ضراوة الواقع وضرورات المستقبل

القسم الثاني
التغيير التاريخي وموجات ردود الفعل
ان التفكير بمسألة التغيير التاريخي الذي حصل وماهية موجات ردود الفعل عليه كافية للتدليل على أن العراق ليس كأي بلد آخر في العالم.. واذا قورن نظام الحكم السابق بالنازية او الفاشية وشبّه صدام بهتلر او موسليني، فان العراقيين ليسوا كالالمان ولا كالطليان ابدا، انهم عاشوا اكثر من اربعة عقود من الزمن خارج التاريخ وانهم ما نظروا الى الامريكيين في يوم من الايام كما كان الالمان والطليان ينظرون! صحيح ان العراقيين يتباينون في المسألة الوطنية، ولكنهم كانوا وسيبقون شعب من شعوب الشرق لا يمكن ابدا ان تجدهم من الغربيين. ربما كان ابناء المدن سريعا مع سيتأقلمون مع قيم الثقافة الغربية ولكن مرحلة اربعين سنة كانت بمثابة فجوة زمنية تغّير فيها العراقيون تغيرا كبيرا باختلاط السكان وتهميش الثقافة وغلبة الايديولوجيات المضادة مع تكريس الشوفينية وغلبة التفكير بالماضي على حساب التخطيط للمستقبل وتبلور جيل جديد بحاجة الى انفتاح ومدركات وتجارب جديدة لاستعادة الوعي بالزمن ومعرفة الاخر وقبوله..
والعراقيون حالهم حال شعوب كل الشرق الاوسط، لم يتقبلوا الغرب بسهولة، فهل بامكانهم ان يتقبلوا امريكا بسهولة؟ لقد شحنوا على مدى نصف قرن مضى بالعداء للغرب باعتباره دولا استعمارية حليفة للصهيونية.. لقد تشبعوا على مدى نصف قرن بافكار وخطابات وثقافات معادية للغرب والامريكان بوجه خاص.. فهل من السهولة عليهم ان يتقبلوا قوات امريكية ومتحالفة معها على تراب وطني مثل العراق؟ ومما زاد من كراهية العراقيين للامريكيين ما اتبعته الولايات المتحدة من سياسات خاطئة في العراق على مدى 18 شهرا منذ اسقاطها نظام الحكم السابق حتى اليوم! ابرزها انها اعتمدت على اناس غير مؤهلين لقيادة العراق في اصعب مرحلة من حياته اليوم وهو يعاني من فراغ سياسي ومؤسساتي شبة كامل.

الموقف من المعادلة العراقية؟
ايها العراقيون، تذكروا بأن يوم 9 ابريل / نيسان 2003، سيبقى علامة فارقة في تاريخنا نحن قبل اي شعب آخر، وسيكتب عنه الكثير وسيهتم به المؤرخون من الاجيال القادمة وستختلف في تقييمه الاراء والافكار والتحليلات، فاذا كان الانقسام حاصل اليوم بين من يؤيده وبين من يعارضه، فسيبقى الانقسام تحصيل حاصل بشأنه وربما كان للعراقيين موقف من نوع جديد أزاءه في المستقبل البعيد لا المنظور. ان ما حصل من تغيير كاسح بفعل شن حرب ضروس وقف العراقيون منها موقف المتفرج، فالحقيقة ان العراقيين لم يدافعوا فيها عن نظام الحكم السابق وتركوه يتهاوى بسرعة فائقة، ولكنهم وجدوا انفسهم فجأة امام متغيرات سياسية لم يألفوها ابدا في القرن العشرين.. ووجدوا انفسهم فجأة امام قوة محتل بدأ يقرر شأن العراق بمعزل عن العراقيين بالاعتماد على ساسة معارضين كانوا بعيدين عن العراق من دون الاعتماد على عراقيين من مختصين وتوكنوقراط مؤهلين للادارة المؤقتة. كان العراقيون ينتظرون ما فاتهم من اشياء حرموا منها! كان العراقيون يريدون ابقاء مؤسساتهم التي كانت عزيزة على قلوبهم! كان العراقيون يريدون محاكمة سريعة لكل من جنى عليهم!
