شهور عديدة قد إنقضت منذ أن إستطاع المناضلون في المجلس الوطني السوري للحقيقة وألإنصاف والمصالحة كشف النقاب وإماطة اللثام عن واحدة من أكبر الفظائع المعاصرة ضد حقوق الإنسان في العالم العربي في القرن الحادي والعشرين ممثلة في قضية خطف وتغييب وإخفاء المواطن العربي السوري والضابط فرحان الزعبي الذي تعود أوليات قضيته للتدخل العسكري السوري في الأردن عام 1970 وتتواصل مع إختفائه بعد عودته من الأسر هناك عام 1974 ليدخل في سراديب وأقبية المخابرات العسكرية السورية وتضيع أخباره وينقطع عن العالم منذ ذلك الحين! وبشكل أدخله بشكل أوتوماتيكي لسجلات أقدم المعتقلين السياسيين في العالم وبطريقة تفوقت على فظائع سجن تازمامارت المغربي الصحراوي الرهيب الذي وجد بين عامي 1973 – 1991!
والأمر قد تعدى الفضيحة الأخلاقية والإنسانية بكثير وبات يؤشر على حجم وطبيعة القوى الفاشية السوداء والمجرمة التي تتحكم بذلك الملف الإنساني، وتصم الآذان وتغلق الأعين عن جميع المناشدات الدولية بما فيها منظمة العفو الدولية التي دخلت على الخط لتتساءل عن مصير ذلك المعتقل الذي لاتعرف جريمته وجنايته، ولايعرف أي شيء عن حيثيات قضيته ولاظروف أسره ثم إعادته لدمشق التي أخفته سلطاتها عن العالمين رغم إنفضاح كل الوثائق التي تؤكد وجوده حيا حتى تموز / يوليو 1999؟ فمن يتحكم ويسير تلك الأجهزة الأمنية الرهيبة التي تتحكم بملف الزعبي وتمنع السلطات الرسمية من التصريح حول قضيته بدلا من سياسة الإهمال التام وتهديد أهل المختطف، والمناورة السياسية من أجل تغييب القضية ومحاولة إلهاء العالم بقضايا تافهة أخرى للتمويه على القضية الأم ؟ من يملك القرار في سوريا التي يقال أنها تعيش اليوم مرحلة إنتقال إنفتاحية لاتوجد أدنى مؤشرات على مصداقيتها ؟ وهل تستطيع الإدارة السورية التمويه الدائم وعدم إدارة أزمة هذه القضية وهذا الملف بشكل ناجح خلال الأيام القادمة ؟ وهل ستستمر عقلية النفي والتغييب السلطوية والمعروفة عن كل الأنظمة الشمولية والفردية والإستخبارية إلى مالانهاية ؟ وهل يقرأ صانع القرار الإستراتيجي السوري التاريخ ويستوعب أبعاده جيدا ويرى ماحصل في دول الستار الحديدي الشيوعية ودول الإرهاب العربية المشابهة كالنظام الصدامي البائد مثلا مثلا حركيا ومتجسدا لمآل التخشب والمتخشبين وراكبي رؤوسهم والمصير الأسود الذي ينتظر الطغاة من أي ملة كانوا ؟ أم أن القضية برمتها ستعلق كالعادة على شماعة ( الصمود والتصدي )!! وعلى عصا ( التوازن الإستراتيجي )!! وعلى شعار ( لاحياة في هذا القطر إلا للتقدم والإشتراكية )!! ووفق أسلوب ( ياجبل مايهزك ريح )!!!، نعم نعلم أن النظام السياسي السوري في مأزق حقيقي فيما لو كشف عن ملف السيد فرحان الزعبي وهو مأزق يمكن تجاوزه من خلال بعض الإجراءات التمهيدية والتخفيفية ولكن المأزق الأكبر والأعظم سيكون في حالة الصمت وإعطاء إذن من طين وأخرى من عجين لكل الجهود الدولية المبذولة لإنقاذه أو كشف وسبر أغواره وتحديد مصيره ؟ يمكن تقبل النقد ولكن من خلال إعتراف الدولة بمسؤوليتها القانونية يمكن التعويض وغيره ولكن ماذا سيكون موقف النظام وكل الأدلة الواضحة تدين مخابراته العسكرية بشكل لا لبس فيه ؟ فهل سيقولون مثلا أن السيد الزعبي كان جاسوسا إسرائيليا؟ وإن كان كذلك أين المحاكمة وأين الأدلة؟ وقد يقول قائل إنه لربما كان من أنصار الراحلين صلاح جديد والأتاسي وبقية المجموعة اليسارية التي إنقلب عليها الأسد الأكبر في حركته التصحيحية ؟ ولكن ذلك الملف قد طوي نهائيا بعد أن مات من مات ونفي من نفي وتكفل التاريخ بمحو كل آثاره؟ فما ذنب الزعبي أن يعاني من مواقف ومتعلقات قد إنتهت جميع هوامشها وملفاتها؟

ماهذه الفاشية الحمقاء الرهيبة التي تتحكم ببقية أيام شيخ طاعن وجد نفسه في الأسر الفاشي منذ أكثر من ثلاثين عاما دون ذنب ولاجريرة ولاحقوق ووسط تجاهل تام ؟ وأين منظمات حقوق الإنسان العربية السقيمة مثل أنظمتها والتي تعجز بل تخاف خوف الجبناء الرعاديد من إثارة هذا الملف الشائك أمام الإدارة السورية ؟ وهل هذه أمانة المناضلين والمضحين؟ وأين المنظمات الحقوقية العربية التي قلبت ظهر المجن لمأساة ذلك الضابط السوري الشجاع التي تعدت معاناته كل ماهو معروف وموثق تاريخيا من تجاوزات لأنظمة الطغيان ؟ هل الضمير العربي في إجازة ؟ أم أن اللهث وراء أعطيات الطغاة قد عمى القلوب والأبصار؟ إن معاناة الشهيد الحي فرحان الزعبي ستظل علامة شاخصة على مدى بشاعة الفاشية العربية وهي تواجه اليوم إستحقاقات إحتضارها القريب بعون الله وهمة الأحرار.

[email protected]