الجولة الاولى: توظيف خاطىء لتقرير بروكسمان الامريكي *

بقلم سّيار الجميل صاحب كتاب (تفكيك هيكل)

" العقلية العربية أحيانا تريد أن ترى شيئا جاهزا يقدم نفسه كاملا دون حاجة إلى توضيح "
محمد حسنين هيكل

مقدمة:
كنت مدعوا مساء امس الاربعاء من قبل مجلس العمل العراقي في ابو ظبي للحضور والمشاركة في محاضرة الاخ الدكتور عدنان الباجه جي الشخصية السياسية المعروفة، والتي شاركت فيها بكلمة طلبها مني بالمناسبة الاخ الدكتور فالح حنظل مدير ادارة الندوة والذي نّوه للضيوف الحاضرين ولاكثر من مرة بكتابي " تفكيك هيكل.. " فشكرته جزيل الشكر، فكان ان اثار بعد ذلك، العديد من الاخوة العراقيين وهم من ابرز الساسة والمثقفين، اذ ألّح بعضهم علّي ان امنحهم تقييم ما قدّمه الاستاذ محمد حسنين هيكل عن الشأن العراقي المعاصر وخصوصا في تلك المقابلة التي اجرتها معه قناة الجزيرة الفضائية مساء يوم 31 ديسمبر 2004. ويعلم الجميع بأن لهذه القناة مواقف سلبية من العراق ومضادة للعراقيين اليوم.. وان اوّضح ما هي رؤيتي لما تكّلم به هيكل.. فأجبتهم بأنني لم استمع ولن اشاهد هيكل لأنني لست معنيا بهذه القناة المختصة باذاعة بيانات الارهاب.. واشكر الاخ الاستاذ محمود عز الدين الذي وّفر لي ملف المقابلة وارسلها لي بواسطة الانترنيت، فقرأت ذلك واستمعت الى المقابلة كاملة. وها انا ذا استجيب لما طلبه مني العشرات من الاخوة العراقيين الاوفياء بنشر مكاشفاتي الجديدة ازاء ما تقّدم به الاستاذ هيكل من آراء ومواقف. ويبدو ان من الاهمية بمكان ان اوّضح في البداية ما لديّ من ملاحظات مهمة على طبيعة الافكار السيئة والاخبار الملفقة التي دارت ضدي شخصيا بعد ان اصدرت كتابي " تفكيك هيكل " من قبل اناس تهمهم مصالحهم السياسية الضيقة على حساب الرؤية النقدية وتصويب الاخطاء الجسيمة.

