مقدمة خارج الموضوع : الحق الغامض والوضوح الباطل

[هل ماساة كهذه سيكتبها امثال هوميروس ام خطاب نجوم التلفزيون الجدد، وادبيات وثائق المخابرات والاقبية كي تتحول ادواتنا الاعلامية الى مارشات حرب، ولم يعد اطفالنا كما كنا نتنشق اصوات فيروز وصديقة الملاية في كل صباح؟ وحين كبرنا كان شكسبير والحلاج يغزون اثاثنا العقلي والروحي، هل اصبح هذا الهرج الاعلامي الذي يستكثر على الناس سماع اغنية او مآثر ادبية ليجبروه على سماع تفاهاتهم التعبوية ووطنياتهم الجديدة المدججة بالندب وحوائط المبكى، وقد اثبتت في اليوم الاول انها تتبرج بالحصص والغنائم.... هل يكتب اشلاءنا الاميون الجدد نحن كتاب جلجامش الذين اسمعت كلماتنا من به صمم؟ هل ثمة اضطرار لاستعادت البطل القديم وهو رجل المخابرات ام ثمة فسحة لرمي هذا العالم في مراحيض التاريخ ؟ اجل ربما سيكتب اناشيدنا الجديدة وزير الداخلية وتصبح ثقافتنا وزارة التوجيه العسكري واغاني الجنود ! نحن نشك ان شكسبير سوف يحمي نفسه من حمالات الفضيلة الجديدة ولم يتطوع بالمدفعية ويترك المسرح .... يا للقدر ان يكتب مستقبلنا مرة جديدة بين مسيجات الاثم المطلق وهي تعيد الترهيب والتذميم الاسرائيلي او تعيد تذميم صدام القديم بمسيجاته المعروفة ليصبح صدام مسيجات التهم الجديدة ... يا لحظنا واقدارنا، نحن شعب المعرفة ندخل مرة جديدة الى مدارس تعلم الامية وليس محوها !!!]

ايها القادمون ارحلوا نحن لا نحب الحرية
يبدي بعض المهتمين بما اطرحه من افكار قدرا من الجزع وهم لا يجدون غير رجم الالتباسات بحجارة الكشف والفحص النظري، وهو منهج نقدي لا يختلف عن الرجم المجدلي غير العرفاني الذي يطهر الذات عبر اضحية الاخر وتعذيب جسده الخاطئ. البعض يطلب بدائل، والبعض ممن وصل الى التشكيك بالعمامة التي كان يلبسها فخلعها، طالبا مني الرشاد الى انه لا يكف ان يقول الله في كتابه : "خذ الكتاب يا يحيى"، ويتساءل لماذا وما الحكمة من اخذ الكتاب دون ذكر السبب؟ ولعلي اقع بنفس الغموض المنهجي حين احدث التكليف الالهي احتفالية لغوية وماهوية، لا تفض الى ما اعتاده العقل والمتلقي من منهج مكتسب، يقوم على انتظار الحل وتقديم الخطة المتقنة له، وهنا بيت الداء والخراب، هنا ايضا مكامن التغييب الذي افترض ان فضيلة الذات يكمن في غيابها، وهي تامل وجبة الطبيخ المتقنة كي تاكلها، بما يعني انها تكرس عبوديتها على عدم مشاركة الخلق المحكوم بين عنصرين، وهما الخالق والمخلوق كشركاء محتومين في منتج واجباتهما ودورهما وتبادعهما.
البديل منهج تلازم في زمن الكلاسيكيات الواهمة للناس المحكومة بالتخدير المؤقت،، وقد برع بشر التاريخ العبقري الى العمل على تقديم منهجية البدائل كمقدر حاسم لوظيفة التفكير والحلول، وهذا كرس نوعا من تراث الاليات والوظائف العقلية والتربوية، وكلها نوع من الارتصاف اللااخلاقي في بناء العلاقة بين المتلقي: العابد/ المؤمن/ العاقد ...ألخ وبين الطرف الاخر، بحيث انتهينا الى عالم نصوصي كبير الا انه غير مدون، يقع في تاريخ الصمت واللامصرح وغير المعلن، هذا التاريخ هو المسؤول عن كل ما نعانيه او نفترض انه معاناة واشكالات ومآس، لان العالم تعامل مع نصوص مدونة لا مع نصوص ممحوة الاعلان صامتة البيان، وهنا فقط عملنا واشتغالنا، حيث يقوم على تاريخ : المضمّر، الصامت/ المتستر في طاقية الحرف/ الواقع بصلافة الحدث وهو عالم غير مسيطر عليه تدوينا ونصا لانه عالم حوادثي متسيب الانفلاق وانشطار والتبدد، لا يحفل بالوظيفة التاملية.

