التدخلات والتداخلات الإيرانية بالوضع العراقي أصعب كثيرا من أن يستطيع صانع القرار الإستراتيجي الإيراني إخفاؤها أو التغاضي عنها؟ والتورط الإيراني الشائك في العديد من الملفات العراقية الداخلية الحساسة أبعد مدى وأشد غورا من أن يستطيع أي طرف نفيها أو إثبات العكس! وقد عكس ذلك التورط الشائن عن نفسه مؤخرا وبوضوح من خلال العديد من التحركات والحركات والبيانات والتصريحات لعل أخفها على النفس هي قيام حكومة طهران وملاليها وكرادلتها وأشاوسها بإعطاء الضوء الأخضر للجماعات والتجمعات السياسية والدينية والطائفية المرتبطة بها لإصدار بياناتها والتعبير عن إستنكارها وشجبها لخطوات الحكومة العراقية المؤقتة بفرض القانون والنظام وتهيئة العراق نفسيا وماديا لإستحقاقات المرحلة الدستورية القادمة والتي تهدف لبناء الدولة العراقية على أسس عصرية وحضارية وعلمية جديدة بعد الفشل التاريخي الذي أحاق بالمشاريع السلطوية السابقة مع كل مايتطلبه ذلك من ضرورات أمنية وسياسية وعسكرية وهي مسألة سيادية تعلو فوق كل المصالح والإرتباطات، فلقد قامت بعض الأحزاب والجماعات والتنظيمات السياسية المرتبطة بطهران بإصدار بيانات عدائية سافرة ضد الحكومة العراقية ووفق أسلوب فج للتدخل في الشؤون الداخلية للعراق وهذه الجماعات من لبنان والبحرين والأردن ماكان لها أن ترفع عقيرتها وعجيزتها إلا إرضاءا لولي الأمر الإيراني المشدود الأعصاب والحائر في التوجهات والمنغمس حتى أذنيه في مشاكل العراق ومصائبه والتي يتحمل الإيرانيون شطرا كبيرا من أسبابها وتفاعلاتها، وأعتقد أن فضح الدور الإيراني المتورط في العراق لم يكن يتطلب شهادة رسمية من وزير الدفاع العراقي المؤقت الأخ حازم الشعلان!، بل أن كل من يعرف العراق جيدا وتجول في ربوعه بعد إسقاط نظام القتلة البعثي يعي جيدا بمدى خطورة وإستراتيجية وتورط ذلك الدور الذي تجاوز حدود الهيمنة الفقهية ليصل لحد السيطرة الفعلية والمباشرة! وماتصريحات وزير الدفاع العراقي الواضحة إلا نقطة في بحر الوقائع اليومية لتفاصيل الحياة العراقية، وكانت خطوة شجاعة تجاوزت كل الحساسيات الطائفية وصبت في مجرى المصلحة الوطنية العراقية التي تعلو فوق كل المصالح الفئوية والطائفية، فالعراق أكبر من كل عمامة سوداء أم بيضاء أم مرقطة! والولاء للوطن والشعب المتنوع الأعراق والمذاهب والمنابع والأديان لايعادله أي ولاء آخر ؟ ولايوجد فوق الأرض من هو شخص مقدس ومعصوم والجميع يخضع لحكم القانون، وإذا كانت النظرية السياسية والفقهية الإيرانية قد جعلت من الولي الإيراني الفقيه حالة أشبه بحالة ( رسول الله
محمد –ص -)!! فإن هذه نظرية خاصة بالقيادة الإيرانية وهي ملزمة لهم وليس لجميع المسلمين ولاحتى الشيعة! ولاعلاقة للإسلام ولبقية المسلمين بها، ولايوجد من هو فوق القانون إستنادا للنص الإسلامي ذاته، ألم يقل رسولنا الكريم ( ص ) { والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها }، وعليه فإن البكائية الإيرانية الزائفة والملغومة على مايحدث في النجف الأشرف لاتعبر حقيقة عن القلق الإيراني على مصالح شيعة العراق بقدر ماتعبر عن الخوف على مستقبل السلطة المتآكلة في إيران فيما لو إستقر العراق وسار في طريق التنمية والتطور الديمقراطي السليم، وكل إحتجاجات القيادة الإيرانية مردودة ومرفوضة وقد سبق لشيعة العراق وخلال السنوات السابقة أن جربوا ( التضامن الإيراني المزيف مع قضاياهم ومشاكلهم ) وقد كتبنا منذ عام 1998 في صحف المعارضة العراقية السابقة عن عنصرية السلطات الإيرانية في التعامل مع اللاجئين العراقيين في إيران وغالبيتهم من الشيعة وحرمانهم من الإقامات والوثائق والتطبيب والعمل والتعليم وحتى الزواج!! بل وفرضوا عقوبات مشددة على أرباب العمل الإيرانيين الذين يستخدمون عمالا عراقيين! وأعتقد أن تصريحات وزير الداخلية الإيراني وقتها المدعو ( حجة الإسلام عبد الواحد موسوي لاري ) موثقة ويتذكرها الجميع!