هيكل: بشر يصيب ويخطىء
لا يتصور احد من القراء الكرام انني تركت الرجل ينطلق من جديد بالرغم من كل الاساءات التي حصدتها بسببه من دون وجه حق، وبالرغم من كل الاذى الذي اصابني جراء كتابي " تفكيك هيكل: مكاشفات نقدية في اشكاليات محمد حسنين هيكل " الذي نشرته في العام 2000، ولم يكن الكتاب ضد الرجل كشخصية قومية نعتز بها، ولكن ضد ما كتبه من معلومات وما اتخذه من مواقف وما اتبعه من أساليب! تلك الاساءات وذاك الاذى الذي حصدته خصوصا من قبل الجماعات القومية والشخصيات الناصرية وحتى من قبل بعض الاكاديميين والاعلاميين العرب الشوفينيين المحسوبين على هذا الطرف القومي او ذاك البعثي. وكم كنت اتمنى على اغلبهم يوما ان يصغي لصوت العقل ويدرك طبيعة النقد التاريخي، والتصويب السياسي، ومعنى الاختلاف، وروح الحوار بين برودته وسخونته، وتباين الاساليب كما هو التباين حاصل وحقيقي بين اثنين او مجتمعين او ثقافتين او تخصصين! وكانوا وما زالوا لا يفرقون ويا للاسف الشديد بين المعلومات الثابتة وبين وجهات النظر، ولا يميزّون بين التوثيقات والمفبركات، بل كانوا وما زالوا غارقين بهذه العاطفة المحمومة التي تكلسوا بها من دون ان يفّكروا مرة واحدة بأن الاستاذ هيكل او غيره من سدنة الصحافة والاعلام العرب في القرن العشرين ليسوا بكاملين مكملين، ولا كانوا في يوم من الايام من الملائكة النورانيين.. كما وان كل البشر يخطئ ويصيب، وان اي كاتب او مؤلف معّرض للمساءلة وللمحاسبة والنقد فهو ليس فوق الاخرين ابدا، ومن يرى عكس ذلك ويجد انه الوحيد الذي لا يؤتى الباطل لا من ورائه ولا امامه، فالتاريخ سوف لن يلتفت اليه ابدا !
وطالما اتفق مع بعض افكار وتحليلات الاستاذ محمد حسنين هيكل والتي تتفوق في بعض الاحيان على تفكير من يدافع عنه ملكيا اكثر من الملك، واجد الرجل مرات ومرات يتنازل عن افكاره الحية وخصوصا استنارة آرائه في الحياة الحديثة من اجل ان يكون في الضد من هؤلاء الذين ما زالوا نساكا متبلدين يتعبدون في الاوكار العتيقة، ولكن لنكن نحن العرب نستمع لبعضنا الاخر ولو لمرة واحدة. ولا يتصورن احدا من هؤلاء وفي مقدمتهم الاستاذ هيكل نفسه انني قد آثرت الانزواء طوال السنين الماضية كوني لم احاوره او اكاشفه او انتقده في الذي نشره او كتبه بعد ان اصدرت كتابي " تفكيك هيكل.. " ضده خشية منه او من مناصريه.. اذ انني انشغلت طوال هذه السنوات الخمس بكتابات ومشروعات اخرى اجدها اكثر اهمية للناس واجدى نفعا للواقع من تفكيك نصوص ونقد معلومات لا نفع فيها من المؤكد ان الاجيال القادمة ستكتشف زيفها وخداعها.. وعليه، فانني لا يسعني الا ان البي طلب الاخوة والاصدقاء العراقيين والعرب في تقديم رؤيتي النقدية الجديدة لما قدّمه الاستاذ هيكل قبل ايام قلائل، واستجيب لمن قال: حان الوقت الان كي تلتفت ولو لمرة واحدة الى هيكل مرة اخرى للافصاح عن بعض مغامراته الجديدة وخصوصا ما يتعلق الامر بينه وبين العراق اليوم. وهي فرصة اغتنمها للتعريف الحقيقي بالتقرير الامريكي الذي نشر مؤخرا قبل ايام عن حصيلة الصراع الدائر في العراق وطبيعة الدروس التي يخرج بها ناشروه في الولايات المتحدة الامريكية باعتبارها الواقفة على رأس تحالف قوات متعددة الجنسيات.

لقاء لمناسبة رأس السنة 2005
لقد تابعت ما ادلى به الرجل في قناة الجزيرة الفضائية مساء يوم 31 ديسمبر 2004 عن رأيه بالذي حدث في السنة التي ودعناها.. اقول، بقدر ما اعجبت ببعض افكار هيكل وخصوصا مشاركتي اياه تشاؤمه للايام التي سيشهد العرب فيها مصاعب وتغييرات لا حصر لها، فلقد حرصت على متابعة ونقد وتحليل افكاره عن العراق والتي دوما ما تأتي على غير المتوقع.. وتكثر فيها اخطاؤه وتزداد بها انحيازاته.. اتمنى من الاخوة احباء هيكل وعشاقه من ناصريين وقوميين وبعثيين وحركيين واسلاميين جدد.. ان يكونوا لمرة واحدة مع ضمائرهم الحية وليقولوا كلمة سواء.. فلست من الناس الذين يركضون وراء سمعة مزيفة ولا كنت في يوم من الايام خصما لدودا لا لهيكل ولا للقوى الناصرية حتى يزيدوا من حجم اخطائهم بحق الاخرين ويزيدوا من افتراءاتهم ضدي.. وليتمتعوا قليلا بمناخ من الحرية والانطلاق التي لا يعرفونها ابدا، فلقد اعمت تعصباتهم قلوبهم وتراهم جميعا وقلوبهم شتى. لقد اختصر هيكل الاحداث الجسام وعدد 12 او 13 منها تلك التي غطّت العام 2004.. ومنها الاحداث في العراق.. وكأن اتفاقا مسبقا جرى بين المذيعة خديجة وهيكل على ان تكون المقاومة العراقية هي الموضوع الاساسي لهذه الحلقة.

