خرجت في التسعينات مجموعة من النساء السعوديات في تظاهرة شعبية للمطالبة بحقهن في قيادة السيارة , كان من بين النساء أكاديميات يعملن في الجامعة تم فصلهن جميعا ومحاكمتهن اجتماعيا وإلصاق النعوت بهن(تم إعادتهن إلى أعمالهن بعد عدة سنوات).
ربما تبدو المطالبة بأمر كالقيادة سخيف ظاهريا ولكنه يحمل في طياته العديد من الدلالات المعنوية.
و هذا ما نفتقده حاليا في السعودية في ظل الغياب شبه التام لصوت النساء للمطالبة بحقوقهن , فالسياسي لا يتخذ القرارات في كثير من الأحوال إلا بناءا على رغبة شعبية حقيقية’ و ذلك لايعني بالطبع أن يتصدر السياسي المجتمع بل من الواجب أن يتخذ خطوات صارمة دون الالتفات إلى الاعتراضات مهما كانت قوتها كما حدث في الستينات حينما قرر الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله منح البنات حقهن في التعليم ولاقى جراء ذلك رفضا شعبيا صارخا إلا من بعض العائلات الكبيرة والتي افتتحت قبل تلك الحقبة بسنوات مدارس صغيرة لتعليم بناتهن , كانت المقاومة التي واجهها الملك الشجاع تنبع من جهات دينية رغم أن الدين يأمر الجنسين بالتحصيل العلمي كفريضة ,لم يجد الملك فيصل بدا من وضع رجال الدين كمسؤولين عن تعليم البنات آنذاك , وذلك ليحظى بتأييد الناس من جانب و لإقناع المواطنين بأن بناتهن في أيد أمينة من جانب آخر, بالطبع ذلك كان له تبعاته السلبية حيث أن رجال الدين ظلوا حتى حادثة الهنداوية المحرك التنفيذي لكل ما يتعلق بتعليم المرأة .
لا ريب أن للتعليم دور كبير في إخراج جيل من النساء يتركز جل اهتمامهن في الحصول على زوج وأطفال فماذا تتلقى الفتاة السعودية في المنهاج التعليمي ؟
سؤال لا بد له من وقفة طويلة وجادة , فهي تتعلم أولا أن تكون جهازا صامتا لا يعرف الاعتراض فهي متعبدة مخلصة تطلب الجنة من خلال رضا والديها وبالطبع زوجها .
عالمها الصغير مكبل بالأحجيات التي لا تستطيع استيعابها فعقلها الباطن رافض لما يقال وعقلها الخارجي مستجيب بلا وعي.
قرأت منذ مدة استطلاعا صحفيا نشرته الوطن السعودية مع بعض الشابات اللواتي يطمحن إلى حق طبيعي في الحياة فإحداهن تحلم بان تكون نجمة مسرح شهيرة وأخرى تحلم بالمشاركة في رالي السيارات , أحلام بسيطة ولكنها تنافي تماما ما تربت عليه تلكم الفتيات فرجل الدين لدينا يرى في خروج المرأة من بيتها دون حاجة واختلاطها بالرجال جرما عظيما ؟! والسياسي لا يمنحها الحق في التعبير وذلك ينطبق على الرجل أيضا ولكنه إلى حد كبير غير مكبل بقيد الوصاية .
تقول فاطمة المرنيسي في كتابها "شهرزاد ليست مغربية" .. "إن العالم العربي الوحيد الذي يستحق أن نحارب ونتصادم من اجله هو العالم حيث يستطيع العقل العربي بسط قدراته كما يبسط عصفور جناحيه ليبلغ الأعالي. وهذا العالم العربي لا يمكنه أن يوجد إلا إذا كان المربي الأساسي للعقل شريكا هو نفسه لهذه المعرفة التكنولوجية الحديثة.وهذا المربي الأساسي هو المرأة بوصفها أما تزود الطفل في السنوات الخمس الأولى المعرفة التي تمتلكها"
وبالرغم مما قدم للمرأة السعودية من معارف هزيلة ثقافيا إلا أنها انتزعت اعتراف الرجل في أهمية مشاركتها على الأقل في بعض المحافل ؟ مما يؤكد على أهمية خوضها للتجربة المنتظرة منتخبة ومصوتة أسوة بالرجل.
إن صدور اللائحة التنفيذية لانتخابات مجالس البلديات خلال الأسابيع الماضية تركت العديد من التساؤلات المبهمة حول مدى أحقية المرأة في المشاركة والبوادر الآتية تشير بأنها لن تشارك ومن الصعب لي عنق الحقيقة وإنكار ذلك .
وإذا كانت هذه هي الخطوة القادمة فهي تأصيل لمبدأ عدم أحقية المرأة في المشاركة في الشأن العام , واستمرار لتهميش دورها في المجتمع, وهي بوادر سلبية ستؤدي إلى انتكاسة مضاعفة لنظرة الرجل تجاه المرأة , ولكن من الممكن جدا أن تتجاوز الدولة هذا المأزق الذي ستكون له تبعاته الخطيرة على المجتمع على المدى البعيد حيث أن النظر في مشاركة المرأة في الدورة القادمة أي بعد أربع سنوات , سيشكل وعيا سلبيا مضاعفا لدى النشء نساءا ورجالا, وآثاره ستظهر في انقسام المجتمع إلى أطراف متضادة غير متناسقة لا اجتماعيا ولا ثقافيا فالشاب ذو الواحدة و العشرون عاما والذي يحق له الانتخاب سيتجاوز بوعيه الانتخابي الجديد أمه وأخته وزوجته وابنته , كما أن المرأة الواعية المتعلمة التي تمثل نسبة كبيرة في المجتمع ستشعر بالتهميش والذي من شانه بان يحط من قدرها أمام الرجل الذي يشاركها حياتها سواء ا كان أخا أو أبا أو زوجا , وربما مديرها في العمل أو حتى زملائها وذلك ما تعاني منه في الوقت الحالي وعلى مدى عقود مضت.
