اليوم حين يمر الخريف الثالث على "غزوة بن لادن" يحق لنا، أن نتساءل عما أوصلنا إليه الشيخ أسامة، كما يحب أن يناديه صاحبنا الأستاذ عبدالباري عطوان، أدام الله عزه، وكيف أصبح حالنا الآن بعد هذه السنوات الثلاث؟، التي ندرك أنها مجرد مقدمة للأسوأ القادم، إذ أن الغرب، أو لنعترف بصراحة بأن العالم كله لم يزل جريحاً و"سارقاه السكين" كما نقول في مصر، ولم تبدأ الجراح بث آلامها بعد، لأنه كما يقول الصعايدة فإن "الجرح أخضر"، وبعد قليل ستبدأ مراحل نبشه وتنظيفه، فضلاً عن النقاهة وما تقتضيه من متطلبات واشتراطات.
والظاهر للعيان بما لا يحتمل المكابرة ولا المزايدة ولا التبرير، وبمنتهى البساطة ودون الانزلاق إلى متاهات التنظير والتحذلق والتعالم، دعونا نقولها ببساطة شديدة إننا والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، أصبحنا "أشرار العالم"، وهنا بالطبع لا أتحدث عن العرب وحدهم، بل عن المسلمين كمعتنقي دين وأبناء ثقافة ليست وليدة ثلاثة أعوام، بل ظهرت قبل أكثر من ألف واربعمائة عام، قبل أن يهبط ابن لادن والذين معه، ليبشروا بدين جديد، وثقافة جديدة، وحضارة على مقاس عقولهم وصدورهم وضمائرهم، إن كانت هناك ضمائر.
نعم أتى ابن لادن بدين جديد، ولعل أبرز سمات هذا الدين الجديد مستجدات مثل ثقافة الخطف التي تطورت لاحقاً إلى الذبح، وتعولمت فأصبحت عنترية، ووجدت من يدافع عنها ويبررها، ممن كنا نعتبرهم أساتذة كبار وحكماء، فإذا بهم يمارسون دور محامي الشيطان لكل ناعق ودعيّ، ويؤدون دور "الجناح السياسي" والمنبر الإعلامي للقتلة والعائثين في الأرض فساداً وإفساداً، ممن لا يطيقون سوى أنفسهم على وجه البسيطة، يبغضون أدني خلاف أو اختلاف، ويسعون بكل ما أوتوا من شر ومكر وقبح وتبجح، إلى فرض تصوراتهم الخاصة على الملايين من خلق الله المسالمين، سواء كانوا من الأجانب في الغرب أو الشرق، أو حتى من بني جلدتهم، وهذا هو مربط الفرس هنا، فللقوم في الغرب والشرق جيوش تحميهم، وثقافة تحتضنهم وتستوعبهم، ومجتمعات تتكافل معهم وتتكفل بهم، لكن ما ذنبنا نحن المحسوبون على الأخ ابن لادن ؟
لماذا يدفع فاتورة ابن لادن، رجل مثلي شخصياً، يعلم القاصي والداني أنه يبغض هذا اللادن، وحذر منه قبل أن يسمع باسمه ملايين البشر، عبر مطبوعات مرموقة في مصر وخارجها ؟
ولماذا يدفع مريض لا علاج له إلا في الغرب فاتورة ابن لادن ؟
ولماذا يدفع هذه الفاتورة ملايين الشباب في أنحاء العالم من الهند شرقاً حتى مراكش غرباً؟
......