وانتم ايها العراقيين لم تنطلقوا نحو بداية جديدة بل عدتم ادراجكم لتستعيدوا كل اطياف الماضي الهش، عدتم باحزابكم القديمة وعدتم باساليبكم البالية وعدتم بشعاراتكم التي عفا عليها الزمن.. لم تصفوا حساباتكم مع الماضي الصعب بكل ما له وما كان عليه! فماذا سيذكر التاريخ عنكم؟.. لا تفتخروا بما ليس لكم شأن فيه. واذا كنت ايها العراقي صاحب مبضع تشّرح فيه الاخرين فان نياتك وكلماتك واسلوبك كلها تعلمنا عن احقاد دفينة ليس ضد الاخرين حسب، بل ضد بعضنا البعض وليس ضد مدن او احزاب او اطياف او مذاهب او طوائف او اقليات باكملها بل ضد كل العراقيين، فتكون بذلك ضد العراق.. واعتقد بانك ايها العراقي قليل التجربة في ان تريني ما تخفي الصدور وما تطوي البطون وما تحمل الارحام فالطف بنا يا الله من هذا الوباء الذي ينشره بعض هؤلاء العراقيين في كل مكان وهم يريدون تحطيم هذا العراق الجميل الذي بقي متماسكا كالصخر على مدى التاريخ.. هذا العراق الذي صادف من التحديات التاريخية والسياسية الخارجية والداخلية ما تعجز امم اخرى على مواجهتها، فسيكتب التاريخ ان العراقيين انفسهم لم يعرفوا كيف السبيل نحو المستقبل.. ولقد علمتنا السنوات الصعبة ايها العراقيون جميعا في الحكومات الماضية ونحن جيل مضى كيف تكون المحبة؟ وكيف يكون الصفح؟ وكيف تنغرس الاخلاق؟ وكيف يكون الوفاء؟ وكيف يكون العفو عند المقدرة؟ وكيف؟ وكيف؟ ولكن كل اجده يغنّي على ليلاه وليلى لا تقر لهم بذاكا!

العراقيون وثنائية المزدوجات الصعبة
ان اخطارا كاسحة قادمة على العراق اذا بقي العراقيون يتناغمون بالتفاؤلات الساذجة ومنهم جماعات المتلثمين الواقفين ضد العملية السياسية التي يدعونها بـ " الديمقراطية " او اولئك المستسلمين مع الصفقة والعرس القادم!! ان كل عراقي شريف يطمح ان ان يغدو العراق جنة ينعم اهله بالحريات والتمدن ويتعلمون كيف يتطورون ويعملون مع مؤسساتهم وكيف ينتخبون او يتعاملون مع صناديق الاقتراع، ولكن ما الذي يمكن فعله وسط صخاب الثقافة العصابية والفكر المنغلق والذي بدأ العمل فيه من قبل التعبويين والارهابيين والمتطرفين والشوفينيين والطائفيين المتعصبين. ان كلا من الاثنين: العصابية والانغلاق يعملان على خداع الوعي وقتل الارادة ونصب الفخاخ من اجل اغتيال اي مشروع تاريخي جديد يمكن ان يتطور بشكل هادىء ومتسلسل بعيدا عن فرض اجندة من الشكليات العقيمة حتى يقال بان الديمقراطية قد تحققت في العراق بهكذا سرعة لا تصدق.. واذا ما وجدنا انقساما سياسيا ازاء الوجود الاجنبي على التراب الوطني، فكيف يمكن للعراقيين ان يكونوا اصحاب نفوذ وكلمة مسموعة..
انني اذ اوجّه نقداتي الى العديد من الاخوة المسؤولين العراقيين الجدد، اذ لابد ان يدركوا بأن الامريكيين لا يحبذون ابدا من يقول لهم: نعم على طول الخط! اختلفوا معهم، قولوا لهم ما تريدون قوله، فأنتم اصحاب الشأن لا هم، وانتم تتولون المسؤولية امام الناس والتاريخ، وليس من الصواب اضاعة مصالحنا الوطنية والاقليمية والدولية من اجل مجاملة هذا الطرف الدولي واحترام هذا الطرف العربي والخوف من هذا الطرف الاقليمي! ان الاخطاء التي ارتكبها المسؤولون العراقيون الجدد مع حلفائهم الامريكيين لا يمكن ان تغتفر ابدا. ويبدو واضحا للعيان ان البعض منهم سواء كانوا في مجلس للحكم السابق ام في الحكومة المؤقتة حاليا لم يعملا ابدا على ان يقولا ( لا ) للامريكيين او للايرانيين او لهذا الطرف العربي ام ذاك! ان المسؤولين العراقيين لم يعرفوا غير كلمة ( نعم ) من دون اي اعتراض واعتراض شديد لما ينطق به الاخرون! وانهم اذ اعترضوا فيبدو واضحا ذلك على استحياء!
