهدوء كما عقدوا اجتماعات ماراثونية مع السلطات المحلية لإخماد نار الفتنة، لكن نداءاتهم سرعان ماتصطدم بأصحاب النفوذ الذين يُحسنون استغلال طيش الشباب لزرع جو من الاضطراب في الولاية التي كانت تسمى إلى عهد قريب بسويسرا الصغيرة نظرا لهدوئها واستتباب الأمن فيها حتى أصبحت القبلة المفضلة للسواح الأجانب الذين يزورون الجزائر.