لكل هذا اكرر ان اخلاقية الحيرة عند المتلقي ضرورية لتحيق الجزء الاهم من تاريخ غيبوبته، وهو الذات التي فطر ان يغيبها، بل تجلت تربيته على وراثة التغييب القصدي لها، كعمل فاضل وبار، اذن الحيرة اول خطوة باتجاه مواجهة المهمل والموحش الذي تركه كل التاريخ وهو الذات المغيبة . وعليه ان يشترك مع المادة الخلاقة كي يخلقا بعض، اذ بقي الوجود ناقصا لان احد اطرافه اضطلع في التكليف والتلقيم فيما الاخر مارس دور الترديد والحفظ والتلقي الكسول، وكان ان خُلق تاريخ من الغياب . اذن لا يملك الله الا ان يرسخ ارثا من الحيرة كي يخلق شراكة بين المخلوق والخالق، فيضمّر بطانة سرية لنظام الحرية، الا ان الكسالى والمتبلدين والدهائيين والمخادعين وتجار الفضيلة احدثوا فقها موازيا للعبودية ولم يعترفوا بتلك الشراكة الا لانهم استاثروا بايهام الاخر حول مراقبة فكرة التعبد الالهي لانه يعكس سلوكا يوميا للتعبد والخنوع لسلطان الفقه، وهذا الغرض من اخفاء الشراكة وهي تقدم نقصا وحلقة مفقودة، هي المساحة الوحيدة التي تتبنى قيمة الحرية والكرامة الذاتية والحضور الموازي للذات امام الخالق، اذ كل متقن وتكامل قدمه العرافون هو نظام عبودي ولااخلاقي.