انني اعتقد بأن الامريكيين ليس باستطاعتهم ان يقولوا ( لا ) للعراقيين، ولكنهم ادركوا كما ادرك الشعب العراقي بأن العديد من المسؤولين العراقيين الجدد الذين تعاملوا معهم لهم من الضعف الشديد في الارادة، وانهم نتاج بيئات ومجتمعات ومنظومات عرفت على امتداد التاريخ كونها تستمد قوتها من قوى الاستبداد العربي الشوفيني ومن مستودعات العبودية المحلية والاقليمية ومن مرجعيات البيئات الدينية. ان البعض من الساسة العراقيين الجدد وجدناهم يتخلون بسرعة عن القيم السياسية الحديثة التي نادوا من اجلها، وجاءوا متلهفين للسلطة متقبلين للعمل مع تلك القوى التي سوف تهتك بالعراق وبمستقبله.. وهم يدركون جيدا ( وحتى الاحزاب الدينية العراقية ) ان العراق لا تنفعه الا اساليب الفصل بين تجليات الدين وبين مستنقعات السياسة.. وان مجرد اللعب بأي اوراق دينية او طائفية او قومية وعرقية شوفينية ستودي بحياة العراق والعراقيين الى اسفل سافلين!
واقولها كلمة صريحة كما تبين لي من قراءاتي المتواضعة لتاريخ العراقيين بدقة ان هذا الشعب لا يعطي ولاءه لأي حاكم يحكمه ان لم يجده قويا ونافذا ومؤثرا في مشاعرهم التي باستطاعته ان يتحكم في اسكاتها دوما من خلال مشاركتهم همومهم وآمالهم وامنياتهم وحياتهم وحتى شعاراتهم واحلامهم.. بشرط ان يفرض قوته ويرونه قويا فيحترمونه ان كان مجردا من التبعية لهذا الطرف او ذاك، انه شعب لا يفّسر الهدوء وحسن التعامل معه من قبل الحاكم الا بالضعف والخور والركود، وهو شعب لا يريد ان يرى زعماءه ينحازون ذات اليمين او ذات الشمال.. فاذا ما اهتزت الزعامة عند العراقيين، فستبدأ حلقات المجتمع كلها تهتز اهتزازا قويا كالشجرة وسط ريح عاتية!
انني لا اجرد نفسي عن العراقيين فانا واحدا منهم، فعذرا عما يجدونه عندي من صراحة في القول، ذلك انني اجد بأن في داخل اي انسان عراقي طاغية من نوع ما يحرك صاحبه اين ما كان.. نعم، ان البيئة العراقية بيئة موروثة بالاستبداد وهي تحتشد بنماذج الطغاة وكأنه قد خرج توا من نظام اجتماعي وسياسي عبودي لا مخارج أو توليفات لهم! نعم، في دواخل كل عراقي طاغية جلاد واشبه بدكتاتور لا يرحم، فهو لا يرحم غيره ولا يرحم نفسه ولا يرحم اهله ولا يرحم اصدقاءه ولا يرحم ابن وطنه ولا يرحم كل من يعرفه.. انه يتخيل انه الاحسن وانه الافضل وانه الاشرف وانه الاذكى وانه الاكثر وطنية وانه الاشجع.. الخ هذا الفضاء المختنق الذي يدعونه العراق الذي بقي مسرحا مثاليا لكل الطامعين والجلادين الذين لم يؤمنوا بالمناهج العقلانية الهادئة، حيث لا يجدها الا في عند اولئك الذين يسميهم بـ " الضعفاء " فيحتقرهم او عند اولئك الذين يطلق عليهم بـ " الجلادين " الذين يرتعد منهم! انه التغييب والذوبان برمزية غائية ما او فكرة شعاراتية ما، فيتعامل مع الوقائع باعتبارها مسيرة من فكر متوارث منذ العصور الوسطى.. هذا الواقع لا تنفع معه مرحليا وسائل وادوات تستخدمها الشعوب والمجتمعات المتمدنة ضمن شكليات سريعة لا يستوعبها الواقع، فكيف يمكن للوعي العراقي استيعابها استراتيجيا ان لم تكن هناك مرحلة نقاهة واستعادة للقيم السياسية والتصاق بتراب الوطن؟

حزين هو هذا العراق الجميل!!
