تعقيب على خوارج هارون كنعان

في الثالث من الشهر الجاري، وعلى خلفية المناكفات الكيدية بين " حزب قناة الحرة " و " حزب قناة الجزيرة "، في منطقة محرومة أصلا من تعدد الأحزاب، كتبت في " إيلاف " مقالا (الجزيرة الإرهابية والحرة الليبرالية!) على ضوء تجربتي الشخصية مع المؤسسة المسؤولة عن " قناة الحرة " وشقيقها "راديو سوا"، كانت مناسبته الأساسية ما أعلن عن بث شريط يتصل بعلاقة " الجزيرة " بنظام " أبو عدي". وسرعان ما تحول المقال إلى مادة للجدل العابر للقارات والدول والأيديولوجيات... وحتى السفارات، رغم أن هذا لم يكن قصدي، وإن كنت سعيدة به!

أكثر الجدل كان في سياقه الطبيعي والسليم والصحيح، وأقلّه ـ لحسن الحظ ـ كان نفخا في قرن خروف أو غناء في " حمّام نسوان تركي "!! ومما يصنف في هذا النوع الأخير ما كتبه السيد هارون كنعان، في المكان ذاته، يوم أمس تحت عنوان " ردا على العزيزي : ما بين خوارج الحرة وأنصار الجزيرة ". فالسيد كنعان قال كل شيء، لكنه لم يقل شيئا ؛ كما سنفسر ونشرح ونحلل لاحقا، لكن ليس على طريقة التحكيم الذي قاده أبو موسى الأشعري وعمرو ابن العاص الذي حمته ـ دائما وأبدا ـ سوأته، وأدى تحكيمهما إلى ولادة ظاهرة الخوارج! فأنا لا أخلع صاحبي كما يقول مظفر!

ومنذ تاريخ نشر المقال جرت مياه كثيرة تحت جسور القضية، بحيث أن جزءا كبيرا من الجدل أصبح مفوّتا وبيزنطيا وعقيما، وبالتالي لا فائدة منه، خصوصا بعد أن دخلت عدة جهات على خط " الأزمة " بين كاتبة المقال والجهة المسؤولة عن التوأمين" السياميين " اللذين يرضعان حليبا فاسدا من صدر تلك الجهة. وأعني بالتوأمين كما هو واضح " قناة الحرة " و " راديو سوا ". فاللجنة الدولية لدعم المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، التي كان أحد التقارير المتعلقة بمعتقليها الذين تدافع عنهم سببا مباشرا لـ " الأزمة "، أرسلت مذكرة للرئيس جورج بوش طالبت إدارته بالتحقيق في فضيحة ما جرى، لجهة مغازيه ودلالاته السياسية، انطلاقا من قناعتها بأن ما جرى هو وليد عبث، بل وإجرام، اسمه تسليم مشروع إعلامي ديمقراطي " بالضبة والمفتاح " لعناصر ميليشاوية لم تخرج أذهانهم بعد من زواريب بيروت و... " عنجر "!! أما المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير ( أحد أعضاء المجلس الاستشاري في اليونيسكو) فقد حذت الحذو نفسه، وخاطبت من يعنيه الأمر. هذا بينما دخل القضاء في الإمارات العربية المتحدة، الذي لا نشك بنزاهته، على خط القضية التي سيقول فيها قوله الفصل. وإذا سارت الأمور كما يؤمل منها وثبت التفسير الحقوقي الذي وضعه أحد مكاتب المحاماة للقانون الناظم لعمل هذا الراديو في مدينة دبي للإعلام، فإن هذا سيعني ضمنا أن هناك عشرات الألوف من الدولارات قد أخذت من حقوق العاملين في الراديو بطرق غير مشروعة. وبالمناسبة كنت في طريقي إلى باريس للإقامة هناك نهائيا، حين اكتشفنا ذلك بمحض المصادفة بعد مناقشة مع أحد المحامين حول ما حصل، وهو من أقنعني بملاحقة المعنيين قضائيا. ولم أكن أفكر بذلك لأني بطبيعة الحال كنت سأستقيل نهاية هذا الشهر من أجل الإقامة النهائية في فرنسا بحكم وضعي المدني الجديد حتى لو لم يفصلوني من عملي. ولكن يبدو أن الفضيحة مكتوبة لهم في سفر القدر كما يقال!