امر اخر وهو المهم هنا، ما تحدثنا به هو عالم الافكار والصوامع البريئة البيضاء في سياق تصويب او التفكير التاملي، وهذا عالم يخص قلة ضئيلة في عالمنا، ربما تهمنا اكثر من تلك الكثرة التي فسدت وتعفنت واستنقعت على قيم متعازلة تقيم محددات الفضيلة كما تكيل اوزان البصل والثوم، حيث الغرض ايجاد علم اصطفافي بليد يخلق جماهيرية محضرة سلفا وهي جماهيرية اجهل امام اقلية المعرفة والخبرة والعلم والثقافة، وعليه فان طبقية الجهلة والعارفين تتمركزات الصراع، ولعلها في جهة ما تصرفت بعقل الكانتون وغرابات الاجناس الغامضة كالغجر الذين لا يقدمون سوى غموض الهوية وهم ينعزلون في المدن ويمارسون تقية وتورية من المستحيل عليها ان تنخرط في المجتمع، ولعلنا امام مجتمع محكوم باسقاط أي علاقة بريئة تقوم على اخطاء حسن النوايا عالم يتصرف كامي يشرف على درس الاملاء، فيحيل الكلمات لمعناها الامني لا المعنى الاستدلالي والوصفي البريء، هذا العالم يخفي اسوء مثالا وبطلا في التجربة والتاريخ وهو مثال الشرطي السري / المخابرات/ منهج الظن وفكر النوايا والتطير المضحك ...الخ، الذي يعسعس بالقصائد عن معلومة تآمرية ويبحلق بالموسيقى عن مخطط انقلابي، هذا المجتمع، مجتمعنا فسد الى حد ما بعد الخيبة وذلك لانه قرر اقامة مفاضلة يديرها بضعة تجار ودلاّلين ولصوص ولاعبي بوكر سياسي، حسموا فكرة التفاضل على قاعدة انعدام البراءة وانعدام البعد الانساني بالمطلق حيث فرضوا على هذا البعد مفاضلة الولاءات والاثميات، بحيث لا نتمكن من الاعتراف باننا في بلاد او مجتمع او فصائل بشرية بل قبائل فاضلة واثمة تمتلكان انفصال النظام الكوني بين الشر والخير بطريقة لا تتخطى جدران غ رفة او مكتب حزب او نادي انترنيت، اذ لا نتمكن والحالة هذه من الوثوق بالنظام البيولوجي والطبيعي او تلك الاهواء والاماني والتسليمات المعطاة لنا من خلقنا دون ان يصيغها حزب او ايديولوجيا او اصطفاف، وكلهم وقعوا في استبدال الانسان بفكرة وولاء ومحددات مسطحة وغبية، حيث هناك اعادة توصيف وصياغة رديئة للغاية تحدد صلاحية بقائنا وعلاقتنا بالبشر الاخرين اسوة بذلك القياس المجرد للانسانية بكونها الطبيعي المترامي والهائل الاحداث، وهي صياغات ممنهجة بالإهماج والبربرة الضارية، يقودها اسوء من حقق تكليفا مفزعا لنظام الحكمة والسلطة الادبية، وهؤلاء وحدهم احتكروا صياغات الفضيلة بل امتلكوا سلطة التوصيف الانساني في وقت هم اكتسبوا كل الطعون الاخلاقية والمعرفية والادبية، الى حد اجبر فيه المجتمع مكرها على تقبل احكامهم وتصوراتهم، حتى انهم لم يرتقوا الى درجة نظام الاختلاف والخصومة الفكرية، كما شاءت الافكار والمنطق ان يتعامل مع جبهات فكرية رصينة تحمل منهجا يستحق النقد، ويستحق وصف السوء مما لم تصل له تلك الخلطات المدهشة، كما حدث لكل الافكار السيئة في عالم الغرب، لان النقد هنا يجنح الى الانتحار ان هو وجد منظومة له [تفكر] بنقد عالم بلا افكار بل مجموعات هائجة من المعازل البشرية تعكس عالما فراغيا مشوها لا يمتلك حتى منطق السوء بسياق فكري او ادبي، ما يجعل مهمة الافكار ان تدفع هذا العالم لتبني السوء كمنطق عقلاني، أي نحن مضطرون للبحث عن عقلانية السوء، بوصفها فكرا، ثم نعمل على نقده، ويا لها من مهمة صعبة ومستحيلة، بحيث انك تشجع الخاطئ ان ينتمي لخطئه بافكار، ولا ينتمي لخطئه بجهالة!! ثم تجد لغة مشتركة لنقده، فأن نتقد هوج وضجيج ومكابشات الغرائز الطائشة التي تحمل شحنات انتقامية وتدميرية تحاول تفريغها من خلال سلطان جاهل ضد أي مستوى من المسرة والجمال والبراءة، حيث ان هذا العالم الانساني والجمالي، يقوض سلطانها ويجعل السلطة للسلام والتامل والجمال، وهنا تدل حروبها الخفية على السلطان المرجعي، بين عالمين ينتسبان كل مرة في عالمنا، الى صراع بدء التكوين وتاريخه الاقدم، حيث الحضارة امام البداوة والتكهيف والغابة المقنعة بازياء وافكار وديكورات العصرنة والتحديث.... انها مهمة صعبة ان تبحث عن خطيئة منطقية معرّفة بفكر، بل وتعمل على مساعدتها لان تكون خطيئة معرفية لا خطيئة منحطة وامية، ذات صورة فوضوية لا تحمل أي هوية فكرية او معرفية كما حملت كل اخطاء ومؤرخات المعرفة المنقودة، وتاليا حين تعيد صياغة نفسها بالافكار تجد فائدة من نقدها، أي تنتقل من سوق الحدادين الى قاعة مكتبه او باحة جامعة، كيف ننقل الاقكار من اسواق المزاد والبازار الى الجامعة والندوة والمكتبة؟ هذا هو مصدر الاعباء الكبرى التي تنحصر بين نخبة جاهلة وامية وبين نخب مهمشة وذكية ومبدعة، معقمة ومحمية من فخاخ البازار النقدي بين شيطان بدائي ورحمان همجي، ولّفتهما جيوش النخب الكاسحة، كل مرة كبنية دبية تفرخ مجتمع الجنود والعبيد ونخب الشرطة.