نعم، حزين هو هذا العراق الجميل الذي تشوّهت خصاله وقيمه وموروثاته.. انه وايم الله لا يستحق كل الذي حمله على كاهله من التواريخ الصعبة! حزين هذا الرجل العجيب الذي سمّوه بابي الحضارات ان يفتك به هذا العصر المريب فتكا وتدميرا! حزين هذا الرجل الصعب الذي سلموه بكل برود الى اكبر قوة طاغية في هذا الوجود وسلخوا عنه ما يحميه ولم يعرفوا كيف يتعاملون مع هذه القوة التي هي بأمس الحاجة الى قادة اذكياء ومهرة وساسة فنانين عراقيين في كيفية تعاملهم معها! حزين هذا العراق المعطاء ان يجد نفسه يستنزفه الاخرون ويستهلكه المجاورون ويختلسه السارقون ويخطفه المتوحشون!! حزين هذا العراق ان يجد ابناؤه يتنابذون ويتذابحون ويستهترون بكل قيم العراق الحضارية! حزين هذا العراق ان يجد اجياله الجديدة من صبايا وشباب هائمون لا يعرفون اين الطريق! حزين هذا العراق الغني ان يجد اهله فقراء ومحرومين ومشردين ومهجرين ومنفيين.. بكائين يهذون ويشكون طول المدى ولا يرحمهم او يشفق عليهم احد وهم اصحاب اغنى بلد في العالم! حزين والله هذا العراق حزين حزين من جنايات ابنائه بحقه قبل جنايات الاخرين! والعراقيون – كما يقول صاحبي وكلانا يسموننا بعراقيين – انهم عموما اما معك واما ضدك فهم لا يعرفون ان يتعاملوا تعاملا رسميا معك.. فكونك معروف في اوساطهم فأما ان يخافوا منك اذا كنت قويا واما ان يحتقرونك اذا عرفوا انك بضعيف.. انهم لا يعرفون معنى الاحترام والاحترام المتبادل.. ان مدركاتهم قد تعودت على ان يكونوا خائفين من ذاك الذي يكتشفون سطوته او يحتقرون ذاك الذي يصفونه بالضعف والخور، والضعف عندهم ما يكمن في هدوء القائد المتمتع بالرزانة والحكمة والموعظة الحسنة والتقاليد الحضارية عالية المستوى.
والعراق جميعا عملة نادرة هذه الايام عند جيل تربى على كل الانقسامات والموبقات والاحقاد والضغائن وكتابة التقارير السرية والزج في الحروب البشعة وقتل المواهب وتعطيل القدرات وافساد الذوق وقد بدا ذلك واضحا ذلك وضوح الشمس.. ان شرعتك اخي العراقي الانقسام الطائفي والتعصب لكل من الطرفين ولكن؟ سوف لن تستطيع ايها العراقي ان تصل الى اهدافك الكريهة لأن هناك تمازج وتصاهر وزيجات وشراكات بين السنة والشيعة العراقيين وهناك تلاحم بين المدن الكبرى الثلاث: البصرة وبغداد والموصل وكل المدن الاخرى وهناك رجالات ومرجعيات عقولهم كبيرة ولا يفكرون بالسفاسف والتوافه مثلك.. ويا ايها العراقي كيف انتصرت على اخيك سياسيا كان ام فردا في الحرس الوطني او شرطيا في الجهاز الامني بادانتهم من دون معرفتهم، وانت بالتأكيد تدينني من فمي وقد قلبت الامور عاليها سافلها فسوف اجيبك على قدر ما تستحق ولنا في قدوتنا الامام علي بن ابي طالب - كرم الله وجهه - اسوة حسنة ونحن نقرأ خطبه واشعاره ومواقفه.. كيف انتصرت ايها العراقي بتحريفاتك البليدة ليس للواقع حسب، بل حتى للتاريخ وانت لا تعرف منه الا المتداول الكاذب على افواه الجهلة والمغفلين لا من عقول الاذكياء والمتنورين؟

ما العلاج؟ ما الحلول؟
