حال العراقيين اليوم مع الإرهابيين كحال الكواسج والرخويات في البحار، الكواسج تشن حربها وكراهيتها وتنشب أنيابها في أجساد الناس وأرواحهم والرخويات تلتم على نفسها ما بين دفاعات ضعيفة أو الحفاظ على جلدها أو الانتظار أو الفرجة، الإرهابيون يغتالون خيرة رجال العراق، (يجري التركيز الآن على رموز شيعية لإشعال حرب طائفية أيضاً )، ثم يواصلون تفجير السيارات والبيوت والجوامع ويقطعون النفط والكهرباء، والحكومة تواجههم بإجراءات مفعمة بنعومة الديمقراطية والقيم الحضارية التي أثبتت التجربة إنها لا تجدي نفعاً مع هؤلاء الهمج والوحوش!
لا ندعو لإهمال الأسس الديمقراطية للعهد الجديد، على العكس ينبغي ترسيخها حيثما أمكن، ولكن الرخاوة والتساهل في الحق، وتجاهل الأخطار ومصائر الناس، والتأني في العمل الملح، حد الخور والخنوع أشياء غريبة لا تمت للديمقراطية بصلة، فحتى قي سويسرا والسويد وأمريكا نفسها يواجهون القتلة بالأصفاد والمحاكمات الحازمة وتجفيف منابع الجريمة!
لو مرت هذه البلدان بما يمر به العراق اليوم لأعادت العمل بعقوبة الإعدام. الذي حصل عندنا ( وشر البلية ما يضحك ) أنهم ألغوا عقوبة الإعدام، في وقت أحوج ما يكون إليها على مرارتها وبشاعتها، كيف تلغى عقوبة الإعدام الرادعة للمجرمين المتكاثرين حال سقوط نظام أنجب المجرمين وأطلق سراح عشرات الآلاف منهم في لحظاته الأخيرة؟ كان الإعدام يجري في العراق بإشارة من إصبع صدام ليقع على الأبرياء والأحرار الشرفاء!وليس على هؤلاء الذين ثبت إنهم جيشه الاحتياطي بعد سقوطه.ما يقرب من سنتين وهؤلاء القتلة المجرمون ينشرون الموت والدمار ولم ينالوا جزاءهم العادل، وتشجع الآلاف على سلوك طريقهم( الوطني البطولي )المضمون الأجر والسلامة معاً! اليوم اغتال هؤلاء الأنذال محافظ بغداد، وقبلها اغتالوا عشرات المسئولين الذين يصعب تعويضهم، وبأيديهم القذرة فقد الآلاف من أبناء شعبنا حياتهم، وغداً سيخطفون ويغتالون، ويفجرون، ويحرقون ويذبحون، ولا يسع المرء إلا أن يتساءل، هل الذين في الطرف الآخر هم رخويات لا حول ولا قوة لهم؟ حتى إننا لم نسمع عن محاكمات عاجلة وعادلة، وعقوبات رادعة صارمة، ولم نسمع عن تنفيذ عقوبة إعدام بمجرم واحد، ولم تظهر وجوه هؤلاء المجرمين القبيحة على تلفزيون أو بلورة سحرية!
كيف لا ينطلق هؤلاء الكواسج وقائدهم المنتصر بالله في سجن مرفه مع معاونيه الميامين يأكل المشويات والتفاح والكيك الأمريكي الذي أحبه كثيراً كما قال؟ وإذا ما انضم إليه الزرقاوي سيشغل سجانيه بأن يعدوا له القطايف الفلسطينية على الطريقة الأمريكية أيضا! يا لها من مهزلة!
!كيف لا يزداد سعارهم وتمثال عدنان خير الله ما يزال منتصباً في ساحة الشهداء غير بعيد عن أوكارهم الدموية في شارع حيفا وأقبية الجعيفر سيئة الصيت؟ يمنحهم الأمل بالعودة وإعادة نصب تماثيل صدام وجدارياته؟ كيف لا يزدادون جنوناً والحديث يجري عن رد الاعتبار للرموز البعثية المجرمة (لست ضد الأبرياء منهم ) بينما لا أحد يتذكر مئات آلاف الكفاءات والقدرات الوطنية التي ما تزال مبعدة في الداخل والخارج؟
كيف لا يواصل القتلة أعمالهم التدميرية، وينظمون صفوفهم ما بين طهران وقناة الجزيرة ودمشق وعمان، مادامت أوساط شعبية لا تريد أن تعرف أو تقتنع أن هدف هؤلاء القتلة والمجرمين ليس تحرير العراق من الأمريكيين، وهو مستحيل بهذه الطريقة، بل إيصالهم إلى قناعة مفادها إن الأمن والكهرباء والنفط غير موجودة لأن صدام وعصابته غير موجودين في القصر الجمهوري فلا أمان ولا نفط ولا كهرباء ولا حياة إلا مع البعث! وقد وصل إليها الكثيرون للأسف!
هذه قضايا لم تعد مسئولية الحكومة وحسب، بل هي مسئولية الناس أيضاً!ليس لعجز الحكومة الحقيقي أو الافتراضي بل لأن المسئولية هي أصلاً شراكة بين المجتمع والدولة!وهذه المرة آن لنا أن لا نوجه اللوم للحكومة فقط، بل لأنفسنا نحن العراقيين، لا كأحزاب مشغولة الآن بقوائمها الانتخابية، بل كمواطنين عاديين، ومثقفين خاصة: هل نحن راضون عن مستوى شعورنا بالمسئولية؟ ، هل خرجنا من قواقع الدعة والمشاهدة والفرجة، وتوزيع صكوك الوطنية، وأحكام الخيانة إلى طور آخر؟: نعمل فيه أو نقول فيه ما يساهم في ضمان حياة أطفالنا وأهلنا في العراق، ولنختلف بعد ذلك ما نشاء على الوطنية والقومية والتدين والعولمة، ألا نحس بأجسادنا وعقولنا وهي تدخل طور التحول إلى رخويات أمام هذه الكواسج المنفلتة الهائجة وراء رائحة الدم؟