المقاومة العراقية
في موضوع " المقاومة العراقية بين التمرد والإرهاب " الذي اختارته محاورته السيدة خديجة بن قنة من بين اكثر من اثني عشر موضوعا شغلت السنة المنصرمة 2004، حين اختارت هذا " الموضوع " عن قصد طبعا، قالت: سنبدأ بأهم اللحظات التي ذكرتها أستاذ هيكل نبدأ بتزايد المقاومة العراقية في العراق خلال هذه السنة. وسافكك كلام هيكل فقرة بعد أخرى.. من اجل مصداقية ما اقدمه من تحيليلات وما اخرج به من استنتاجات واحكام في تقييم القول والفعل معا!
أجاب هيكل: " المقاومة العراقية بتواجهنا بإشكالية فظيعة جدا ونحن واقفين أمامها باعتقادي بحيرة وحضرتك وأنا كنا بنتكلم على هذا الموضوع امبارح وكنا.. كان فيه بيننا حوار فيه وأنا بعد ده حاولت أتقصى آيه آخر أحوال.. آيه آخر أخبار أو آيه آخر حتى تصورات عن التانيين، في رأي بيرى أن هذه المقاومة عشوائية في بعض الناس يرو أن هذه مقاومة منظمة وأنها شبه ثورة وطنية وبعض الناس بيرو أنه والله اندست فيها عناصر إجرامية وبعض الناس يقولوا أنها هي في واقع الأمر عملية إرهاب إسلامي وأنا بعتقد أن إحنا في بعض الأحيان نظلم أنفسنا بأكثر مما يجب لأننا نريد أن نرى.. " (وانقطع الكلام)

ماذا يمكنني ان أقول؟
ينجح هيكل في الخروج من ازمة السؤال بما عرف عنه من لف ودوران.. وقد اصاب بوصفها عشوائية ولكنه اعترف بها بترديده اياها ولكن حسب تصنيفات الناس لها فهي قضية اشكالية، ويستطرد هيكل قائلا: " العقلية العربية مرات أحيانا تريد أن ترى شيئا جاهزا يقدم نفسه كاملا دون حاجة إلى إيضاح أو شرح ولا تفكير وأنا هذا أحيانا.. ". انه الان ينتقد العقلية العربية – والحق معه – في انها تريد الاشياء في جاهزيتها، ولما كان الرجل ليست له مثل هذه " العقلية " اذ لم يستشهد بأي رأي او فكرة او معلومة او موقف ان لم يكن من لدن اصحاب العقلية العربية الذين يحتقرهم، فهو لم يكلف نفسه العناء ليقول ما الذي يردده اصحاب الشأن اولا وأخيرا! ما الذي يقوله العراقيون؟ ما الذي يشعر به من يعاني وهو في الشارع او البيت او المكتب او السلطة او الثكنة او المخفر او القرية او المصنع.. الخ..
انه لا يعترف بالعقلية العربية، فكيف به ينزل الى العراقيين ليفحص ما الذي يقوله المسؤولون الجدد والكتاب واعيان العراق خصوصا وان الرأي العام العراقي هو المّعبر الحقيقي عن ما يحدث.. وقد تناسى حتى اولئك المعارضين العراقيين الذين يقفون اليوم ضد الاحتلال وعملائه في الداخل. اسأل على ماذا عّول هيكل اذن؟ طبعا كعادته، ترك العراق والعراقيين والعقليات العربية وذهب الى تقرير صدر قبل ايام عن واحد من المراكز الاستراتيجية الامريكية ليّعول عليه تعويلا كاملا.. وتبقى مشكلة الرجل ليس في استدعائه لمثل هكذا تقارير، بل في كيفية توظيفها والتعامل معها وكيفية نقل معلوماتها الى العرب وكيفية قلب الحقائق التي تذكرها نصوص التقرير الى ما يريد ايصاله الى الناس.. انني اتساءل مرات ومرات: هل يمكن للاستاذ هيكل ان يتعامل مع النص الاصلي من التقرير، ام اعتمد على من ترجمه اليه؟ انها الاخطاء نفسها التي لم تزل تتكرر عند هيكل من دون ان يراجع نفسه فيها، بل هل في امكان هيكل ان يتراجع عن نصوص ومعلومات وتقارير وظفها بشكل خاطىء!

