لم أتقزز من شيء مثلما تقززت من الخبر االذي يقول : أن السلطات الأمنية عند مداهمتها لأحد أوكار الإرهاب في الرياض، وهو بيت صالح العوفي الذي يُقال أنه أحد كبراء منظمة "القاعدة" في المملكة، وجدوا في ثلاجة منزله رأس الضحية الأمريكي الذي تم ذبحه ذبح الشاة، وجدوه ( مُبرداً ) برفقة إحتياجات المنزل الغذائية !!. معنى ذلك أن أطفاله الذين كانوا يشاركونه السكن في نفس المنزل كانوا يلقون نظرهم على هذا الرأس المقطوع كلما فتحوا باب الثلاجة تصوروا!. هذا التصرف الذي لا يمت للدين، ولا لحرمة الإنسان في الإسلام، ناهيك عن تصرفات النفس السوية، بأي صلة، يدلُ دلالة واضحة على أن هؤلاء الفئة من البشر هم أبعد ما يكونون عن الإسلام، بل وأبعد ما يكونون عن الآدمية، ناهيك عن مكارم الأخلاق التي ما أرسلَ رسوله عليه الصلاة والسلام إلا لإتمامها.

وقبل ذلك كنا قد شاهدنا أحد هؤلاء الإرهابيين في شريط فيديو نشرته هذه الفئة على أحد مواقعها على الأنترنت، وهو يُلاعب طفله الذي لم يتجاوز الثلاث سنوات بقنبلة يدويه كانت في يده، وكأنها لعبه !. ويُقال أن مجموعة ممن حاربوا في أفغانستان، وكان أبناؤهم يُرافقونهم هناك، عاشوا في مثل هذه الأجواء، وتعودوا على التعامل مع الأسلحة والمتفجرات والقتل والدماء كما يتعود الطفل السوي على لعب كرة القدم.

هذه التصرفات الخطيرة، والمجنونة، والغير مسؤولة والغير سوية، تجعلنا نطالب بضرورة التفكير في تدخل الدولة وإعادة تأهيل أطفال هؤلاء الإرهاببين، أو منهم على شاكلتهم، والذين حشرهم قدرهم السيء مع هذه الوحوش البشرية، تأهيلاً ينسجم مع تعاليم الدين الحنيف من جهة، ومن جهة أخرى مع طبيعة المجتمع المسلم المسالم السوي. إن ترك هؤلاء الصغار دون إعادة تأهيل، ودون تربية سوية، وفي بيئة موبوءة بهذا الشكل، لا علاقة لها بالإسلام إلا من خلال بعض مظاهره، من شأنه أن ينحرفَ بهؤلاء الأطفال عن التنشأة السليمة، وأن يخلقَ منهم مستقبلاً قنابل موقوتة قد تعيدُ تجربة آبائها؛ وهم لا ذنب لهم إلا أنهم ولدوا لهذه الوحوش، وتربوا في مثل هذه البيئة الموبوءة البربرية.

ففي المجتمعات المتطورة تعتبر تنشأة الطفل و تربيته وتقويمه الأخلاقي من واجبات المجتمع أولاً وليست دائماً من واجبات أو حقوق الآباء أو الأمهات، خاصة إذا كان الوالدان من هذه النوعية المتوحشة. لذلك، تهتم مدارس الأطفال على وجه الخصوص بصيانة حقوق الأطفال الإنسانية، ومراقبة سلوكياتهم، وتصرفاتهم؛ وعندما تلحظ على الطفل ما يُشير إلى أن حقوقه الإنسانية مسلوبة أو مُهدرة تطالب المدرسة وتربويوها بتدخل الدولة؛ وقد يصل مثل هذا التدخل إلى حرمان والديه من تربيته وتنشأته. وهذا ما نصت عليه اتفاقية "حقوق الطفل" الصادرة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 44/25 في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1989. هذه الإتفاقية تعطي الدولة الحق في التدخل أو كما نصت أحد موادها : ( تضمن الدول الأطراف عدم فصل الطفل عن والديه على كره منهما، إلا عندما تقرر السلطات المختصة، رهنا بإجراء إعادة نظر قضائية، وفقا للقوانين والإجراءات المعمول بها، أن هذا الفصل ضروري لصون مصالح الطفل الفضلى. وقد يلزم مثل هذا القرار في حالة معينة مثل حالة إساءة الوالدين معاملة الطفل أو إهمالهما له، أو عندما يعيش الوالدان منفصلين ويتعين اتخاذ قرار بشأن محل إقامة الطفل). ولا أعتقد أن هناك قاضٍ يحتاج إلى دليل أقوى من أن الوالدين يعيشان برفقة أطفالهما مع "رأس إنسان مقطوع" كي يحكم بعدم أهلية هذا الأب المفترس أو هذه الأم المتوحشة في تربية وتنشأة الطفل، كما هي حالة الإرهابي صالح العوفي.

لذلك، فإنني أدعو إلى العمل، وبشكل رسمي، وجاد، على جعل الحق في التربية السوية، والتنشأة الإسلامية المستقيمة، حقا مشاعاً لكل طفل في مجتمعاتنا مهما كانت ظروفه الاجتماعية، أو تفكير وذهنية والديه؛ واعتبار ذلك واجبا إلزاميا على الأبوين والدولة والمجتمع مشتركين، وأن تبادر الدولة إلى وضع (آلية) نظامية تستمد من شرع الله حيثياتها لترجمة حقوق الطفل في الإسلام إلى أحكام ملزمة وواجبة التنفيذ، وتبليغها لأفراد المجتمع وللقائمين على تعليم الأطفال، وبث ثقافة تربية الطفل القانونية عبر أجهزة الإعلام المختلفة، كما كانت توصية أحد المؤتمرات العربية التي بحثت في حقوق الطفل. وبذلك نضمن ألا تُفرزَ مجتمعنا نسخاً مكررة من هؤلاء الإرهابيين البرابرة في المستقبل.