لو أن بدوية ترعى النوق في الصحراء، واغتصبها أحد الأعراب، فتظلمت ضده، هل يطلب منها القاضي أربعة شهود رجال عدول، لإثبات الجرم على الجاني؟ وإن لم تفعل، أو أن ثلاثة رجال فقط شهدوا معها، هل يحكم لها القاضي؟ أم يذهب حقها هدرا؟
إذن هل يحق لنا أن نتخيل عدد الحسناوات اللواتي اغتصبن في صحرائنا العربية الأبية دون أن يجدن من ينصرهن ويعضدهن على هؤلاء البغاة الأشرار؟
ولنفترض أن الاغتصاب حدث في زماننا هذا، ألا تستطيع العلوم الطبية الحالية تأكيد الاغتصاب أو نفيه؟
جاء في الأخبار أن الشرطة البريطانية اعتقلت لعدة ساعات دبلوماسيا سعوديا يعمل في السفارة السعودية في لندن، بتهمة الاعتداء على فتاة قاصر، واغتصابها، تبلغ من العمر إحدى عشر ربيعا، في منزل دبلوماسي يعمل في سفارة عربية أخرى غير سفارة السعودية، خلال حفلة أقامها هذا الأخير في بيته.
وأن الشرطة البريطانية قد أفرجت عن الدبلوماسي السعودي المتهم باغتصاب الفتاة، بسبب الحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها. وأن وزارة الخارجية البريطانية طلبت من السفارة السعودية في لندن نزع الحصانة الدبلوماسية عن السعودي المتهم لتتم محاكمته أمام القضاء البريطاني.
وجاء في الأخبار أيضا أن السفارة السعودية رفضت طلب الخارجية البريطانية، وأن متحدثا باسم السفارة قال إن الدبلوماسي المتهم يتم التحقيق معه داخل السفارة، وسيحاكم حسب القانون السعودي، وأضاف المتحدث أن مثل هذا الاتهام، أي اغتصاب امرأة، يتطلب حسب الشريعة الإسلامية وجود أربعة شهود رجال عدول (أي منصفين، ويتمتعون بالأهلية الشرعية والقانونية)، عاينوا الحدث وشاهدوا عملية الاغتصاب، (أي رأوا الميل يدخل في المكحلة ثم يخرج ثم يدخل ... وهكذا) لكي يكون الحكم ثابتا والذنب واقعا.
الخبر بالتفصيل على الرابط التالي:

http://65.17.227.80/ElaphWeb/Politics/2004/8/3280.htm

قبل التعليق على هذا الخبر يجب التسليم بالقاعدة القانونية، والتأكيد أن: المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
لكن المثير للفضول الذي لم توضحه الأخبار: اسم السفارة العربية الأخرى التي يعمل لديها الدبلوماسي الذي أقيم الحفل في بيته. والمثير أكثر للفضول، ولم توضحه الأخبار أيضا، ما إذا كانت الفتاة القاصر التي قيل أنها اُغتصبت مسلمة مؤمنة بالله ورسوله، أم أنها مشركة كافرة؟ حيث أن العقوبة، حسب الشريعة الإسلامية، ليست واحدة في كلا الحالتين. لا بل إن بعض المشايخ يعتبر الفتيات المشركات الكافرات سبيا، أي أنهن من ملك اليمين، وبالتالي يجوز للمسلم أن يتمتع بهن، ولنا في الغزوات، والفتوحات الإسلامية خير سند ودليل على ذلك. وفي عصرنا الحديث أيضا، قرأنا وسمعنا كثيرا عن حوادث خطف القبطيات القاصرات في مصر من قبل الجماعات السياسية المتأسلمة، والتي أفتى أتباعها بجواز ذلك التمتع.
ثانيا: إذا كان علماء الغرب الكافر قد أفتوا بأن ابنة الإحدى عشر ربيعا تُعتبر فتاة قاصرا فهذا رأيهم وشأنهم، وما ينطبق عليهم لا ينطبق علينا، فلكل بلد عاداته وتقاليده وظروفه وأحواله، وبالتالي لا يهمنا ما أفتوا به، ولسنا ملزمين بقبوله، فلدينا جيش عرمرم من المشايخ الذين يفتون لنا، وقد أفتى بعض الأزهريين منهم على الفضائيات بخلاف فتاواهم الكافرة، إذ أجازوا زواج الفتاة في سن التاسعة، وحبذوا ذلك، وشجعوه، إقتداءً بالرسول العربي الكريم الذي تزوج من السيدة عائشة أم المؤمنين وهي في سن التاسعة، وبالتالي لابد من شطب صفة (قاصر) من لائحة الاتهام، إن كان هناك لائحة اتهام ستُقدم.
لكن الأهم من كل هذا وذاك وجود أربعة شهود رجال، عدول، منصفين، كاملي الأهلية، عاينوا حادث الاغتصاب وشاهدوا الميل يدخل في المكحلة ويخرج منها، وإن لم يتوفر أولئك الشهود الأربعة، فالقضية كلها في المشمش، ومن حق المتهم حسب الشرع الإسلامي أن يقاضي من ادعى عليه لتشويه سمعته، ويطالب بجلده ثمانين جلدة، وأن لا تُقبل له بعد ذلك شهادة أبدا. ولنا في قصة (المغيرة بن شعبة مع أم جميل بنت محجن) خير سند يعتمد عليه في هكذا حالات، وأرى من المستحسن ذكر قصته لدلالتها البالغة، وكي لا تغيب عن ذهن القضاة الذين يضعون الحق والعدل نصب أعينهم حين يحكمون في مثل هذه القضايا.
المغيرة بن شعبة صحابي، مزواج ومطلاق، أي يحب النسوان بعض الشيء، ولاّه عمر بن الخطاب على البصرة والكوفة، وقد عزله عثمان وولى بدلا منه الوليد بن عقبة بن معيط الذي يأخذ عيه حساده أنه كان يصلي الصبح بالناس سكرانا (أربع ركعات)، ويبدي نشاطا متزيدا في الصلاة، ورغبة في استزادة الناس ركعة أخرى، لكنهم كانوا يرفضون عرضه، ويقال أن الآية التي تقول: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ..... ) قد نزلت فيه. المهم:
كان المغيرة بن شعبة واليا على البصرة، وكان من زبائن أم جميل ويتردد عليها. فترصده حتى ضبطه عريانا يتبطنها، كل من: أبي بكرة بن مسروح، مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخيه من أمه (سمية) زياد بن أبيه، الذي ألحقه معاوية بنسبه، وشبل بن معبد بن عبيد البجلي، ونافع بن الحارث بن كلدة الثقفي. فأتوا الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب، ليشهدوا عنده بما رأوه، فاستدعى عمر المغيرة، وجمع بينه وبين الشهود.
قال نافع: رأيته على بطن أم جميل عريانا وهي عريانة، يتحفز عليها، ورأيته يدخل ما معه ويخرجه كالميل في المكحلة. وشهد كل من شبل وأبي بكرة بمثل ما شهد به نافع. ثم أقبل زياد بن أبيه، فقال: رأيت إستا تنبو، ونفسا يعلو، وساقين كأنهما أذنا حمار، ولا أعلم أكثر من ذلك، ( أي أن الرجل لم ير الميل يدخل ويخرج في المكحلة). فأمر عمر بن الخطاب بالثلاثة، وجلد كل منهم ثمانين جلدة، وخرج المغيرة شريفا بريئا جسن السمعة، لأن القضية لم تكتمل أركانها، فالمطلوب أربعة شهود، وثلاثة لا يكفي.
طبعا ليس من الضروري أن نتذكر أن رئيس أقوى دولة في العالم (الرئيس كلينتون) لم يحتاج قضاته الذين أثبتوا عليه معاشرة (مونيكا) إلى أربعة شهود عاينوا مشاهد ممارسة الحب بين العاشقين، فالعلوم الطبية الحديثة قادرة على إثبات ذلك، ونفيه.
وأخيرا ألا يحق لنا الاستنتاج، أن ثقافة الكبت الموروثة المفروضة، قد خلفت جوعا جنسيا مزمنا، يعاني منه أعداد لا بأس بها من الرجال العرب، بالرغم من زواجهم بأربع نساء، وبالرغم من استمتاعهم بما يعتقدون أنه ملك اليمين، الأمر الذي يوضح لنا السبب الذي من أجله يسارع بعض الشباب العرب إلى إنهاء حياتهم وتفجير أنفسهم وقتل من قيل لهم: إنهم كفار.


[email protected]