اللجوء الى تقرير امريكي
وقبل ان اشرح لكم هذا " التقرير "، دعونا نستمع الى هيكل مرة اخرى وهو يتابع كلامه، قال: " أنا إمامي تقرير طالع من مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الولايات المتحدة الأميركية(The Center Strategic And International studies)وهذا مركز من أهم المراكز المؤثرة في عملية صنع القرار في واشنطن وهو يكشف أشياء كثيرة جدا ويناقش أشياء كثيرة جدا وتحال إليه أشياء كثيرة جدا، هذا المركز مطلع يوم 22 ديسمبر يعني من أربعة خمسة أيام مطلع آخر تقرير عن الموضوع الذي نختصم فيه إحنا ومش عارفين نوصفه في هذا التقرير بيقول آيه التقرير بيقول آيه؟ أول حاجة أنه قال وهذا علينا نسأل نفسنا فيه، قال أول حاجة أن أميركا تواجه في العراق ما لم تكن مستعدة له وأنه أول شيء عملته أول دفاع عملته عندما فوجئت هو (Denial As Amassed Of Counter Insurgence Wore Faire) الإنكار حقيقة ما يجري هو أول سلاح استعملوه لأنه هما فوجؤوا بما جرى وأول شيء عملوه فيه أنه إنكار، أنكروه لأنه لم يتصوروا أن يواجهوا هذا، هذا أمر أنا بعتقد أنه كان فيه ما هو أكثر من مصادفات وبعتبر أن فيه عناصر معينة كثير قوي في العراق شافت ما هو قادم مبكرا وأنه بعضها رتب نفسه وبعضها نزل تحت الأرض إلى آخره لكن بيقول آيه التقرير ده أول حاجة أنه لا يصفهم.. لا يستعمل كلمة إرهاب على الإطلاق ولا يستعمل كلمة قتلى واللي بيلوم الإدارة الأميركية هنا لأنها أول حاجة عملتها أن حاولت الإنكار وحاولت أن تقلل من قيمة ما يجري وأن تتعسف في وصفه وان تصفه بأنه مش موجود وأنه مش مهم إلى آخره وأنا بعتقد جزء أن كبير جدا من العالم العربي اللي وصفه اللي جاري بأنه عمليات إرهابية أو إجرامية كانوا بيتجنوا أو على الأقل مش عارفين الصورة مع العلم أنني لا أستبعد أن يكون في وسط ما هو جاري أشياء ثانية، أشياء ليست على المستوى لكن أنا شايف أولا هنا أنه بيتكلم عن (Insurgence) بيتكلم على عصيان على حالة تمرد ".
هذا هو نص ما قاله هيكل وهو يستعير تقريرا جاهزا عن " الموضوع " لا ليحلله ويبرز نقط الضعف والقوة فيه، بل ليحّرف معلوماته تحريفا كاملا بما يخدم وعواطف العرب الذين نال من عقليتهم ليس في هذه المرة حسب، في كل المرات. وكم نبهت الاستاذ هيكل بأن لا يتكلم مع العرب بلغة فوقية في موضوع يشغلهم، وفي شأن هم اصحابه الحقيقيون.. وان لا يستعير معلومات من تقارير امريكية معلنة على العالم، فليس هؤلاء الامريكيين من الغباء بمكان ان يعلنوا عن خطط او اجندة او معلومات او اسرار على الملأ، وان اية تقارير تعلن مثل تقرير انتوني كروسمان الذي دعوني افصح عنه وعن كاتبه وعن معلوماته. وحتى ان استخدمنا مثل هذه " التقارير " فلا يمكن تسويق معلوماتها بمثل هكذا جلسات دعائية كلامية الا بقدر كاف او بحذر شديد.