هذا كله دعا السفارتين الأميركيتين في " أبو ظبي " و " بيروت " إلى مطالبة من يعنيه الأمر في الخارجية الأميركية بالتحقيق في القضية، كما أخبرني أحد الزملاء العاملين في قناة " الحرة " بواشنطن، والتثبت من خلفياتها وأبعادها. ومع يقيني أن أي تحقيق لن يؤدي الغرض منه طالما أن هناك زمرة اسمها " قيادة قطرية لحزب البعث الأميركي " بقيادة أتباع كولن باول وجورج تينت في الإدارة الأميركية، فإنني أعتقد أن الجدل قد أدى الغرض منه، على الأقل من زاوية الكشف عن فضيحة سياسية وأخلاقية يندى لها الجبين!
هذه التطورات، لا سيما في جانبها القضائي، كان من المفترض أن تضع حدا للجدل إلى أن يميز القضاء بين خيط الحق الأبيض وخيط البهتان الغارق في سواده. وكان عليّ بالتالي أن أتوقف هنا في تعقيبي على السيد هارون كنعان. إلا أن القضية ليست قضية " إدارية أو مالية " كما يتوهم ويحاول أن يوهم قارئيه، أو كما أوهمه بها من " كلّفه " بالدفاع عن قضية خاسره على مستوياتها كافة، أو على الأقل في مستواها السياسي والأخلاقي .

لا أعرف السيد كنعان، ولم يسبق لي أن سمعت باسمه، على الأخص في الوسط الذي يضم موظفي " الحرة " و " سوا ". كما أني لا أعرف إذا كان هذا اسمه الحقيقي، أم أنه اسم مستعار يتقمصه أحد عناصر " ميليشيا أبو عبدو البيروتي " التي تقود المشروع الإعلامي المذكور، والتي نقلت حروبها الزقاقية من زواريب بيروت إلى " زواريب " واشنطن! إلا أن معرفته الواسعة بالمؤسسة كما يبدو، وحرصه على إيراد بعض " الوقائع " ولو بطريقة مشوهة، و " فبركة " وقائع أخرى، يجعلني أجزم بأنه إما اسم مستعار لأحد أولئك العناصر، أو مقرب جدا منهم ومن دوائرهم الشللية ـ العصبوية الضيقة. وفي مطلق الأحوال ليس المهم هوية الشخصية، بل ما تقوله، طالما أننا لسنا في حلبة ملاكمة، وإنما في ساحة جدل لا نريده أن يبقى بيزنطيا. هذا وإن كنت أرجح الطابع الاستعاري لاسمه، بدلالة بعض أخطائة النحوية الفاحشة، وهي " ميزة " نافرة من ميزات تسعين بالمئة من محرري " سوا " و " الحرة " والمذيعين العاملين فيهما، وتحديدا من جيء به من زواريب ودهاليز العلاقات الطائفية والأمنية والشخصية والجهوية القبيحة.. عبر أساليب " الزوربة " الأكثر قبحا. لكن هذه قضية أخرى، طالما أننا لسنا في بازار نحوي، ولا نتلاكم نحويا في حضرة " سيبويه " أو " أبو الأسود الدؤلي " أو " الكسائي "!