ربما تجد الدولة حرجا في السماح للنساء بالمشاركة وهن في معظمهن لا يمتلكن بطاقات شخصية فهي من اشترطت موافقة ولي الأمر للحصول عليها وان كان الأخ الأصغر الذي لا يتجاوز العشرين من عمره؟
ولكن ذلك لا يمنع من أن قطاعا كبيرا من النساء حصلن عليها وبإمكانهن المشاركة كما انه دافع قوي وفرصة ذهبية أمام السياسي لتعديل القوانين التي من شانها إقرار تلك البطاقة على جميع النساء اللواتي تجاوزن العشرين من العمر .
وهنا يجب على رجال الدين الذين يساهمون في تغييب المرأة بنقاشاتهم الفكرية الهامشية في الوقت الحاضر وعلى مدى سنوات حول مدى أحقية المرأة في العمل وفي السفر وفي القيادة ويغلقون الباب أمامها لهدم كل متنفس , بأن يبينوا بان وجه المرأة ليس بعورة وبأن القوامة لا تعني التسلط والسيطرة بل هي تفاضل بين الذكر والأنثى بحسب توافر شروط الإنفاق.
ويقول في هذا الصدد الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة "هؤلاء الغلاة يخفون عن عمد وسوء قصد أن المسلمات كن يصلين في المسجد الصلوات الخمس من الفجر إلى العشاء , وكن يشاركن في معارك النصر والهزيمة وكن يشهدن البيعات الكبرى ! كانت المرأة إنسانا مكتمل الحقوق المادية والأدبية وليست نفاية اجتماعية كما يفهم أولئك المتطرفون الجاهلون وكما أشاعوا عن الإسلام فصدوا عنه ونفروا منه" ص31
ويقول في موضع آخر" المرأة عندنا ليس لها دور ثقافي و لا سياسي , لا دخل لها في برامج التربية و لا نظم المجتمع , لا مكان لها في صحون المساجد ولا ميادين الجهاد, ذكر اسمها عيب , ورؤية وجهها حرام , وصوتها عورة, وظيفتها الأولى والأخيرة إعداد الطعام والفراش! المرأة اليهودية تشارك مدنيا وعسكريا في قيام إسرائيل وهاهي ذي توشك أن تكون ملكة في البيت الأبيض ولا يزال نفر من أدعياء التدين يجادلون في حق المرأة أن تذهب للمسجد وتحضر الجماعات إننا نموت قبل أن يحكم علينا بالموت!" ص33
ويشير في موضع حول تغطية المرأة لوجهها"أما إخفاء الأيدي في القفازات و إخفاء الوجوه وراء هذه النقب وجعل المرأة شبحا يمشي في الطريق معزولا عن الدنيا , فذاك مالم يأمر به دين!"ص7
أمر محزن حين يخبئ الجميع رؤوسهم للهرب من مناقشة تلك الأوضاع , ويتحججون بان المرأة الغربية لم تحصل على حقها في الترشيح والانتخاب إلا في وقت متأخر من القرن الماضي , أقله كانت تمتلك الحق في المطالبة؟
ليس من العدل حرمان المرأة السعودية من حقوقها ومقارنتها بنساء العالم , فنحن لم نعد في عصور الظلام وتلك المقارنات ماهي إلا دليل على عجزنا الثقافي في مواجهة مشكلاتنا الداخلية , مما أدى إلى تراكمها بشكل خطير أثر على النساء ومشاركتهن في بناء المجتمع.
إن فوائد مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية وتأثيرها على الصالح العام لا تقل أهمية عن مشاركة الرجل فالمرشحة إن كانت سيدة أعمال على سبيل المثال تستطيع أن تساهم في تنشيط دور المرأة وتلبية احتياجاتها المحلية كدور الثقافة والنوادي والمكتبات وربما مسرحا يطفئ ظمأ تلك الشابة التي تحلم بان تصبح يوما ما نجمة مسرحية !
منذ مدة اجتمعت مع بعض العضوات في التجمع الوطني لويلز ببريطانيا , وسألنني عن ما وصلت إليه المرأة السعودية ؟
كنت في وضع حرج فما الذي وصلت إليه المرأة السعودية وأنا الآن أتحدث أمام نساء يشكلن نصف التجمع فذكرت عدة أمور من بينها السماح للمرأة بالانتخاب والترشيح في هيئة الصحافيين وكيف أنها تمثل خطوة أولى نحو بناء المجتمع المدني . استوقفتني إحدى العضوات ذات الشعر الأحمر الناري باسمة : عزيزتي تقصدين أنكن سمحتن للرجال بالانتخاب والترشيح؟..
كم أتمنى أن نصل إلى هذه الدرجة من الوعي الحقوقي , أن تعي النساء أن لهن الحق في المساواة التامة مع الرجل , ولكن كما أشرت سابقا نحتاج إلى إشراكها في الشان العام ونحتاج إلى تلقينها علما نافعا , والتخلص من ذهنية التحريم القمعية التي لازمتها خلال العقود الماضية.
**خاص بإيلاف

** صحافية سعودية
[email protected]