أولاً، أضم صوتي إلى الملايين التي رحبت بعودة آية الله العظمى السيد على السيستاني (حفظه الله) إلى العراق من لندن معافى ومشافى بعد إجراء عمليتين ناجحتين له في العاصمة البريطانية، داعين الله تعالى له بالصحة وطول العمر. كما إننا استبشرنا خيراً من ندائه الأخير حين وصوله، إلى جعل مدينة النجف منزوعة السلاح ومتطالبة المتحصنين بضريح الإمام علي(ع) بمغادرته وتسليم أمن المدينة إلى الشرطة العراقية.

ولكن ما أثار مخاوفنا وقلقنا هو دعوة سماحته للجماهير العراقية بالزحف على النجف يوم وصوله (26 أب 2004) للقيام بمسيرة سلمية والمساهمة في عملية إخلاء المدينة من العناصر المسلحة وحماية مرقد الإمام . لا شك أن القصد من هذه الدعوة هو إحلال السلام في المدينة المقدسة، بعد معاناة طويلة من انتهاك المقدسات وهتك الحرمات وقتل وترويع المواطنين وتدمير الممتلكات وحتى الاعتداء على رجال الدين من قبل جماعات القتل المنظم في صفوف ما يسمى ب(جيش المهدي) بقيادة مقتدى الصدر.

ة الحسم. فالوضع الهش والخطير يتطلب دعوة هذه الجماهير إلى الهدوء والسكينة وتجنب العنف والأعمال الغوغائية ومطالبة الناس بعدم اللجوء إلى العنف المسلح ضد الشرطة المسؤولة عن أمن وسلامة المواطنين وذلك لما لسماحته من تأثير روحي على الناس. فالتحشدات الجماهيرية في مثل هذه الحالات المتوترة لا تخلو من مخاطر جمة وأعمال غوغائية تصعب السيطرة عليها، قد تنفجر عن بالعنف وتأتي بنتائج لا تحمد عقباها ولا يعرفها إلا الله.

فهذه الدعوة رغم نواياها الحميدة، قد تستغل من قبل أنصار مقتدى الصدر وفلول البعث والزرقاويين الإرهابيين لخدمة أغراضهم وضد ما قصد إليه السيد، فهؤلاء لا يحترمون رجال الدين كما اثبتت أعمالهم. وفعلاً حصل المحضور، إذ سمعنا أنه قتل لحد الآن عدد من الزاحفين على النجف على أيدي المسلحين الإرهابيين كما أفادت الأنباء عن إطلاق النار حتى على موكب السيد السيستاني وهو في طريقه إلى النجف. كذلك أفادت الأنباء عن قتل ما يقارب74 وجرح 60 شخصاً في جامع الكوفة إثر انفجار على الحشد الذي كان ينتظر لاستقبال السيستاني. كما ويمكن أن يستغل المسلحون من مليشيات الصدر فيذوبوا في هذه الجماهير ويختلط الحابل بالنابل ويقوموا بأعمال القتل ضد الأبرياء ومن ثم يفروا بأسلحتهم بينما المطلوب هو تجريد هؤلاء من السلاح. ويمكن أن تقع مجازر رهيبة نتيجة لهذا الزحف الجماهيري، وحتى يمكن أن يموت الأبرياء عن طريق التزاحم في مثل هذه الحالات المنفلتة والمشاعر ملتهبة. وعندها فهل سيتنكر المحيطون بالسيد السيستاني لهذا النداء كما تنكروا لتصريح مشابه له من قبل عندما تأتي النتائج معاكسة؟

فكلنا يتذكر قبل أشهر عندما التقى سماحة السيد السيستاني بعدد من رؤساء العشائر إثناء دعوته لإجراء انتخابات شعبية عامة لاختيار الحكومة الانتقالية بدلاً من التوافق. وأشيع في وقتها أن السيد طلب من هؤلاء دعم مشروعه مقابل وعده لهم بمنحهم دوراً واسعاً في السلطة المقبلة. ونظراً لما واجه هذا التوجه من انتقاد شديد من معظم القوى السياسية والنخب الثقافية، اضطر المحيطون بالسيد إلى نفي هكذا وعد أو تصريح صادر منه.
فهل سيتكرر الأمر ثانية إذا ما أدى الزحف الجماهيري على النجف إلى نتائج معكوسة تصب في خدمة جماعات القتل المنظم من جيش المهدي ومن وراءهم قوى الشر من خارج الحدود التي تريد الشر بشعبنا، وإلى المزيد من سفك الدماء وإرباك الحكومة وتفشي الفوضى في البلاد؟ فلحد كتابة هذه السطور أفادت الأنباء عن قتل ما يقارب74 شخصاً وجرح العشرات.

لذا نعتقد أنه كان أولى لو تفضل سماحة السيد السيستاني بإصدار نداء يدعو فيه الجماهير إلى الهدوء ومساعدة الحكومة في استتباب الأمن وتجنب العنف وتحريم حمل السلاح من غير المسؤولين عن الأمن وحل الميليشيات المسلحة وحث الناس على الاستقرار لتهيئة الظروف المناسبة للسماح لمؤسسات الدولة بأداء واجباتها الرسمية وخلق الأجواء الملائمة لتوفير شروط الإنتخابات العامة المزمع إجراؤها في شهر كانون الثاني القادم. مرة أخرى نتمنى على سماحة السيد حفظه الله ورعاه أن يساهم بحكمته وخبرته ولمكانته الروحية في نفوس الجماهير، في إطفاء هذه الفتنة التي لا يستفيد منها سوى أعداء الشعب العراقي.