السيد كنعان يكرس معظم رده ليجلدنا بمحاضرة مدرسية بائسة وبليدة عن الإعلام الأميركي وكيفية عمله، وعن الجهة المشرفة على المشروع وكيفية إدارته مناصفة بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، وعن رياض نجيب الريس و نظريته في الإعلام، وعن مونتسكيو و " السلطة الرابعة "، وعن ديمقراطية الإعلام الأميركي... إلخ. ولأن هذه كلها من منسياتنا، على الأقل الأكاديمية منها ( في مرحلة دراستنا الصحافة بالجامعة، أو مرحلة دراستنا العلوم السياسية ما بعد الجامعة )، فإني لن أعقب عليها، كيلا أرغم القارئ على شتمنا!! لكن أحب أن أهمس بأذنه نصيحة : " لا تبع الماء في حارة السقّائين " يا أخ هارون، ولا تمرر أشياء غير حقيقية للقارئ بأسلوب " الفهلوة " والحذلقة المقيتة كي لا أقول البليدة. فأنا تحدثت عن الإعلام الأميركي الناطق بالعربية، وتحديدا " التوأمين السياميين" المشار إليهما، مضافا إليهما إذا شئت إذاعة صوت أميركا. وهو كما تعرف إعلام ممول من الموازنة العامة للدولة وأموال دافعي الضرائب . ولم أتحدث عن الإعلام الأميركي الناطق بالإنكليزية والموجه إلى الشعب الاميركي. فالأول " إعلام شمولي" لا يختلف كثيرا عن إعلام النظام السوري أو العراقي المقبور. ويعترف أصحابه أن مهمته هو تمثيل السياسة الأميركية الرسمية في الخارج، سواء أكانت " جمهورية " أم " ديمقراطية ". ومن هنا كان تقاسم المشروع إداريا بين الحزبين. ولهذا تحظر القوانين الأميركية بث هذا الإعلام " الجربان " داخل الولايات المتحدة، كيلا يصيب الديمقراطية الأميركية والحريات العامة في هذا البلد بداء الجرب وطاعون التفكير الشمولي الذي لا يخلق إلا " الإنسان ذو البعد الواحد " كما يقول مواطنكم هبرت ماركوز. أما الإعلام الثاني فهو ما ينطبق عليه كلامك. ولو كنت قرأت ما كتبته في مقالي جيدا يا أخ هارون، لوفرت عليّ وعلى نفسك وعلى القراء عناء تتبع " ثرثرتنا " هذه في البدهيات! ولكن لم يكن لك أن تفعل ذلك، وليس باستطاعتك، لأن بيت قصيدك مختلف عن بيت قصيدي، وموّالك غير موّالي، وليلاي التي أغني لها لم تزل مريضة في العراق وسورية وكل أنحاء هذه المقبرة الجماعية للأحياء، التي يسمونها " عالم عربي " ؛ أما ليلاك فتأكل الهمبرغر وتلبس الشورت وتحب وتعشق في شوارع بروكلن أو جادة بنسلفانيا دون الخوف من أن يقوم أي

كنعان ( قصدي غازي كنعان ورهطه!!) أو زرقاوي بخطفها وحز رقبتها بسكين مطبخ، أو نشرة أخبار بعثية، بتهمة ممارسة الدعارة!
يتساءل السيد كنعان لماذا تأخرت في نشر هذه " الحقائق " عن " التوأمين"، وعما إذا كان اكتشاف ذلك يحتاج " إلى كل هذه السنوات التي قضيتها" في خدمة هذا النوع من الإعلام الأميركي. ويردف بهذا التساؤل تساؤلا أكثر حماقة ( آسفة للتعبير، ولكنه في مكانه وسأبين لماذا) يتعلق بما إذا كان تأخري يعود إلى بطء في الاستيعاب أو " تضارب أو انتفاء مصالح شخصية بحتة كزيادة في الراتب مثلا "؟ ويمضي بعد ذلك ليلقنني " درسا إداريا" عن المؤسسة المذكورة وكيف تدار وما هو وضعها القانوني....إلخ، وهو ما كنت أشرت إليه أعلاه ورفضت التعقيب عليه لأنه من منسياتنا، ومجرد بيع للماء في حارة السٌقّائين! وكان قبل ذلك قد وضع على لساني العرض الملخص الذي قدمته بخصوص ما يراه جمهور" حزب الجزيرة " و يقوله بـ " قناة الحرة "، والعكس بالعكس. وهو ضرب فظ أيضا من الحماقة الناجمة إما عن سوء النية أو عمى البصر والبصيرة. وذلك ـ ببساطة ـ لأنني كنت أعرض ما يقوله الطرفان ببعضهم البعض، ولا أعرض ما أقوله أنا. كنت أصف مواقفهم من بعضهم البعض ولا أصف موقفي منهم أو من أحدهم. مفهوم يا باشا؟! ( أرجو أن تكون أكثر وعيا وتبصرا عندما تقرأ نصوصا في المستقبل ).
بعد ذلك، وبكل ما أوتي من سوء الطوايا والنوايا، أو من انعدام الضمير إذا أردتم، يتهمني " بالتشويه الجماعي لزملائي في المهنة يصل حد التشويه والثلب بغير حق (...) إزاء كل من الزميلين موفق حرب ودانيال ناصيف "، ويعتبر هذا " إيذاء للجميع "، داعيا إياي للتذكر ـ وهذا بيت القصيد ـ بأن زوجي كان اتهم دانيل ناصيف دون سواه بالعمالة للمخابرات السورية، و لكنه " بقدرة قادر أصبح عميلا للسي آي إيه وللموساد معا ومتتلمذا على يد أوري لوبراني "!! ويختم بجملة من الأكاذيب الأخرى التي ورطه آخرون بنقلها، بافتراض أنه شخصية حقيقية وليس أحد أولئك الذين يدافع عنهم ويستعير هذا الاسم.