ما قصة التقرير الامريكي؟
ليسمعني الاخوة العرب جميعا وبضمنهم الاستاذ هيكل، راجيا ان يعتبروا هذا " الرد " المتواضع مجرد اثراء للحقائق التي تنقصنا حقا لا هجوما سياسيا، وتصويبا لما اورده هيكل من آراء قاطعة لا انتقاصا من هيبة الاستاذ.. واحتراما للعقلية العربية التي ننال دوما منها، ومن قبل هذا وذاك احتراما لمشاعر العراقيين الصارخة ودمائهم القانية الزكية من دون اي ترويج لا للافكار الامريكية ولا لمراكز البحوث الاستراتيجية الامريكية التي يستخدمها الاستاذ هيكل مع الاسف الشديد من دون روية ومن دون أي تبصرة.. او انه يدرك ذلك جيدا ويريد ايهام اصحاب العقلية العربية الذين يستخف بهم دوما بما يريد نشره مقللا من شأن اخوانه هؤلاء العرب، وكأن ليس هناك نخبة من هؤلاء العراقيين واولئك العرب تتابع ما يصدر وخصوصا العديد من زملائي العراقيين الذين يعيشون مأساتهم التاريخية وقضيتهم ليل نهار وهم يقيمون فى شتى منافي الارض منذ عقود طويلة من السنين.
اقول: صحيح ان هذا " التقرير " قد صدر عن هذا المركز المذكور، والاستاذ هيكل لا يعرف من الذي اعّده! فأجيبه: انه معّد من قبل البروفيسور انتوني اج. كروسمان الذي اعرفه جيدا ولي مراسلاتي معه حول مسائل عدة تخص اوضاع العراق التاريخية، ومنها هذا " التقرير ". لقد اصدر تقريره كمسودة عمل قابلة للتعديلات (Working Draft ) يوم 22 ديسمبر 2004 بعنوان (The Developing Iraqi Insurgency Status at End-2004 ) وهو مؤلف من ثلاثة اقسام ويتألف من عشرين صفحة يبحث القسم الاول في اخفاقات في تمييز النمو وصفة تهديد العصيان بموضوعين: الرفض كمنهج في الضد من حرب العصيان والنقص في الاعتراف بالمشكلة خلال منتصف 2004. ويبحث القسم الثاني في اطلاق تكتيكات التهديد والضغط على قوى الحكومة بموضوعين دروس معلومات الحرب السياسية والفسيولوجية، ثم دروس حول خطط الهجوم والقتال. ويبحث القسم الثالث في طبيعة اطلاق العصيان بموضوعات، هي: الدور المهيمن لعصيان العرب السنة، والجماعات الاسلامية التي جاءت من الخارج مع متطوعي الداخل وحالات الشيعة غير الموثوقة، ثم الاكراد وبقية الاقليات ومشكلات ايران وسوريا وتضمين عبارات الصراع واخيرا: نقدات مهمة حول تأثير القوات المسلحة العراقية والاستخبارات وقى الشرطة.

من هو انتوني كروسمان؟
يعد البروفيسور انتوني كروسمان صاحب مكانة مؤثرة في ابداء وجهات النظر لوزارة الدفاع الامريكية خصوصا. وله كرسّيه في " الاستراتيجية " بمركز الدراسات الاستراتجية والدولية في الولايات المتحدة الامريكية. وهو محلل الامن القومي في الاخبارية اي. بي. سي.. وتعتبر تحليلاته لها مكانتها وخصوصا ابان في حرب الخليج، وما تتضمنه اعماله: عاصفة الصحراء، والصراع في كوسوفو، والقتال في افغانستان، وحرب العراق. خلال ذلك الوقت الذي قضّاه في مركز الدراسات هذا، غدا رئيسا لمشروع التقييم الجاد للخليج ومشروع الخليج في دراسة التحولات. قاد دراسات الدفاع الوطني للصواريخ واسلحة الدمار الشامل وانتقادات للبنية الوقائية. وله جهوده الاساسية من قبل المركز في تقييم مشروعات الطاقة الاستراتجية بعد ان غدا نائبا لمدير المركز. مؤلف عدة دراسات موسّعة عن الولايات المتحدة، منها: سياسة الامن القومي، وسياسة الطاقة، وسياسة الشرق الاوسط، وتوازن التسلح الدفاعية، والخليج في التحولات الملحقة. عمل البروفيسور كروسمان سابقا كمساعد الامن القومي للسيناتور جون ماكيين في لجنة خدمات التسلح ومديرا لتقييم اداء المخابرات في مكتب وزير الدفاع وكمساعد مدني في نيابة وزارة الدفاع. ادار تحليلات الدروس في حرب اكتوبر لوزير الدفاع في العام 1974. بموجب القوات الامريكية العسكرية والمخابرات والتحليلات المدنية للصراع وخدم في عدة مواقع حكومية اخرى. وبضمنها في لجنة الناتو الدولية وخدم ايضا مديرا للسياسة والخطط للمواقع الاصلية في وزارة الطاقة وكانت له مشاركات متنوعة خارجية وبضمنها في لبنان، مصر وايران. وعمل لمرات في السعودية والخليج. له اكثر من عشرين كتابا وبضمنها اربعة مجلدات كدروس ومحاضرات في الحرب الحديثة. احدث كتبه تتضمن: كتاب حرب العراق، وكتاب السعودية تدخل القرن الواحد والعشرين. كتاب دروس افغانستان، كتاب الارهاب: الهياج والحرب، وكتاب السلاح الدمار الشامل. ان انتوني كروسمان قبل كل شيىء هو استاذ الامن القومي في جامعة جورج تاون، وله دروسه المهمة والممتعة في الشؤون الدولية.