ما رأيكم يا سادة، هل نكابر ونبرر ونلوم الغرب لأنه "لا يعرفنا ولا يفهم حضارتنا، ويريد فرض ثقافته وهيمنته السياسية علينا، .. الخ" من هذه المبررات التي يمارسها "الجناح السياسي" لابن لادن، من كبار الكتاب والمفكرين والاستراتيجيين والخبراء والنشطاء العرب؟
لماذا لا نفكر مثلاً بأن هذاالغرب من حقه أن يحمي مجتمعه، وأن يفعل كل شئ، ويستخدم كل وسيلة من شأنها توفير الأمن والطمأنينة على مواطنيه، باعتبار أن الحكم السائد في الغرب بالفعل كما نرى ونعاين بأنفسنا، هو حكم صالح يتمتع بالكفاءة والنزاهة والشرعية، وليس كأنظمة الحكم "الشرأوسطية" التي إما أنها ورثت البلاد والعباد، أو في سبيل وراثتها، أو هي نتاج مصادفة تاريخية حمقاء مثل الكوارث الطبيعية وحزام الزلازل، ومناطق البراكين ؟
مرة أخرى نحاول أن نبقى في صلب الموضوع، وتعالوا نحسبها: كيف حولنا ابن لادن وصحبه الغر الميامين، وجنرالاته الفضائيين، إلى أشرار العالم، ونتكاشف بصراحة لم يعد الأمر يحتمل ما هو دونها من ملاسنات ومهاترات ومبررات، تعالوا نتصارح بكل بساطة وشجاعة أن العربي المسلم، والعربي المسيحي، والعربي الكافر، وحتى الذي هو على باب الله مثلنا، صاروا الآن مشروعات مشتبهين في كل مطارات ومرافئ الدنيا، بل وفي كل الفنادق والحدائق والشوارع والمراقص والمستشفيات، وباختصار في كل الغرب، ولعلي هنا في غنى عن التنبيه إلى أنني لا أتحدث عن الساسة والنخب وسلوكهم، بل أتحدث عن سلوك المواطن الغربي أو الشرقي، أو حتى البين بين، مع أبناء أمة يخرج كل يوم منها مختطف طائرات أو محتجز رهائن، أومفجر بنايات، أو انتحاري يختزل الكون كله في حزام يلف خاصرته، ويوزع شره شظايا على ضحايا عشوائيين لا يعرفهم ولا يعرفونه، وليست لديهم أدنى صلة بما يدور في رأسه من قناعات أو خزعبلات.
ولأننا نعيش حقبة تروج بها ألاعيب استخدام كلمات الحق التي يراد بها عين الباطل، فمن المتوقع أن يخرج علينا من يردد مبررات من نوع: أن هذا تعميم، وكأنه ينبغي على أمم الأرض أن تنتظر حتى يختطف ملايين البشر، وتدمر آلاف المدن حتى لا يتهموا بالتعميم، أو يردد بعضهم مقولات من عينة أن ابن لادن والظواهري والزرقاوي والقرضاوي وأبو حمزة وأبو قتادة و"أبو رجل مسلوخة" لا يمثلون الإسلام ولا المسلمين، وأن أخطاء المسلمين أو المحسوبين على الإسلام لا تنال بالضرورة منه، وهي مبررات ممجوجة مللناها، فإذا كان هناك من يعترف بأن "آباء الإرهاب" اختطفوا الإسلام، وصاروا يمارسون جرائمهم متسترين به، فماذا فعل المسلمون ليتصدوا لذلك الأمر؟، ولماذا ظلت تتدفق على هؤلاء أفواج من الشباب الصغار المغرر بهم ؟، وتتورط دول كبرى في تصديرهم وتمويلهم وتهيئة المناخ لصنع ظاهرة "قوارب الإرهاب"، التي مازالت الأمواج تتقاذفها بين المرافئ، وستظل هكذا حتى أجل لا يبدو قريباً ؟.
