ما كرره وما يكرره ارييل شارون عن تفاهم مع الادارة الاميركية على ان لا عودة الى حدود 1967 وعن اسقاط حق العودة في غاية الاهمية نظرا الى ان رئيس الوزراء الاسرائيلي نجح بالتعاون مع الرئيس بوش الابن وبالتفاهم معه في وضع مرجعية جديدة لعملية السلام في الشرق الاوسط. انها مرجعية مختلفة عن تلك التي نصت عليها قرارات الشرعية الدولية على رأسها القرار 242 الذي يؤكد مبدأ رفض الاستيلاء على ارض الغير بالقوة.

سبق للرئيس الاميركي ان اكد في خطاب القاه في نيسان (ابريل) الماضي انه يتفق مع شارون على ان لا عودة الى حدود 1967 ذلك انه يعتقد ان اي تسوية فلسطينية ـ اسرائيلية يجب ان تأخذ في الاعتبار الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية. كذلك تحدث بوش الابن وقتذاك عن حق العودة مبدياً تعاطفه مع الموقف الاسرائيلي الداعي الى اسقاط هذا الحق بالنسبة الى الفلسطينيين الذين سلبت ارضهم في العام 1948 تاريخ اعلان دولة اسرائيل. وتجاهل الرئيس الاميركي بذلك القرار الرقم 194 الذي يؤكد حق العودة او التعويض والذي يفترض في النهاية ان يكون موضع اخذ ورد بين الجانبين في حال هناك نية في التوصل الى تسوية.

يسعى شارون بكل بساطة الى تفادي التوصل الى تسوية مستفيداً من التحولات التي تشهدها المنطقة في ضوء احداث 11 ايلول (سبتمبر) 2001 التي ادت الى دخول اميركا ما تسميه الحرب على الارهاب وهي الحرب العالمية الرابعة اذا اعتبرنا ان الحرب الباردة كانت الحرب العالمية الثالثة... والاحتلال الاميركي للعراق الذي نتج عنه اعادة تشكيل الشرق الاوسط. فما لا بد من الاعتراف به هو ان هناك شرق اوسط جديدا بعد سقوط العراق الذي عرفناه، اي عراق الدولة المركزية القوية التي تحكم من بغداد. هناك بكل بساطة توازن اقليمي جديد في غير مصلحة ما كان يعرف بالمنظومة العربية الاقليمية بعدما تأكد ان ايران ستكون المستفيد الاول من الاحتلال الاميركي للعراق وكل ما استتبعه من تطورات، اقله في المدى المنظور وفي ظل وجود النظام الحالي الذي يسيطر عليه رجال الدين المنتمين الى مدرسة شيعية معينة في السلطة. ولكن ما قد يكون اهم من تكرار شارون انه توصل الى تفاهم مع الرئيس الاميركي كيف سيتصرف الجانب الفلسطيني. هل تكون هناك محاولة جدية لفهم المطعيات الاقليمية والدولية والعمل انطلاقاً منها للعودة الى التفاهمات التي توصل اليها مع الاسرائيليين في اوائل العام 2001 في طابا وذلك بعد فشل قمة كامب ديفيد؟ الاكيد ان اسرائيل ستسعى الى التخلص من تلك التفاهمات التي ادت في حينه الى تحقيق تقدم كبير على كل الصعد بما في ذلك قضية القدس وقضية اللاجئين اضافة الى عملية تبادل الاراضي في اطار التوصل الى تحديد الحدود النهائية للدولة الفلسطينية ورسمها.

ان لوثيقة جنيف التي توصل اليها يوسي بيلين وزير العدل الاسرائيلي السابق مع ياسر عبد ربه الذي لا يزال عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية اهمية كبيرة، اقله من زاوية واحدة. تتمثل هذه الزاوية في ان هناك حلاً بين الاسرائيليين والفلسطينيين وان قضايا شائكة مثل القدس واللاجئين والحدود النهائية ليست في الضرورة عوائق على طريق هذا الحل. والمفروض هذه الايام ان تمتلك القيادة الفلسطينية ممثلة بمحمود عباس (ابو مازن) رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واحمد قريع (ابو علاء) رئيس الوزراء الفلسطيني، وهما مهندسا اتفاق اوسلو، ما يكفي من الشجاعة للقول ان ثمة حاجة الى نضال سياسي حقيقي من اجل التوصل الى ما هو شبيه بوثيقة جنيف التي تحظى شئنا ام ابينا بدعم دولي كبير. ولو كانت وثيقة جنيف التي يشتمها حالياً المزايدون في الجانب الفلسطيني الذين يعتاشون من حال اللاحرب واللاسلم واستمرار الوضع البائس لشعبهم سيئة، لما كان اعلن شارون الحرب عليها... وتذرع بتمسكه بـ"خريطة الطريق" وبأنه لا يقبل بغيرها حتى لا يأتي من يقول له ان هناك حلاً لمن يريد بالفعل حلاً.

ان السنة 2005 ستكون سنة صعبة على الجانب الفلسطيني اذا لم يحسن التصرف واذا لم يحسن خصوصاً اعادة ترتيب البيت الفلسطيني من منطلق ان منطق الثورة الذي اعتمد حتى الآن والذي جعل عشرات الميليشيات المسلحة تفرخ في الاراضي الفلسطينية لم يخدم سوى الاسرائيليين الرافضين للحل. هذا المنطق الذي قاد الى كوارث في الاردن ثم في لبنان بعد العام 1970، لا بد من استبداله بمنطق بناء الدولة. فهل من يريد ان يبني على ما سبق وتحقق حتى ولو كانت الايجابيات تقلصت في مرحلة عسكرة الانتفاضة؟ ام ان اليد الطولى ستبقى لاولئك الذين جعلوا الاسرائيليين يلتقون حول شارون ويلتفون حوله بفضل عملياتهم الانتحارية البطولية جدا؟