كيف تريدون ان تصنعوا مستقبلكم والعراق يتآكل باسم تخلف النخب الفكرية والسياسية وصراعاتها التي سوف لن تنتهي الى نتائج نظيفة وايجابية يمكنها ان تخدم الاجيال القادمة؟؟ فاذا كانت تلك النخب مؤدلجة سياسيا وفكريا وثوريا في القرن العشرين، فانها اليوم مؤطرة ومضمنة بمنصوصات ومقدسات وتقاليد وموروثات دينية وطائفية ومذهبية وشوفينية متصادمة للغاية على اشد انواع التصادم! كيف تريدون ان تصنعوا العراق الجديد وانتم من ابعد الناس عن فهم الادوات والوسائل النافعة في الممارسات والتطبيقات؟ كيف تريدون السعي الى السلطة باسم اهداف سامية وتطلعات بهية وانتم لا برامج سياسية حقيقية لكم؟ كيف تريدون الائتلاف على دستور دائم للبلاد العراقية المتنوعة وانتم ليس باستطاعتكم الخروج به من طوق المرجعيات الدينية المتباينة بالوانها وصبغاتها؟ اي هوية تحملون؟ هل بامكانكم ان تحملونها هوية عراقية مجردة من كل طيف او مصدر؟ هل تنظرون الى المستقبل بعين متغيرات العصر ام بافكار الماضي الصعب؟ كيف يمكنكم ان تختاروا من بينكم رئيسا للبلاد ونوابا له او رئيسا للحكومة ونوابا له من دون ان يكون كل هؤلاء فوق الميول والانتماءات والاتجاهات؟ كيف نتصور ان احزابا وجمعيات ومنظمات تدّعي الحداثة والقيم الدستورية والعلمنة وشعارات المجتمع المدني ( لا الديني ) وان مواثيقها وانظمتها الاساسية لا تتضمن اي بند يشجع على الطائفية وهي تنشر من قبل اعضائها وباقلامهم رسائل وافكار ومقالات مشحونة بالطائفية؟ بل ويصل الامر بقادتها التحالف مع اطراف مضادة لها تماما في التفكير والاتجاه؟ كيف يكون باستطاعة العراقيين ان يعلنوا عكس ما يؤمنوا به؟ كيف يمكن للعراقيين ان يدركوا مغزى الحريات وقد خلت الاجواء لهم لتصفية حسابات قديمة تاريخية ضد المجتمع وليست حسابات سياسية ضد النظام السابق وعناصره؟ هل تجدون العلاجات سهلة اخوتي واحبائي وان مجرد الانتهاء من عملية شكلية ستدخل العراق في مسار التغيير الحقيقي؟
ان العراق بحاجة حقا الى ان يعيد وجهه الجميل اليه ولكن على ايدي العراقيين انفسهم! ان العراق بحاجة ماسة الى ان تخلق له مستلزمات اساسية للبدء والشروع الدخول الى فترة نقاهة تاريخية يستطيع ان يخلص نفسه من كل الترسبات التي حملها على كاهليه عب عشرات السنين.. ان العراقيين بحاجة ماسة الى ان يسمع احدهم الاخر من دون اي اقصاء للاخر ولا الى اي وسائل عنف لا تزيد الوضع الا سوءا.. ان العراقيين بحاجة الى ان يدركوا ان ثمة اولويات تنتظرهم ويقتنعوا بها ومنها استحقاقات العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها.. ان العراقيين بحاجة ماسة الى قياديين عراقيين حكماء واقوياء ونزهاء باستطاعتهم ان يفرضوا انفسهم في الداخل وعلى كل من القوى الاقليمية والدولية.. ان العراقيين بحاجة ماسة الى سيادة القانون وان استخدام السلطات مسؤولياتها الحقيقية ليس معناه الوقوف ضد الحريات. ان العراق بحاجة ماسة الى ابنائه في ان يكونوا حماة له لا لأي نظام او سلطة.. ان استعادة العراق لمؤسساته المتباينة سيشكّل خطوة على الطريق الطويل.