، وقبل ذلك التاريخ ماذا فعلت القيادة الإيرانية أيام الإنتفاضة الشعبية العراقية عام 1991 وقيام قطعان الحرس الجمهوري البائد
بتصفيات رهيبة في مدن الجنوب ومدن الشيعة المقدسة؟ هل هدد أساقفة وبطارقة ( قم ) وقتذاك بإعلان الجهاد ضد ( الكافر صدام) حسبما يقولون؟؟، هل تحرك آية الله المشكيني الذي طالب حاليا بإفناء نصف العراق من أجل الخلاص من الأميركان؟ وهل تحرك المرجع الجديد المدعو ( فاضل المالكي) ليهيج القوم ويدعو لنصرة المسلمين في العراق ؟ أم صمت هو وأشباهه من رجال الدين صمت الحملان وهم يشاهدون ماكان يحدث من فظائع كان من نتيجتها ( المقابر الجماعية ) والتي لولا التدخل الأميركي ماكان لها أن تكتشف أبدا؟ وخلال إغتيال المرحوم آية الله الشهيد محمد صادق الصدر ( والد مقتدى) وأشقاؤه في فبراير 1999 ماذا فعل الإيرانيون ؟ وكيف تصرف الولي الفقيه ؟ وهل عاقب الإيرانيون نظام صدام أم أنهم كانوا يتهمون السيد الصدر الراحل بالعمالة والتواطؤ مع النظام البائد ؟ إن ملفات التدخل الإيراني وتسببها في مصائب العراق كبيرة وواسعة للغاية وهي أكبر و أوسع من كل الملفات لأنها تعبر عن حالات غدر وإنتهازية ونفاق وتلاعب بالشريعة وبأرواح الشيعة ذاتهم ولايهم الإيرانيون ذلك شيئا لأنه جزء من الحرب الوقائية التي تحمي ( دولة الولي الإيراني الفقيه الجامع للشرائط ونائب الإمام المنتظر)!! وكل دماء القوم من عرب ومن عجم تهون أمام قدس الأقداس الإيراني الجديد! لابل أن الشغب السلطوي الإيراني لم يكتف بالوسائل التخريبية التي تسببت بها أجهزة المخابرات والحرس الثوري ومراكز تعبئة ( المستضعفين ) والتي دمرت من خلالها كل مناحي الوضع الطبيعي في العراق وفرضت الصورة العامة للحياة الإيرانية السقيمة في العراق الجنوبي عبر تشجيع الدعوات الطائفية والإنفصالية المريضة وضرب المصالح الإقتصادية للعراق بتسهيل سرقة وتفجير مؤسسات الدولة والشعب وتفجير أنابيب البترول عن طريق العصابات الصدرية المنفلتة، بل أضافت لكل ( البركات الإسلامية الإيرانية ) لعبة الفتنة الطائفية والتي إنغمس فيها الرئيس الإيراني ( الإصلاحي ) ذاته محمد خاتمي عبر إدعاءاته بإن الولايات المتحدة قتلت ( السنة ) في الفلوجة! وهي اليوم تقتل ( الشيعة ) في النجف!! وهو خطاب واهم ومزيف وتدليسي يقفز على الحقائق الميدانية، وليدخل على الخط المتشدد أيضا المدعو علي أكبر محتشمي وزير الداخلية الأسبق وأحد الصقور الحاليين لينضم لنفس الجوقة و ( ليلطم ) لطميته الزائفة والمزورة والمفضوحة متباكيا على الشيعة والتشيع، ومساهما لحد كبير في حملات إثارة الفتنة الطائفية وإعداد المسرح لحرب أهلية في العراق لن تحدث مهما تآمر الصفويون والموتورون وصناع الموت... فاللعراق رب يحميه، وشعب متحرر يسمو على كل صيغ الصراع الطائفية السقيمة، وستلسع نيران الوحدة العراقية كل أفاق متآمر يتاجر بالدين والمذهب! ولن تستطيع كل عمائم السوء والفتنة النيل من الوحدة الوطنية العراقية، ولن يحيق المكر السيء إلا بأهله.

[email protected]