حين ينعدم الضمير ويسود سوء النية والطوية يصبح كل شيء ممكنا، بما في ذلك اختلاق قصص وحكايا ووضعها على ألسنة الناس وهم لا يزالون على قيد الحياة، بل وهم يعيشون معنا وبين ظهرانينا. والسيد كنعان أحد الذين تنطبق عليهم هذه القاعدة بامتياز. وفي تقديري أن من كلفه الدفاع عن هذه القضية الخاسرة إما أنه لم يعطه الثبوتيات والقرائن المتعلقه بدعواه، أو أنه أعطاه قرائن مزورة وأدخله في قضية لا يعرف رأسها من ذنبها. ومن المعروف أن أعدل القضايا مآلها الخسران إذا ما وضعت بأيدي محام فاشل، أو إذا ما تم تضليل هذا المحامي. وعندها لا ينفعه لا ذكاؤه ولا " فهلويته "، و تصبح الوسيلة الوحيدة لكسب القضية رشوة القاضي أو ابتزازه أو إرهابه! وبما أن قاضينا لا يرشو ولا يرتشي، ولا يخضع للإرهاب والابتزاز، حتى بمعناه المجازي، سأبين للسيد كنعان أي منزلق دفع إليه، وأي نوع من الصابون وضع تحت قدميه في هذا الطريق من قبل أصحاب ذاك النوع من القضايا. ولنبدأ من الصفحة الأولى :

أولا ـ أنا لا أعمل مع هذه الجهة إلا منذ ربيع العام 2003. وبالتالي لا مجال للحديث عن سنوات بالجمع ؛

