أظهرت الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2003 أن الإسلام السياسي والتطرف الديني المقترن به، يخلقان عقيدة العنف والموت و القتل الجماعي ويسوغان ممارسته. وأظهر ذلك الحدث الخطير أن شبكات الإرهاب الإسلامي والدول والقيادات المشجعة لها و المتعاونة معها قد تحولت للعدو الأول للبشرية وللحضارة.
منذ ذلك اليوم الدامي، تتوالى الأحداث لتؤكد تلك الحقيقة وتزيدها وضوحا وبروزا. ونحن كل يوم أمام جريمة بشعة باسم الإسلام والجهاد المزعوم. ومن المثير حقا أن تقترف جريمة القتل الجماعي لأطفال بيسلان في شهر سبتمبر أيضا من هذا العام، وإذ تجسدت الوحشية والجبن واحتقار الحياة البشرية ولذة القتل والتعذيب السادية تجسدا صارخا.
لقد كان من أهم النتائج الدولية لزلزال 11 سبتمبر دك نظام الطالبان القاعدي والانتقال الأمريكي لدك نظام صدام الفاشي، الذي كان النظام الأكثر دموية، وحليفا للقاعدة رغم تباين الأهداف والمنطلقات. وهذا التحالف ازداد انكشافا بعد سقوط صدام وحيث نجد القوى الصدامية تتعاون مع الإرهابيين العرب القاعديين ومع ضباط المخابرات الإيرانية في هجمة متصلة على الشعب العراقي والبنى التحتية، وبغرض منع توطد الحرية وقتل الأمن والانتقال للديمقراطية الفدرالية العلمانية. وإذا رحنا نجد العشرات من العناوين واللافتات المنتحلة لجماعات مسلحة تتبنى الخطف والتفجير والقتل الجماعي والفردي، فنحن نعلم أن ضباط مخابرات صدام وحرسه الجمهوري وفدائيي صدام هم العمود الفقري لما يدعى "مقاومة". فمحور البعث الصدامي ـ الزرقاوي هو شريك لمحور الشر الإيراني في الفتك بالعراقيين واقتصادهم وخدماتهم.
لست هنا في معرض التحليل السياسي لمغزى وعواقب 11 سبتمبر، الذي كان زلزالا سياسيا وأخلاقيا وسيكولوجيا على الصعيد الدولي. وقد كتب الكثير من المقالات والتعليقات والكتب عن ذلك الحدث الفاصل ومغزاه، وثمة الكثير مما يبقى قوله وتحليله للمؤرخين والباحثين السياسيين عن زلزال الحادي عشر من سبتمبر.
في هذه السطور أشير لقضية بعض الجوانب الإنسانية التي تلفت النظر بمناسبة تعدد جرائم التفجير والاغتيال الجماعيين وتواتر عمليات الخطف وقطع الرؤوس.
لقد ارتاع مثلا أصحاب الضمائر في العالم لكشف القبور الجماعية العراقية، حيث الجثث بالآلاف، وأمهات وأقارب يبحثون عن بقايا إنسان عزيز أو حتى عن قطعة بالية من ملابسه. نرتاع ونغضب ونثور. ولكن عندما نعرف تفاصيل كل جريمة وتفاصيل معاناة كل ضحية في المحنة، مسرودة بواقعية ودقة، فإن تفاعلنا سيكون أعمق وغضبنا أشد وأقوى. وقد قرأت عن الملايين من ضحايا " الثورة الثقافية " في الصين وحيث انصبت حمم التعذيب والإهانة على المثقفين والخبراء والعلماء. ولكن لم يتجسد لي حجم الخراب وأهوال الجرائم إلا بعد قراءة شهادة إحدى ضحاياها في تلك الفترة. وكانت شهادة تفصيلية في كتاب كبير قرأته منذ ثلاث سنوات في لندن. ولا أعتقد أن كثرة الإشارة العامة لأهوال التعذيب في قصر النهاية البعثي تجسم تلك الأهوال بقدر الاستماع إلى أو قراءة شهادة شخصية واقعية وبالتفصيل، كما نجد مثلا في كتيب الأستاذ أحمد الحبوبي " ليلة الهرير في قصر النهاية"، واصفا أهوال ليلة واحدة فقط والإعدام الجماعي لحوالي الخمسين عراقيا .
عندما اغتال الإرهاب الإسلامي دفعة واحدة في نيويورك وواشنطن أكثر من 3000 من البشر في أماكن عملهم اليومي، فإن كل ضحية كان إنسانا من لحم ودم وله عائلته وآماله وعواطفه ولم يكونوا مجرد رقم بارد. ولو أخرج لنا مخرج كبير فيلما واقعيا عن حياة أي طفل من أطفال بيسلان، وما امتلكه من رعب وهو في أسر الجلادات والجلادين، ونظرات الهلع المقترفة بالاستعطاف والتوسل طلبا لقطرة ماء، ثم نكبة أبويه وما تركه فقد الطفل من أثر في حياتهما؛ إذن لتبينت لنا عشرات المرات أكثر درجة شراسة البرابرة الخاطفين ومدى تجردهم من كل حس بشري بل ومن كل حس حيواني أيضا، فكثير من الحيوانات لها مشاعر وأحاسيس.
