"الشاكي والباكي ودعبول عندما يرتدي الخاكي"
يحكى أن سيدة أوصت إبنها في أعقاب وفاة زوجها، قائلة له؛ "يمة عزيزي إنت صرت رجال البيت، ولازم تتعلم تحكي كبار"، لم يتوان الصبي الصغير عن الإلتزام بهذه النصيحة الذهبية، حتى راح متبخترا في أزقة الحي، يردد الكلمات الكبيرة الحجم ، من نوع؛ "فيل، مطي" أجلك الله قارئي العزيز"،طاحونة، قطار، فيما تكون الخاتمة بمقولة؛ شطيـــــــــط، الى أن ينقطع نفسه ويعجز عن الكلام، عندها يعود الى داره آمنا مطمئنا، فقد طبق الوصية وهو إبن بار بوالدته، ولا بد أن يكون جزاؤه الثواب والمغفرة والجنة من دون شك.
من الحكي الكبار الى ))الكلام الكبير أوي(( على حد تعبير نجوم السينما المصرية، يكون العراق واقعا في إسار شركة المصائد المتحدة، والتي تم إعدادها وتوظيبها لهذا الشعب الذي وقع فريسة الكلام الكبير، وضحية الإدعاءات والتطبيلات والتزميرات والنعق خلف كل ناعق، الى الحد الذي بات من العسير إحصاء من خرج متظاهرا، وفي مختلف المراحل من تاريخ العراق المعاصر، حتى صار من الصعب تحديد موجهات النظر نحو الرأي العام العراقي ، وهل هو يقع تحت طائلة الإنفعال الوقتي، أم أن هناك خللا ما في الأمر. فقد ركضت الجموع الغفيرة خلف عبد الكريم قاسم، وركضت ذاتها خلف الطاغية راقصة زاعقة مزغردة مهللة، ومازالت صور هز الكتف مسجلة على أشرطة الفيديو، لمن يعاني من ضعف الذاكرة. وفي مختلف المدن من دون استثناء !!وليس غريبا على هذه الجموع أن تركض خلف وجهتها الجديدة، ولكن مع الإختلاف الذي تفرضه الوقائع، فالركض والهتاف والرقص وهز الأكتاف هو هو ماتغير، لكن الذي تغير طريقة تداول الزعامة في المحيط العراقي المؤقت، وعلى الرغم من هذا المؤقت الذي يفصح عن الإنفتاح على عوالم من الإحتمالات الواسعة والفسيحة، إلا أن لعبة الإنتماءات صارت الهواية المفضلة للعديد من الناس، الى الحد الذي لم يتوان أحدهم من المجاهرة بسهولة الإنتقال من هذا التجمع السياسي الى منافسه الآخر قائلا؛ "إذا سقط صاحبنا، نروح للآخر" وهكذا يغدو سوق النخاسة الحزبي، في أشد حالاته وهنا وتقطيعا واستهانة.
بعد سنوات الجزر التي أحاقت بالإنسان العراقي المسكين، حيث الحرب مع إيران التي استمرت لثمان عجاف، ما تردد بطل التحرير القومي لحظة وما اهتز شاربه، من التنازل عن الحقوق التاريخية للعراق في شط العرب، وهكذا خسر العراق نصف مليون إنسان في مغامرة اشترك فيها الطرفان الصدامي القومي والإيراني الإسلامي. الى الحد الذي ضاع دم الأبرياء وسط معمعة الإدعاءات والتقولات والتحريضات، وبعد سقوط الطاغية تجتاح العراق اليوم، لوثة من الحماس السخين والذي يعز على التوصيف، أهو ديني أم وطني أم قومي أم ماذا، حيث يتم حصد المئات من الشباب العراقي، من دون أن يتنبه لهم أحد. بل أن المفاوضات تستهدف القيادات الكبرى والمنتقاة ، فيما يبقى الفقراء والبسطاء مجرد وقود للآمال التي تعن على عقول وأفئدة الحالمين والراغين بالسلطة والنفوذ.
ظهرت البطولة فجأة ، وراح الجميع يقلد حركات رامبو وشوارزنغر في شوارع المدن الفقيرة، لكن السؤال يبقى حول هذه المراجل التي ظهرت على حين غرة وأين كانت في زمن الطاغية ؟ والذي لم يتردد من هتك الأعراض والمقدسات وقتل الأحبة وهدم المدن واستباحة المكتبات، بل أن أشاوس اليوم اكتفوا بالشماتة بالمقبور حسين كامل، عندما تم قتله على يد أبناء عمومته وليس على يد من استباح دماءهم. أين كانت هذه البطولات في زمن القائد الضرورة، وهل تم نسيان ارتعاد الفرائص والخوف وحالات الإسهال التي كانت تصيب المرء ، عندما يمر طيف(( الرفيق جبر)) خشية من تقاريره التي لا يتردد من رفعها الى القيادة الحزبية.
ايها الأبطال الغر الميامين يامن تصاعدت حمى الإيمان والعقيدة الدينية في رؤوسكم فجأة، ترى أين كان هذا الحماس المفرط؟ وهل كان معطلا بانتظار أن يأتي المنقذ الأميركي ليخلصكم من مصائب عل كيمياوي(( أبو شخة))، ورزايا الحرس الخاص، لتبدأ المرحلة الجديدة والقائمة على الشعور بالأنا ، والذي ظهر مؤخرا. ثم تعالوا بالله عليكم لنتساءل حول هذا الكم من الإندفاع وماهي المطالب والغايات والمرامي والأهداف التي تنزعون إليها. هل نستبدل الإضطهاد الأيديولوجي القومي، باضطهاد آخر يقوم على تحريم الغناء وإطالة اللحية وإهانة الشارب ،ومنع كتب ماركس وحرق كتب الحداثة باعتبارها رجس من عمل الشيطان، وتحريم السينما ومنع ارتداء ربطة العنق باعتبارها رمزا صليبيا. وإذا كانت قائمة السلامة الفكرية الصدامية قد طالت بالمنع والرفض كتب اليعقوبي والطبري وإبن خلدون، فإن قائمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ستعمد من دون شك الى توسيع القائمة لتطال كل شيء وأي شيء بدأً بكتاب طبخ الشيف رمزي، وليس إنتهاء بمذكرات نانسي عجرم.ورحم الله الجواهري العظيم، حين قال؛
أي طرطرا تطرطري تقدمي تأخـــــري
تشيعي، تــسننـي تهودي تنصـــــري
تكردي تعربــــي تهاتري بالعنصـــري
تعممي تبرنطـــي تعقلي تســــــدري
تقلبي تقلب الدهـــــــــــــر بشتى الغيـــــــر
تصرفي كما تشائيــــــــــــن ولا تعتـــــــذري
لمن؟ أللناس وهـم حثالة في ســــــقر
التعليقات