وهل هناك شئ مستقل بذاته اسمه "الإسلام" أو "البوذية" من دون مسلمين وبوذيين، أليس أي دين أو فكرة في الكون هو محصلة سلوك وانتاج وإبداع معتنقيها والمؤمنين بها ؟
ولماذا ظلت "مضخة التبرعات" لإخواننا "المجاهدين في أفغانستان والشيشان" تعمل بكامل طاقتها، ولم تتوقف إلا بعد أن مارس الغرب ضغوطه على حكوماتنا التي طالما استخدمت لعبة الهوس وفزاعة التطرف لتبرير استمرارها على رقاب العباد وفوق صدورهم؟
الحاصل أن الأسئلة أكثر وأكبر مما يتوقع السادة الكتّاب والمفكرون من منسوبي الجناح السياسي لابن لادن والزرقاوي، الذين نفذوا مؤخراً ما أسموه "اعتصاماً رمزياً" تعاطفاً مع فضائية "الجزيرة" القطرية، وراحوا يصولون ويجولون عبر شاشتها، يتشدق أحدهم بالدفاع عن حرية التعبير، وهو دكتاتور منعدم الموهبة، تربى في أروقة الحزب الأوحد، وتسلل إلى موقعه في رئاسة الصحيفة لأسباب لا صلة لها بالمهنة بل بالمهانة، ويكيل آخر الاتهامات للحكومة العراقية المؤقتة، وهو لا يجرؤ على أن ينطق ببنت شفة في حق حكومة بلاده التي تمارس أبشع الانتهاكات بحق المواطنين، ويضرب الفساد جذورها إلى درجة أصبحت فيها طهارة اليد مؤهلاً للاستوزار، أما الأكثر إثارة للسخرية هنا فهم هؤلاء الجنرالات الفضائيون، من طراز اللواء الركن الذي قاد معركة "أم الهزائم"، أو الذي خاض "حرب المعيز" الكبرى، والآن يمكن أن نفهم لماذا كانت ولم تزل الجيوش تتلقى الهزئمة تلو الأخرى، وتمنى بالنكسة تلو النكسة، مادام قادتها من هذا النوع الكوميدي.
......
المسلم وخاصة العربي، في حقبة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، لم يعد فقط ذلك الشخص القبيح المتخم بالمال الذي ألقت إليه به مصادفة جيولوجية، والذي لا يعرف كيف ينفقه باستثناء ما يرمي به على أجساد النساء وفي نوادي القمار، ولكن الصورة ذهبت إلى أبعد من ذلك، فهو الذي يمارس التمييز ضد النساء ويضطهد الأطفال ولا يكف عن التغني بأمجاد الماضي ويود إعادة عقارب الزمن إلى "خير القرون"، إنه رجل الماضي البطركي عدو الحضارة والحداثة، وهي صورة ساهمت في ترسيخها تلك الجماعات الإرهابية التي بدت وكأنها اختزلت شعوب المنطقة رمتها، كما ان بعض أوساط الحكم وأجهزة الأمن والاعلام يتصرف داخل المجتمعات العربية كما لو ان الحركات المتطرفة هي الممثل الطبيعي للقيم الاسلامية، وأن أي تسامح مع التأويلات غير التقليدية للنص الديني، كالتي حاول التصدي لها سعيد العشماوي، ونصر حامد أبو زيد وخليل عبدالكريم وغيرهم، يمكن أن يحول الشعوب إلى كائنات إرهابية انتحارية، لكن الذي يرصد ما جرى في المجتمع المصري تحديداً باعتباره "خميرة حضارية" تتأثر بها كافة بلدان المنطقة، سيكتشف ببساطة أن الدولة نجحت بالفعل أمنياً في بسط نفوذها، ودحر جماعات الإرهاب الإسلامي، ومحاصرتهم في خندق المجرمين، لكن في المقابل منيت بهزيمة كاسحة على الصعيد السياسي، إذ شاعت أدبيات التطرف الديني، واكتسح السلوك المتطرف المتشنج ليضرب حتى النخب التي طالما لعبت دوراً طليعياً في قيادة المجتمع، فما أن ترفع سماعة الهاتف لتجد من يبادرك بلهجة مسرحية "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، ولا اعتراض على أن يستخدم من يشاء ما يراه من عبارات، لكن هذا السلوك المفتعل، الذي لا يخلو من ادعاء لم يقف عند حدود الهاتف، إذ امتد إلى كافة مظاهر الحياة في مصر، إذ أصبح نحو تسعون بالمائة من نساء مصر محجبات أو منتقبات، واتسعت مساحة البرامج الدينية في الإذاعات والتلفزيون والصحف، وهو أمر يبدو أن الدولة تدعمه، وإلا فما معنى ظاهرة "زغلول النجار" الذي هبط على كبرى الصحف المصرية لتفرد له صفحة كاملة يسودها بحديث سمج مفكك، كان قد بدأه مصطفى محمود قبل عقود عما يسمى الإعجاز العلمي، وهي قضية قتلت بحثاً وسفسطة.