وثانيا ـ الخلاف بيني وبينهم لا يتعلق براتب. فأنا راتبي ممتاز ولا تعليق لي عليه، ولم يسبق أن أثيرت قضيته إلا مرة واحدة حين جلب موفق حرب بعض " الصحفيين " الأميين وأبرم لهم عقود عمل وفق مرتبات تفوق مرتباتنا نحن المتعاقدين قبلهم، والذين لا مجال بتاتا للمقارنة بين مؤهلاتهم ومؤهلاتنا، إلا إذا كان بالإمكان المقارنة بين الثرى والثريا. وحين عرضت هذا الأمر مع دانييل ناصيف في أكثر من مناسبة من أجل تصحيحه، وهو أمر غير مقبول أبدا، حتى في أعراف المافيات، وعد بوضع الأمور في نصابها( ولكن هيهات). ولعلمك أن هؤلاء الأميين، الذين يطلقون عليهم اسم " صحفيين " من باب المجاز والبلف، هم من أؤلئك الذين لا تسمح لهم حتى ثقافتهم العامة المبتذلة والوضيعة، كيلا نتحدث عن ثقافة " من العيار الثقيل"، بمعرفة ( وهذه حقيقة، وليست دعابة ) أن الجنرال ميشيل عون كان رئيسا للوزراء في لبنان وقائدا للجيش يوما ما، وليس قائدا لجيش لبنان الجنوبي (!!)، وأن رياض الترك، السجين السياسي الأشهر في العالم العربي، هو قائد للحزب الشيوعي في بلاده وليس زعيما للمعارضة الشيعية في سورية (!!)، وأن أنور السادات اغتيل في القاهرة على يد مواطن مصري وليس أثناء زيارته للقدس على يد طالب في مدرسة تلمود يهودية(!!)، وأن العائلة الهاشمية الأردنية تنحدر من الحجاز وليس من العراق (!!)، وأن جورج حبش فلسطيني وليس لبنانيا ( لمجرد أن اسمه جورج ) (!!)، وأن العلامة الأردني روكس بن زايد العزيزي أردني أبا عن جد وليس جنديا بريطاني الأصل جاء مع الجنرال غلوب باشا ( لمجرد أن اسمه روكس، ولمجرد أنه لا عهد لمعرفتهم بوجود مسيحيين عرب في الأردن) (!!). وغني عن البيان أن من يأتي بـأشخاص ومحاسيب من هذا النوع ليعملوا " صحفيين " في منطقة لا يميزون فيها بين ميشيل عون وسعد حداد، ولا بين خالد الإسلامبولي وإيغال عامير ولا بين معارض شيعي ومعارض شيوعي، لا يختلف أمره عمن يريد أن " يقلي البيض بضراط " كما يقول مثل شعبي متداول في المشرق العربي على نطاق واسع! أما الأكثر حماقة من هؤلاء جميعا، فهو من يناقش أمورا لا يعرفها، ويتنطح لقضايا لا عهد له بها. وحاله في ذلك لا تختلف عن أعمى يقدم نفسه شاهدا لإثبات واقعة زنى أمام محكمة يعرف مسبقا أنها تأخذ بالقاعدة الشرعية الإسلامية المحددة لشروط إثبات الزنى!

وثالثا ـ أنا لم أقم بالتشويه الجماعي لزملائي، إلا إذا كنت ـ كما يبدو من نصك ـ تعتبر موفق حرب أو دانييل ناصيف " مفردا بصيغة الجمع " ( بالاعتذار من أدونيس). وعندها سنكون أمام مؤسسات عصبوية وعصابية رعاعية لا تختلف عن " الشعب ـ القطيع " من وجهة نظر مجرم مثل صدام حسين يعتبر أي نقد لشخصه نقدا للأمة و لـ " الشعب ـ القطيع "، أو ـ إذا أحسنا التعبير ـ عن علاقة الصوفي بالرب وفق ما عبر عنها الحلاج : " أنا هو، وهو أنا ". فهل وصل الأمر بكم إلى اعتبار السيدين، أو أحدهما، ربا بالمعنى الصوفي؟؟ وهنا عليّ أن أضيف أمرا في غاية الأهمية، وهي أن طويتك الفاسدة يا عزيزي تحاول أن تثير فتنة رخيصة الهدف والمبتغى بيني وبين زملائي. فزملائي الصحفيون الحقيقيون ( الذين لم يؤت بهم من الزواريب ولم يمارسوا الزوربة في عملهم ) لا يزالون وسيبقون زملائي وأحبابي حتى بعد أن تركت العمل، بدليل عشرات الاتصالات الهاتفية التي تلقيتها منهم بعد ما حصل، سواء من واشنطن أو من دبي، وبدليل الرسالة التي كتبها تسعة منهم للمنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير ( ومنظمة " مراسلون بلا حدود " ) على خلفية قضيتي يصفون أحوالهم فيها بـ " العبيد الذين يعملون في إقطاعة، لا بصحفيين يعملون في إذاعة ". وإذا كانوا يخشون الجهر بمواقفهم، فلأنهم لا يريدون أن يذهبوا إلى عملهم صباحا ليروا " عسكر حرب وناصيف " بانتظارهم على الأبواب كما حصل مع غيرهم، ولأن عندهم أسرا تريد أن تعيش، سواء حيث يعملون الآن أو في البلدان التي أتوا منها ؛