ان العراقيين ليسوا بساذجين ابدا حتى يضحك عليهم هذا او ذاك بشعارات جوفاء او خطب منبرية عصماء ليس لديها من مضامين الا الانشائيات.. انهم يدركون بأن خطوة الانتخابات والبدء بالعملية السياسية سوف لن تخلصهم من مشكلاتهم ومعضلاتهم الداخلية والاقليمية، بل انها خطوة على الطريق الصعب والطويل فلابد ان تكون تلك " الخطوة " ناجحة بتوفر جملة من المستلزمات الحقيقية التي تجعلهم لا يتندمون في يوم من الايام على ما رسموه لمستقبلهم الموحد، انهم سينجحون حقا ما دامت ثمة ارادة نحو الانتصار وبعد هذا الصبر الذي لا حدود له، ولكن بنفس الوقت لابد ان يؤسس العهد الجديد في العراق على اسس ومبادىء لا يختلف عليها العراقيون انفسهم. انني اعتقد من باب اولى ان تتم الانتخابات ولكن لمرحلة سياسية لا اقول مؤقتة بل اعتبارها فترة نقاهة لا يعجّل خلالها باصدار اي دستور دائم في البلاد اذا كانت اوضاع البلاد بما هو عليه حالها اليوم.
انني ارى بأن العراق بحاجة الى خمس سنوات على الاقل، اي حتى سنة 2009 - كما كنت قد نشرت ذلك قبل اكثر من عام مضى - يستطيع العراق ان يقف خلالها على رجليه من خلال حكومة تكسب ثقة كل العراقيين بما تقدمه من خدمات للعراق والعراقيين وباستطاعتها ان تنجز مهام اساسية وضرورية في مقدمتها التفاوض مع الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها على جدولة زمنية للقوات متعددة الجنسيات، وايضا تحقيق استحقاقات العراق لما بعد الحرب وتداعياتها، وايضا بناء علاقات مستقرة مع الجيران الشرسين في الاقليم وكل ذلك يتطلب فرض لسيادة القانون وتوفير الامن والخدمات للمواطنين وقطع دابر الارهاب في الداخل وايضا اطفاء ما يتحمله العراق منذ عهد صدام حسين من ديون وفوائدها القاتلة.. ثم البدء بعملية امينة ونزيهة لتعداد السكان على اساس العراقية من دون اي اجندة عرقية ولا طائفية.. اذ لابد ان ندرك حجم العراقيين الديمغرافي في الداخل والخارج وشمولهم بكل عمليات التغيير.

واخيرا: فما الذي سيتحقق عند ذاك؟
انني اعتقد جازما بأن العراق سيبدأ نهوضه من جديد وستبدو الحالة عن استعادة لامكاناته ومقدرته وشخصيته الدولية في العالم ويمكن للعراقيين بعد التي واللتيا التفكير بدستور دائم لهم، اي بعد خمس سنوات على الاقل كي يضمنوا لهم تاريخا مستقرا ونضوجا حضاريا بعيدا عن ضغوطات اي طرف داخلي او خارجي.. ولكي لا نعيد ما حدث في القرن العشرين، اي لابد ان لا يلد القانون الاساسي للبلاد ولا يولد تحت اسنة حراب انقسامات الداخل او شرعة الاحتلال من الخارج.. اتمنى ان يدرك كل عراقي وعراقية ما اصبو اليه وما ارنو اليه بعقل مجرد من كل النزعات المستشرية على الساحة اليوم.. اتمنى من كل العراقيين الاوفياء الرائعين ان يفكروا بكيفية البدء تاريخ جديد يصّفي كل حساباته وعلاقاته مع ماضي العراق الصعب وازالة آثاره المحزنة. فهل يمكننا ان ندرك ابعاد العراق كل العراق؟ وهل يمكننا ان نعمل من اجل العراقيين كل العراقيين؟ وهل سننجح نحن العراقيين في بناء تاريخ جديد لنا؟ وهل سيكون باستطاعتنا نحن العراقيين ان نخرج انفسنا بانفسنا من عنق الزجاجة او من اعماق البحر؟ ان مجرد ادراك هذه " الافكار " سيضعنا على الطريق السليم، وعند ذاك ساقول: صفقوا يا اخوان فقد انتهت المهزلة!

[email protected]