الحاصل أيها السادة أن أنظمة المنطقة كافة وبدرجات متفاوتة تدعم هذه الذائقة المتطرفة لدى العوام، وهذه الأنظمة حاربت الإرهاب بالفعل، لأنه يهدد وجودها، لكنها لم تحارب التطرف، بل على العكس عمدت إلى تغذيته، واستغلته كفزاعة تخيف بها المجتمع الدولي، متذرعة بأنه "رأي عام" ينبغي احترامه، وخصوصية يتوجب أن تبقى هذه الأنظمة للتعامل معها باعتبارها صاحبة خبرات في التعامل مع هذه الشعوب "الضالة" التي لا تناسبها الديمقراطية، وهي ستنتخب ابن لادن في ما لو قدر لها أن تخوض انتخابات حرة نزيهة.
باختصار تقوم الآن البطريركيات الوراثية والعسكرية في المنطقة باستخدام التطرف، تماماً كما استخدمت الإرهاب الدموي من قبل، وتتخذ الشعوب "دروعاً بشرية" للوقوف بوجه أي باب أو نافذة يمكن أن تهب منها ريح التغيير والإصلاح، وراح منظرو الاستبداد يتحدثون عن التغيير الذي ينبع من الداخل، وهي كلمة باطل يراد بها باطل، فلم نسمع طيلة التاريخ عن شخص أو جماعة أو أمة أغلقت دونها كل النوافذ والأبواب، وقاطعت الشرق والغرب ترقباً للتغيير الذي ينبع من الداخل، بينما هذا الداخل منكفئ وراء قوت يومه، خائف مرتعد من أن تنكل به أجهزة الأمن والاستخبارات، أو تضيق عليه عيشه ورزقه، كما تفعل بعض الأجهزة ـ مثلاً وأقول مثلاً ـ حين تملي على مسؤولي بعض الصحف تعليمات بعدم استكتاب هذا، أو تفرض عليهم مقالات ذاك الكاتب، بمنطق التعامل من المنبع مع الصحافة.
.......
وإذا كانت هذه هي صورتنا أمام "الآخر"، وهو تعبير صرت أتحسس وأتوجس منه، من فرط الاستخدام غير الرشيد له، الذي وصل إلى حد ابتذاله، شأن غيره من المصطلحات التي كانت نبيلة حتى اختطفتها الحكومات وعرابوها، فهناك مثلاً السيد صفوت الشريف، "وزير المنظومة" الإعلامية المصرية، الذي أقصي عن عرشه بعد ربع قرن، لا يكف عن استخدام مفردات وتعبيرات مثل "المجتمع المدني، التحديث، التنوير، ..الخ"، بينما لا يراودني أدنى شك في أنه يعلم يقيناً بألا وجود على أرض الواقع لهذه المعاني أو الكيانات، فلا يوجد في مصر مجتمع مدني بالمعنى المتعارف عليه دولياً، فالنقابات والجمعيات الأهلية تحاصرها الحكومة بقوانين فظة جعلتها تحت رحمة رجال الإدارة، وتتابع أجهزة الأمن كل صغير وكبيرة في نشاطها، كأنها تمارس التجسس أو التخريب، وكل شئ أصبح بالتعيين من عمدة القرية إلى عميد الجامعة، والتعيين يعني اختيار الموالين، وهذه مسألة تحسمها تقارير الأمن، وتدخلات "أولاد الحلال"، وبعد كل هذا يأتي الشريف وغيره من منظري الحكومات ليحدثنا عن "مجتمع مدني"، والحقيقة أنه لا يحدثنا نحن، لكنه يحدث "الآخر"، فما يحدث منذ وقوع زلزال الحادي عشر من سبتمبر أن الحكومات صارت تخاطب المجتمع الدولي، وتتوجه بخطابها إلى الخارج، بينما تكتفي ببث حبة المخدر اليومي للشعوب، التي هي كما نعلم على دين ملوكها، وخاصة بعد عقود من التخريب النفسي العمدي لهذه الشعوب.