ورابعا ـ من المعيب عليك أن تدعي كذبا بأن زوجي اتهم دانييل ناصيف بأنه عميل لهذه الجهة أو تلك، دون أن تأتي بشيء مكتوب وموقع باسمه يقول ذلك صراحة. وإذا كنت تخلط بين نزار كشخص وبين منظمة ما قالت ذالك، فهذا شكل آخر من التضليل والكذب غير المقبول. وهذا بالطبع لا يبرئ ساحة المذكور، فهو ـ والعهدة على زملائه وأصدقائه اللبنانيين كبيار عطا الله ـ لم يتخرج من مدرسة أوري لوبراني وحسب، بل وحتى من مدرسة " أوديت زاراي ".. وما أدراك ما أوديت زاري!
وخامسا ـ أنا لم أطلب لا من دانييل ناصيف أن يشغل بيار عطا الله، لا في " الحرة " ولا في " سوا ". فكيف لي أن أتواسط لشخص لا أعرفه إلا منذ عدة أشهر ( وعن طريق زوجي ) كي يعمل عند صديقه الذي يعرفه منذ أكثر من خمسة عشر عاما؟ ألا تعرف أن بيار عطا الله صديق لدانييل ناصيف منذ عصر سيدنا نوح؟ هل أنت سكران أو مخمور يا رجل؟ وهل تعرف ماذا تهرف؟

وسادسا ـ أي أفاك هذا الذي قال لك أن زوجي طلب أن يعمل في " سوا " أو " الحرة " أو أني طلبت له العمل في أي منهما؟ هل تعرف القصة التي تقف وراء هذا الادعاء الأجوف؟ إن كنت لا تعرفها، فإليك إياها : العام الماضي أرسل لي نزار الـ CV الخاص به من باريس لأنه أراد إعادة تنضديها وترتيبها فنيا وهو لا يجيد ذلك على الكومبيوتر. وبدلا من يرسلها على بريدي الإلكتروني الخاص في الإذاعة، أرسلها بالخطأ إلى البريد الإلكتروني الآخر الذي يفتحه جميع المراسلين. وبعد أقل من ساعة اكتشفنا الخطأ، فأخبرت زوجي الذي أرسل رسالة عاجلة اعتذر فيها عن الخطأ الذي حصل وطلب من كل من تلقى الرسالة أن يتلفها. فأي وغد وأي قليل شرف هذا الذي زرع في ذهنك أكذوبة وضيعة من هذا النوع؟

وسابعا ـ أي أفاك ذاك الذي أخبرك بأني باشرت عملي كمذيعة؟ وكيف تسمح لنفسك بالكذب على هذا النحو؟ هل تعرف أن عقد عملي كان أساسا كمحررة ( وهو العمل الذي أفضله دوما، لأنه العمل الصحفي الحقيقي )؟ وهل تعرف أنهم هم من أجبروني ـ بسبب حاجتهم في فترة التأسيس ـ على العمل كمذيعة لفترة من الوقت؟ وأني أنا من قلت لهم إن ذلك لا يناسبني لأني أعرف أن لدي بعض الهنات في الإلقاء؟ وأن الموضوع لا علاقة له بصوت أجش أو صوت ناعم؟ وبالمناسلبة، ولعلمك، إن السبب الأساسي الذي حال بيني العمل في الـ BBC و"العربية" هو ما اعتبره حسن معوض " صوتا ناعما " لا " صوتا أجش " كما تدعي. وأنت تعرف أن حسن معوض أخذ خبرته من الـ بي بي سي وليس من إذاعة ميليشيا، وحين يعطي صحفي من الـ بي بي سي رأيه في مسألة تقنية من هذا النوع، علي خريجي صحافة الميليشيا أن يلزموا الصمت!
وفي مطلق الأحوال، وبغض النظر عن رأي حسن معوض أو غيره في هذا الأمر، فأنا لي رأيي الخاص في هذه النقطة. وهي أن الصوت، وطالما كان في حدود المقبول من حيث الطبقة، وفي حدود الجودة من حيث الإلقاء ولفظ مخارج الأصوات، فإنه يبقى أمرا ثانويا. لأن الأصل في الصحافة هو التحرير.. إلا إذا كنتم تبحثون عن مطربات، مثلما بات معظم الفضائيات يبحث عن رقاصات وعارضات أزياء بدلا من مذيعات وصحفيات!

