املا فى وقف تفاقم الازمة التى نشأت بين بلده ليبيا وبين السعودية فى اعقاب قرار الرياض سحب سفيرها من طرابلس ومطالبة السفير الليبى مغادرة العاصمة السعودية، بعث العقيد القذافى رسميا الى امين عام الجامعة العربية طالبا منه العمل على احتواء الموقف المتداعى بين البلدين " الشقيقين " خاصة وانه يرتبط بعلاقة اخوة وصداقة مع الامير عبد الله على حد قوله!
قوبل طلب ليبيا من الجامعة العربية متابعة الموضوع باستغراب شديد من جانب المراقبين الدوليين لان موقفها من هذه المنظمة الاقليمية العربية ورأى العقيد القذافى فيها معروف على كافة المستويات فهى الدولة الاولى التى اقدمت على طلب سحب عضويتها من هذه المؤسسة، وهو اكثر الزعماء العرب هجوما عليها وتعريضا بها واستهجانا لفاعليتها.. وهى الدولة الاولى التى استدارت دورة كاملة معطية ظهرها لهذا الكيان، وهو اكثر الزعماء العرب تدميرا لآلياتها ولم ينس له الخبراء نشره لمسودة قرارات احدى قممها بحجة انها توصيات متفق عليها من قبل ان ينعقد الاجتماع " ولم يأخذ رأى القادة فيها وانها سابقة التجهيز بضغط من امريكا "..
هدد العقيد القذافى بوقف عضوية بلاده فى الجامعة العربية والانسحاب منها نهائيا اكثر من مرة وقامت مؤتمرات ليبيا الشعبية برفع توصيات بهذا المعنى الى المستويات التنفيذية سنة بعد اخرى.. وسافر اليه ممثلون للحكومة المصرية وزاره عمرو موسى امين عام الجامعة اكثر من مرة واجتمعوا معه فى خيمته الصحراوية بهدف اقناعه بالبقاء ضمن هذا الاطار الاقليمى الوحيد الذى يضم كل الدول العربية وقبل البقاء ثم تراجع عن قرار القبول، وبعد ان عمل على دفن منظمة الوحدة الافريقية واحتفل باعلان ميلاد الاتحاد الافريقى قرر انه سينسحب كلية من الجامعة وسيغير توجهاته الى " افريقيا الواعدة بعد ان خذلته العروبة الخاسرة "..
وها هو يتقدم بطلب رسمى الى امانة الجامعة العربية لبذل ما فى وسعها لاحتواء الازمة التى يعود زمنها بينه وبين السعودية الى عدة اشهر مضت عندما كشف النقاب عن مؤامرة قيل انه يحيكها لاغتيال ولى العهد السعودى الامير عبد الله.. لم نعهد فى السعودية من قبل ادعاءا مماثلا ضد اى من الزعامات العربية، ولكننا والعالم كله تابعنا تقديم ليبيا تعويضات ببلايين الدولارات لضحايا عائلات ( امريكية + بريطانية / فرنسية / المانية ) تعرضت لعمليات ارهابية ظل نظامها الحاكم لسنوات طويلة يقسم اغلظ الايمان انه برئ منها براءة الذئب من دم بن يعقوب.. لم نعهد فى السعودية من قبل خروجا عن مألوف الدبلوماسية الهادئة العاقلة والواعية فى التعامل مع الواقع العربى والاقليمى والعالمى، ولكننا والعالم كله يمكن ان نتعرف بسهولة على انفلاتات ليبية فى التعامل مع حقائق الحياة وتطرفا مع واقع الاحداث يميزها عن غيرها من الدول العربية المشرقية والمغربية.. لم نعهد فى السعودية من قبل تغيرا فى تعاملاتها الخارجية ينقل زاوية رؤيتها 180 درجة مرة واحدة، ولكننا لا زلنا نعيش توابع التغير الحاد الذى لحق بسياسات ليبيا تجاه الولايات المتحدة الامريكية بين عشية وضحاها.. لم نعهد فى السعودية من قبل ان تتنكر لم يقدم لها يد المساعدة، لكننا عرفنا ان ليبيا تنكرت للمساعدات والمساهمات الدبلوماسية السعودية فيما يعرف بقضية لوكربى عندما كشف الستار عن المؤامرة التى كانت تحاك ضد ولى العهد السعودى الامير عبد الله..
لماذا لجأت ليبيا الى البيت العربى الآن وهى التى دأبت على وصفة باوصاف لا تتطابق وطلبها من الامين العام لجامعة الدول العربية احتواء ازمتها مع السعودية، خاصة وان دفاعها عن نفسها فيما يتعلق بما كشف من حقائق حول دورها فى المؤامرة لم يخرج عن الكلام والحكى الذى لا تدعمه الوثائق.. لماذا لجأت الى البيت العربى الان، بعد ان امضت اكثر من ستة اشهر تصف كل ما يقال فى خصوص المؤامرة بانه هراء وزيف ومحض افتراء.. لماذا لجأت الى البيت العربى الآن بعد ان قطعت تقريبا كل صلة لها به وهمشت من فاعليتها داخل لجانه ويقال ان ممثليها ومندوبيها فى مقره الرئيسى قد خفض عددهم وتوالت اعتذاراتهم بشكل دورى عن المشاركة فى الاجتماعات الهامه والمؤثرة..
شكك الخبراء فى مقولة العقيد القذافى انه علم بقرار الرياض عند متابعته لاحدى الفضائيات العربية وانه " فوجئ به ".. لان الامر اذا كان صحيحا فانها الكارثة لان الاستنتاجات المترتبه على هذه المعرفة تزيد من حساسية الاوضاع فى ليبيا التى يبدو ان اجهزتها الحكومية منفصلة كل الانفصال عن بعضها البعض، لان العرف الدولى جرى على اعتبار المطالبة بسحب السفراء امرا ذا دلالات غاية فى الخطورة.. فاذا لم يعلم بها رأس الدولة فورا من مصادره المباشرة وعرف بها عن طريق متابعته لقناة فضائية تأتى اليه من خارج فضاء بلده فالمصيبة هائلة، ومصدر الشك انه يصعب عليهم تخيل هذا الامر فى دولة يحكمها العقيد منذ حوالى اربعين عاما!!.
ويظل التساؤل قائما.. لماذا لجأ العقيد القذافى الى الجامعة العربية التى على حد قوله " لمتعد صالحة ويعشش فيها الفساد"، وليس هناك من اجابة واضحة لدى الماقبون للشأن العربى هنا فى اوربا الا بالعودة الى حالات الاقبال والادبار التى تتصف بها احكامه وردود فعله تجاه الآخرين!!..

استشارى اعلامى مقيم فى بريطانيا
[email protected]