إن الإرهاب الإسلامي يقتل الإنسانية في نفس المنفذ والموجه والداعية، ويحول الإرهابية والإرهابي إلى بربرية سادية، معادية لكل ما هو خيّر وجميل ونبيل. ولذلك يجب مواجهة الإرهاب وعصاباته ودعاته بكل حزم وتصميم. وكم كان وزير الخارجية الهولندية على خطا حين انتقد القوات الروسية على معالجة عصابة الخطف المجرمة بدل التركيز على وحشية الجريمة ومدى الخطر الذي يمثله الإرهاب للعالم أجمع وواجب التصدي الدولي الحازم له. كان الوزير في تصريحاته في موقع البطر المعزول عن الواقع. وهكذا أيضا حال منظمات الصليب الأحمر وأمثالها حين تثير عواصف في فنجان حول معتقلي غوانتيمالا أو زعيم القتلة المعتقلين في العراق، صدام. ليست مواقف ممثلي هذه المنظمات مجرد بطر وحسب بل وأيضا بحسابات سياسية وإيديولوجية تستخدم المغالطة وتحريف الحقائق.
إن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بعد 11 سبتمبر بالتصدي للإرهاب العلمي والأنظمة الفاشية التي تدعم الإرهاب وتمارسه، كانت صحيحة وضرورية وخصوصا في حرب أفغانستان وحرب إسقاط الفاشية في العراق. ومن المغالطة الادعاء أن الحربين أوجدتا خطر الإرهاب أو زادته انتشارا. فالعكس هو الصحيح برغم شراسة واستماتة المحتضر الوحشية لشبكات الإرهاب الإسلامي، السني منه والشيعي، هذا الإرهاب
المتحالف اليوم مع القوى الفاشية الصدامية في العراق. ولن تنجو أية دولة ديمقراطية من الخطر بغلق العين عن الحقيقة واتباع سبيل المجاملة والمقايضة والتنازلات في التعامل مع الإرهابيين والدول التي ترعاهم، كالتنازلات السياسية الفرنسية لسورية في المسألة اللبنانية. فبعد أن قدمت مع أمريكا مشروع قرار عادت لإدخال تعديلات عليه يخفف ويلطف. ومن يدري! فلعل فرنسا أدركت أن خطف الصحفيين تم بتوجيه سوري وكسلاح ضغط ضد مشروع القرار. من يدري!!
إن ما يجري في العراق ليس نتيجة حرب تحرير العراق بل نتيجة عقود من التدمير الإنساني والثقافي والسياسي لنظام البعث، ونتيجة لهجمة جميع القوى الإقليمية المعادية للديمقراطية ومن ذات المطامع في العراق وخصوصا نظامي إيران وسوريا. وفي كل يوم وساعة يبرهن القتلة وممارسو القتل في العراق على كونهم لا يدافعون عن أية قضية سياسية عادلة، وآخر ذلك قطع رؤوس فقراء نيباليين جاءوا بحثا عن الرزق، وخطف الرهينتين الإيطاليتين المسالمتين اللتين تعملان في العراق منذ سنوات في ميدان تنقية المياه وخدمة الطفولة. إن قتل وتفجير المئات وقطع الرؤوس ليست مجرد مآسي بالنسبة للضحايا وعائلاتهم. فالمآسي وصف دقيق لما يلحقه بالبشر الآمنين زلزال أو فيضان أو إعصار. أما ما يلحق بضحايا الإرهاب الأعمى فهو أكثر من ذلك.
إنه، وكما كتب الصحفي [ دافيد بروكس ] منذ يومين متحدثا عن أحداث بيسلان: " عمليات قتل جماعي مبرمجة بعناية." وقد تكون بعض عمليات الخطف في العراق لابتزاز مالي وربما لتطرف ديني. لكن الغالبية العظمى من هذه العمليات هي لغرض سياسي شرير والمجرمون يتحججون بهذه الورقة السياسية أو تلك.
إن هدف التحالف الإرهابي الصدامي ـ الزرقاوي ـ الإيراني، وكما كرر العديد من كتابنا، هو تدمير العراق ونحر العراقيين بالجملة. إنه الوحش المتعدد الرؤوس الذي يخرب أنابيب النفط ويخطف المدنيين والمدنيات الآمنات، ويجبر المنظمات الإنسانية التي تعمل لخدمة العراقيين على الهجرة تحت الخوف والتهديد ويغتال الموظفين والأساتذة ويقتل رجال الشرطة، والجنود الأجانب الذين حرروا العراق وراح منهم المئات ضحايا بعيدين عن وطنهم وعائلاتهم.
إن النجاح في دحر هذا الشر في العراق سيكون أكبر مساهمة في الحرب الدولية على الإرهاب، ومن أجل حماية الحضارة من الهمجية ـ هذه الحرب التي كانت النتيجة المباشرة لجرائم الإسلاميين الوحشية في 11 سبتمبر.
انقر على ما يهمك:
عالم الأدب
الفن السابع
المسرح
شعر
قص
ملف قصيدة النثر
مكتبة إيلاف
التعليقات