ما وجهة خلافي اليوم ضد هيكل؟
ان اي باحث مبتدىء لا يمكنه قراءة اي نص ما لم يعرف صاحبه من يكون؟ فكيف بنص خطير وتقرير مهم يكتبه انتوني كروسمان؟ ان مجرد معرفة من يكون كروسمان لدى المهتمين والمختصين الاستراتيجيين الحقيقيين يدركون بأن الرجل لا يمكنه ابدا نفي ظاهرة الارهاب والقتل خصوصا ونحن نعلم بأنه قد ألف كتابا حول الارهاب واعتنى بذلك عناية كبيرة بتتبعه اصول هذا الارهاب الذي يعيد اصوله الى الافغان العرب الذين كانوا وراء بلورة هذه الظاهرة الخطيرة، وانني ادرك ذلك بحكم معرفتي الشخصية له ومتابعتي لاعماله وتقاريره والخطط التي بناها من اجل القضاء على الارهاب، وهو يدرك ادراكا حقيقيا بأن العراق غدا ساحة مستقطبة للارهاب الدولي.. فكيف يمكنك يا سيدي هيكل ان تنفي عن التقرير الذي كتبه كروسمان توصيفه للحالة في العراق بالصورة التي لم اجدها لا في هذا التقرير ولا في اعمال اخرى لكروسمان؟؟ وكيف تريد اقناع المشاهدين العرب الذين ما زلت تضحك على عقلياتهم بأن هكذا تقرير امريكي يقول بأن لا ارهاب في العراق وكل ما يجري هو عصيان مسلّح، اي (مقاومة) التي تلكأت في تعريفها!
والتقرير يقدم معلومات مجردة ولا يتبنى اي موقف غير الموقف الامريكي المعلن الذي يحاول الحفاظ على عدم الاعلان عن الخطط والاجندة الامريكية ليس في العراق وحده في العالم كله! ربما نجد هناك تقديم اراء الى الادارة الامريكية او وزارة الدفاع الامريكية ولكن لم نجد ما اراد هيكل قوله على لسان " التقرير "، علما بأن هناك حقائق مؤكدة عن حجم ما يتّعرض له جنود التحالف، كما يسميها التقرير وليس الجنود الامريكيين! واذا كنت يا سيدي هيكل تنفي ورود كلمة ارهاب وبالمطلق، فانا احيلك الى عدة صفحات منه ولنأخذ الصفحة رقم (9) على سبيل المثال لا الحصر يقول التقرير:
“Insurgents learned that the US has ability to track and characterize irregular forces, insurgent/ terrorist teams, and urban and dispersed infantry than forces using mechanized weapons or significant numbers of vehicles.. “
ان " التقرير " يعتبر الارهاب تحصيل حاصل في العراق وهو يعود الى اسباب وضحها في الصفحات الاولى كتعبير حقيقي عن صدام الحضارات.. انه، ضمن هذا السياق، لا يلوم الادارة الامريكية بل يوضح لها معلومات عامة غاية في الاهمية، وهو لا يتهم الادارة الامريكية بانكار ما حدث لأنها تعرضت للمسائلة دوما من قبل المراقبين والصحفيين الامريكيين. ولماذا يعتقد هيكل ان في " التقرير " اكثر من مصادفات!؟ وانني صادقا اسأل الاستاذ هيكل: هل حقا قرأ التقرير كله حتى يقول: بأن " التقرير ده أول حاجة أنه لا يصفهم.. لا يستعمل كلمة إرهاب على الإطلاق ولا يستعمل كلمة قتلى.. "؟ هل قرأت يا استاذ هيكل كل ما تضمنه ام اعتمدت على مترجم قدّم اليك بعض نصوصه؟ هل قرأت ما تضمنه " التقرير " من معلومات غاية في الدقة وشرح اسباب وعوامل غاية في الواقعية وتصنيف للجماعات المسلحة والارهابية واخطرها جماعة ابو مصعب الزرقاوي؟ هل انت متأكد من ان انتوني بروكسمان لم يستعمل في تقريره كلمة " ارهاب " على الاطلاق؟ ولا تقل لي بأنك قرأت تقريرا غيره فهو الاحدث للمركز الذي ذكرت وهو التقرير الذي عنيته، وانني اتحدى هيكل ان يأتيني بأي تقرير يصدر عن اي مركز للبحوث الاستراتيجية الامريكية ان لم يضمن " الارهاب " واحدا من ابرز العوامل في اشكالية العصيان المسلح داخل العراق!