وفضلاً عن "استحمار" الشعوب، وامتطاء الأمم، وإشاعة أجواء التطرف والتشنج في المجتمعات، هناك سمة أخرى تتعاظم وهي تلك الموجة العارمة من التشهير، وعشق "الشرشحة"، والاستمتاع بمشاهدة "الردح ومصارعة الميكروفونات" ولا تقف عند حدود اتجاه فيصل القاسم المعاكس، بل تتجاوزه إلى حد الاغتيال المعنوي لتتحول إلى ظاهرة تضرب الساحة السياسية والثقافية المصرية كنموذج لما يجري في المنطقة بأسرها، واستفحل هذا الخطر على المجتمع خلال الآونة الأخيرة، فأصبح حتى المواطن العادي الذي لا صلة له بالجماعات ولا المنظمات يتبنى وجهات نظر أسامة ومعلمه الظواهري، ويمرر كل ما يجري هنا وهناك عبر بوابة تآمرية، فالأميركيون والأوروبيون والروس والمجوس والهندوس يتآمرون علينا، ويريدون هدم ديننا، ويصل الأمر إلى حد التبجح وخلع "برقع الحيا" حين يصدر أحدهم صحيفته وقد تصدرها عنوان عريض فاقع عن "إلغاء القرآن الكريم"، ولا أفهم حقاً كيف يمكن لكائن من كان أن يلغيه؟
المثير في ما يجري من تلاسن ومهاترات أن ذلك يتم تحت لافتة "الخلاف في الرأي"، التي يبدو أنه تم اختطافها أيضاً، فهنا في شرقنا الأتعس نتصور أن خلاف الرأي يمنحنا الحق في سب الأمهات وتوزيع الاتهامات، دون أدنى مسؤولية أو حرج، فكله عند العرب "حرية تعبير"، أما الأكثر إثارة فإن مسؤولين رسميين وبرلمانيين يفترض أنهم نخبة المجتمع باتوا يمارسون هذه الأساليب اللائقة بعصابات الشوارع، فمنذ سنوات لا يكف صحافي عن وصف رجل في قيمة سعدالدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون بأنه "خائن وعميل"، بينما سب وزير مصري نائباً في البرلمان بلفظ بذيئ، ونعت صحافي وزيراً بأنه "مائع"، وآخر بأنه "بورمجي"، وهكذا تدحرجت الاتهامات بين الخصوم السياسيين، لتصل إلى حد تبادل اتهامات الكفر والخيانة، فضلاً عن الخوض في أكثر المناطق خصوصية في حياة الناس.
ولعلنا لا نحمل الأمور أكثر مما تحتمل حين نربط بين هذه الظاهرة وتغذية ذائقة التطرف في المجتمع، فالجميع متشنجون، لأن كلاً منهم يتصور نفسه ملهماً، يمتلك ناصية الحقيقة والقوة والنفوذ، لا يأتيه الباطل من أي اتجاه، ولا ينطق عن الهوى، وبالتالي فإن أي محاولة لمناقشته أو مراجعته فهي تشكل مساساً بذاته المصون التي لا تمس، أما الاختلاف معه فيعني ببساطة إعلان حرب"، هذه الذهنية هي نتاج البيئة السياسية والثقافية السائدة في بلادنا، والتي تغيب عنها المسؤولية وفكرة الثواب والعقاب وروح القانون، وأن أي شخص بوسعه أن يفعل ما يشاء دون عقاب، طالما هناك مسؤولون يستخدمون نفس الأساليب ولا يطالهم عقاب القانون، أو حتى الإعفاء من منصبه، كما انه كلما تزداد سخونة الحوار تتهم الصحافة، كأنها هي التي تصنع الأحداث، ولا يقتصر دورها على نقلها والتعليق عليها.
ولعلها ليست المصادفة وحدها التي كانت دائماً وراء اتهام أي محاولة للنقد الذاتي، بالإساءة لصورة الوطن، فإذا سلمنا جدلاً بأن هناك من يرغب في تشويه "صورة" ذاته وأهله وأمته، فمن بالله عليكم يشوه "الأصل" ؟
والله غالب على أمره
[email protected]
انقر على ما يهمك:
عالم الأدب
الفن السابع
المسرح
شعر
قص
ملف قصيدة النثر
مكتبة إيلاف
التعليقات