أما تاسعا ـ وهو الأهم من كل ما تقدم، لماذا " طنّشت " عن السبب الحقيقي الذي كان وراء المشكلة كلها؟ وأعني المستوى الانحطاطي من السلوك النفاقي الذي وصلت إليه وسيلة إعلامية يدعي القائمون عليها أنها أنشئت لدعم قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط، ثم يقومون بفصل صحفية لكي ينتقموا من زوجها لمجرد أنه رفع تقريرا مهنيا لرؤسائهم ـ بناء على طلبهم ـ لا يرضي غرورهم وادعاءاتهم ومصالحهم الأنانية الضيقة، ولمجرد أن الخبر الذي أذيع حول قضية اللبنانيين المفقودين في سورية لا يتساوق والنهج السياسي " البعثي" لدى من يقف وراءهم في وزارة الخارجية الأميركية، وبحجة أنه يوتر العلاقات بين الولايات المتحدة وسورية؟ هل تعتقد أن رجلا ينطوي دماغه على هذا النمط من التفكير الغبي والبليد، ويفكر بهذه الطريقة البلهاء، يمكن أن يكون جديرا بإدارة مزرعة للدجاج، كيلا أقول محطة فضائية؟ أليست قضية كبرى من هذا النوع، وفضيحة من هذا العيار، جديرة بوجود حد أدنى من الضمير والشجاعة لديك لتتوقف عندها كصحفي؟ وهل تعتقد أن جرد قائمة من المراجع في نهاية مقال يمنحه الرصانة حين يكون في الأساس مجوفا من الحقيقة؟ وهل من اللائق بأي صحفي يحترم نفسه أن يجعل من معهد زغبي مرجعا له بعد الفضيحة المهنية المدوية التي طالته حين نشر النتائج السخيفة والمضحكة لاستطلاعات الرأي حول الفائز في انتخابات الرئاسة الأميركية، فأعطى جون كيري 203 مقاعد وجعل جورج بوش في أسفل سافلين؟

أخيرا، أكرر إن المشكلة بيني وبين " جماعتك " لا علاقة لها لا بدرجة وظيفية ولا بترقية ولا براتب، ولم يسبق أن أثير هذا الموضوع إلا في المناسبة التي ذكرتها أعلاه، وبشكل عرضي، ومنذ زمن بعيد لم أعد أذكره. وهي باختصار مشكلة مبدئية بين " منطق الصحافة وذهنيتها " و " ومنطق العصابة وعقليتها". ومن قال لك غير ذلك، إنما رأي فيك مجرد درويش عثماني، وأراد أن " يأكل بعقلك حلاوة " و يعمل منك " وجه سفاهة " ومنبر كذب أو ممسحة لمباذله. والمطلوب منك بعد أن تنتهي من قراءة هذه المعلومات، أن تذهب إليه وتطلب منه أن يعتذر لك على استغفاله واستغبائه إياك، وعما سببه لك جراء الخديعة التي جرّعك كأسها حتى الثمالة، وإلى حد بت معه عاجزا عن التمييز بين الشروط اللازمة للتعاقد مع مذيعة والشروط اللازمة للتعاقد مع مطربة! وهو ما كان السبب في أني لم أسمع من بين سطورك إلا صوت " دق المهباج "!

دبي

[email protected]