لقد وردت مصطلحات الارهاب والارهابيين والجماعات الارهابية وانصار السنة وجماعة ابو مصعب الزرقاوي الارهابية وقتلى الارهاب الذي يباركه اسامة بن لادن.. مرات عدة لا تحصى، فكيف بنا ننتقد العقلية العربية من طرف وكيف بنا نضحك على العقلية العربية من طرف آخر؟ اما آن الاوان لاصنام القرن العشرين ان تغادر هذا المسرح العربي الذي كانت ولم تزل تورّثه الاكاذيب والتلفيقات وتبث فيه التزويرات والافتراءات؟ الم نتعظ يا ناس من " تفكيك هيكل "؟ الم نزل نمارس الدور نفسه في الضحك على الذقون؟ الم ندرك بأن العصر قد تغّير وان بمقدورنا ان نعرف كل الحقائق في غضون دقائق؟ كيف بنا نضحك على العرب بتزييف تقرير صدر عن مراقب امريكي له وزن وثقل في اعتماد وزارة الدفاع عليه وهو يضمن معلوماته في احدث تقرير؟؟ اقرأ ما كتبه بروكسمان في الصفحتين 15 و16 في تحليله للجماعات الاسلاموية المنتمية لكل من بن لادن والزرقاوي وسترى كيف استطاع هيكل ان يلوي " المعلومات " كي يقنع العقلية العربية ان الامريكان أخذوا يفكرون مثله!

العمليات المسلحة
ماذا يقول هيكل ايضا؟ يستطرد قائلا: " الحاجة الثانية أنهم بيتكلموا عن أنه فيه فشل أميركي في مواجهة هذه العمليات وفشل في تقدير قوة المقاومة تستروا عليها وهم نفسهم هذا المركز يعترف بالخطأ وراجعوا كل التقارير اللي جايه، تعالي عشان نشوف حجم اللي حصل هؤلاء الناس اللي إحنا بنتكلم عليهم عملوا في السنة اللي فاتت هذا التقرير بيمس المسافة ما بين 22 ما بين آخر 2004.. من أكتوبر 2003 إلى أكتوبر 2004 وهي الفترة التي أمكن حصر كل شيء فيها، بيتكلم على آيه التقرير ده؟ بيتكلم على أنواع العمليات وحجم العمليات، حجم العمليات أولا خمسة آلاف عملية في هذه السنة يوَصفها على النحو التالي، على سبيل المثال ضد القوات اللي بيسميها (Forces Coalition) قوات التحالف فيه 3227 عملية ضد القوافل 49 عملية وهكذا مش عاوزين ندخل فيها طويل قوي لكن هذا يعني أن أنا آيه أمام شيء علي أول حاجة أن أفهمه وعلي الحاجة الثانية أن أعرف أنه كان ضرورة جدا ليه؟ ".

