في العراق مجتمع جديد بدأ يعيد تشكيل نفسه بثقافة حديثة، وانماط مختلفة، وعادات لم تكن معروفة في أرض الرافدين ومهد الحضارات.

وكما ان هناك صرعات في عالم الموضة، فإن آخر صرعة عراقية، حيث تُقارب حالة الاستقرار العراقي درجة الغليان، هي موضة الاختطافات.

بالأمس مصري مختطَف، وقبله باكستاني، واليوم فلبيني، وخذ فوق البيعة اميركي، والعدد في الليمون كما يقول اخواننا المصريون.

لم يجد العراقيون وسيلة أفضل لتأكيد تواصلهم مع العالم، وتأكيداً لتفاعلهم مع العولمة من جهة، وانتهاء حصارهم الثقافي والسياسي والانساني، افضل من الاختطاف. واذا كنت عراقيا واردت ان تجذب إليك انظار شعب بأكمله بداية من رؤساءه، مروراً بسياسييه ومثقفيه واقتصادييه، تجاره وفقراؤه، وليس انتهاءاً بالزبّالين وباعة الخضروات وملمعي الاحذية، فما عليك سوى أن تنَشّن على احد افراد هذا الشعب في العراق، فتراقب حركاته، وتتابع سكناته، ثم تختطفه، وتصوّره وهو يحمل اوراقه الثبوتية، وعليه آمارات الخوف والهلع وعلامات الوجل والترقب والانتظار، وخلفه ثلاثة ملثمين او اربعة يحملون البندقيات، ويحبذ ان يكون احدهم حاملاً "بازوكا" لتأكيد العدوانية، ويقرأ اوسطهم خطاباً ركيكاً يحمل مطلباً لدولة المختطف، وتهديداً بإراقة دم الرهينة خلال ايام من تاريخه اذا لم تنفذ المطالب، وكفى الله المؤمنين القتال.

عندما أقول أن الاختطاف تحول في العراق إلى صرعة وموضة، فذلك لأن السلوك الطفولي المتمثل في التقليد والمحاكاة، يساهم في انتشار الظاهرة من مجموعة الى أخرى، حتى بات المختطفون يظهرون على شاشات التلفزة اكثر من شعبان عبدالرحيم او حتى كوفي عنان بجلالة قدرهما!

اللبنانيون يقولون: فلان خاطف خطيفة، اذا تزوج بفتاة خارج السياق الأسري، أي دون رضا اهلها، لكن خطيفة العراقيين لا علاقة لها بإجابة نداء القلب، بل هي استجابة محضة لنداء العنف الذي أخشى ان يدمنه العراقيين وهم يقعون في وسط العرب، على خارطة الجغرافيا، وفي تضاريس القلب!


صحافي سعودي

[email protected]