ماذا اعلق عليك يا هيكل؟
ان المسافة الزمنية المغطاة تنحصر بين سبتمبر 2003 الى اكتوبر 2004، وليس كما ذكر هيكل. وقد قدّم لنا تقرير بروكسمان جدولا مهما كان على هيكل ان يذكره، او على الاقل الاشارة الى معلوماته التي تبقى كم هي مؤكدة خصوصا وانها تخص وضع العراق على مدى سنة كاملة. وكيف سمحت الولايات المتحدة بنشرها علنا علما بأنها جمعا للحوادث التي اعلنت للملأ؟؟ دعونا نترجم الجدول في ادناه لنكون على مقربة من حقيقة التقرير لا من حقيقة المعلومات.. وهذا هو الفرق بيني وبين هيكل.. انني اصدق بالتقرير على غرار عشرات التقارير الاخرى وهو يصدق بالمعلومات الواردة بالتقرير وكم هي صائبة في مضامينها.. انني ارى بأن هناك اجندة تختفي من ورائها وهو يراها حقائق مسلمة وكأنها منزّلة من السماء ما دامت امريكية الصنع!

ماذا نقول؟
انني لست في معرض هنا كي احلل ما ورد من معلومات صحيحة او خاطئة في الجدول اعلاه، فربما كانت الارقام التي بحوزتي والتي استطعت ان استحصلها من مصادر اخرى عراقية وامريكية وبريطانية هي غير ما ورد في الجدول اعلاه بكل تأكيد، فمشكلتنا الان ليست مع البروفيسور بروكسمان.. بل مع الاستاذ هيكل الذي اعطى ثقلا كبيرا لتقرير بروكسمان وكأنه كتابا منزلا، وبدأ يحلل على اساسه الامور ليقنع العرب الذين استخف بعقلياتهم بأن ما قاله التقرير صحيحا وهو لم يدرك ما الذي يحتويه جدول كالذي قمنا بتحويله اليكم ايها الاعزاء العرب من اجل ان تفّكروا قليلا ما الذي يريد ان يوصلنا اليه هيكل من خلال التقرير الامريكي! والذي اريده فقط من خلال سؤالي الاساسي كمواطن عراقي مهموم بمحنة العراق والعراقيين لا سؤالي الافتراضي كمؤرخ اكاديمي جالس في برج عاجي او كاعلامي قومي عربي ليس له من هم الا كراهية امريكا حتى وان احترق كل العراقيين! سؤالي ايها الاحبة: لماذا كل هذه الهجمة على العراقيين وخصوصا المدنيين العراقيين باسم المقاومة المسلحة؟ وابحثوا عن المستفيد من هذا كله، واعرفوا من هو صاحب المصلحة الحقيقية في قتل العراقيين.. علما بأن ما ورد من ارقام في اعلاه – كما قلت – تجابهها ارقام اخرى من ارض الواقع تقول بأن من ذهب من المدنيين اكثر بكثير جدا من هذا الرقم. وان من خطف وذبح من عراقيين وغير عراقيين قد يضاف على القائمة.. واذا لم يعترف اي عاقل بأن ما يحدث ضد العراقيين من ارهاب منظم وعلى الساحة العراقية التي جعلت ساحة للارهاب.. فكيف يمكن لأي عاقل ان يصدق بأن كل الذي يجري مقاومة للاحتلال؟؟؟
واخيرا، أود القول بأنني قد قدّمت توضيحات ونقدات لمثل هذه الموضوع في هذه الجولة التي اتمنى ان تكون جولتنا الثانية التالية موفّقة في عرض مفاهيم ومعلومات في الشأن العراقي الذي يبدو ان الاستاذ هيكل له حساسيته المفرطة منه، وبالاحرى، فهو يخشى التوغل فيه لاسباب اصبح الرجل يدركها ادراكا تاما..

*ملاحظة توثيقية : اود ان يتفضل القارئ الكريم بأنني قد استحصلت شخصيا على موافقة البروفيسور انتوني بروكسمان الخطية قبل ايام لنشر معلومات وارقام التقرير الذي أصدره يوم 22 ديسمبر 2004 من خلال مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الولايات المتحدة الامريكية .

يتبع


[email protected]