تطرح تقنيات ثورة الاتصالات والمعلوماتية ومنها التفلزيون والفضائيات، قاعدة من التفلتان الادبي، ان في صلب مجتمعها المنتج لها وان في مجتمعات تستهلكها، والاخيرة تقدم لنا من الكوميديا ما يردم قدرتنا على تحمل اختناق الفكاهة والضحك والسخرية المنفوخة فوق العادة، سنترك اهتزازات المنتج ونتفحص فلتان المستهلك وهو ينهضون من عمر الغيبوبة الطويلة من التاريخ، كما تطرح رمزية اهل الكهف كي يجدوا المئات من السنين اشبه بليلة واحدة، ويتعاملوا مع تلك الغيبوبة العملاقة من الزمن بممارسة مصمتة للازمنة المعاصرة فيما افكارهم الناطقة هي عشية نومهم في الليلة الاولى قبل تلك المئات، بحيث تتمركز همومهم قبل المئات وربما الالوف في تقنية تطورت وتراكمت كل هذا الزمن العملاق. الاكثر سخرية هو ان هذا العالم ما زال يتصرف مع غياب حجته المعاصرة وان حارب عقل التاريخ فينقد الاعمال الشريرة والمخربة القادمة من فكرة الاسلاف والتاريخ بنفس منظومة الغياب وبادوات السلف والتاريخ وسنن قدمائه، وهذا ما خلق ربيعا للملالي وحصادا مربحا للعمائم، اذن الفخاخ التي تستدرج العصرنة ومحاربة جنون المتكهفين المعلبين بالاسطورة الزمنية الغائبة هو في استدراج الحجة ضدهم او الايقاع المغفل للفضيلة في استخدام الملالي والعمائم والمتطفلين على الحاضر باعتماد قاعدة نقدية من الملالي المضادة لملالي التكفير وكلاهما في ذات النظام، وهو التكفير سلما والتكفير ذبحا، وهذا يسحب كل الحاضر بضدياته الى ازمنة الكهف وليلته الاولى، ما يجعل السطوة الادبية والنقدية منشقة بين ملالي الدم وملالي السلام، وهذا يترتب عليه اصطفافات عمياء واراء تنتهازية، تعوّم ثقافة الارتجاع الجماعي الى الماضي، كما لو ان الحاضر بلا حجة ولا قيمة ولا فضيلة ولا قيمة ولا حداثة ولا منظومة ادبية وبيانية تستحق الثقة والاحترام بل هو حاضر كله غائب لمصلحة حضور الماضي.

ولعلنا امام عالم طقوسي ايقوني مناسكي، فقهاء سلمه اخطر علينا من فقهاء قتله، لان قبح الفقه القاتل يكرس فقهائية السلم الايقوني والطقوسي الملائي، ويا لهول الماساة التي برزت ملامحها ومشهدها بصدق وقوة يقينية تكرس الغياب المطلق للتحديث والعصرنة وكل ما ادعي في كرنفالات القرن العشرين، الذي يبدو بدا تنويريا يرتدي قناع التمدن وانتهى الى مجتمع الحجاج والملالي والمشايخ والفقهاء والارتجاعات للماضي حيث يثبت ان الحاضر مفلس لا يملك ادنى فضيلة او مراجع فاضلة امكنها ان تقدم افكارا محترمة ومفسرة تعيد للغائب في الحلم لحمه ودمه وتغيب الحاضر بموته وتاريخه وقبره .
بطولات تلفزيونية وبداوة ثورة الاتصالات

ادوات الاتصال والتقنيات كلها بخدمة الماضي، نقدا له او ولاءا، بحيث ان الاستقطابية الحاضرة والفخاخية هو انقسام التاريخ في حاضرنا الى الحد الذي فرض ما يشبه لعبة غير مقصودة تحدد منطقة الاصطفافين هنا او هناك، وكلاهما اصطفافات في التاريخ والماضي، حتى اصبحت العمائم نجوم الشاشات، تعيد بنا ذاكرة الضجر والقرف والاشمئزاز، حين كان العسكريون والضباط الاحرار والطغاة يسيجون المنافذ البصرية الاعلامية ويغلقون ثغرات التنفس البصري وان بهوامش الوقوع سهوا، انه عالم اتقن خنق الحرية جيدا حتى بلغ فيه الاتقان في التسييج والتحبيس ان بارى الله في تغييب مساحة السهو والخطا، كما تبين فضيلة الرب في سياق سهوه القصدي بغواية الشيطان والنزول بعد تاريخ التفاحة!! اما السهو في عالم اتقن انتاج فضيلته على قواعد الارجاعات الماضوية المكرسة بالمسيجات السردابية، للاعتراف بغيابه بل وخوفه من الحاضر والمستقبل، بما في ذلك قادة ومحازبي خطاب الحداثة، ممن تجد انه ارتبط بافكاره بطريقة الموضة او الاستكساب وعقل الفرقيات المميزة كما معازل الانساب والكنتنة القبلية، بحيث لا يعرف انتماءه ولا افكاره المعلنة ولا تدل ذبذبته على مستوى من احترام او تصديق افكاره هو، حيث تراه في هذا الإفضاح والتخليع الفكريين بانه لا يقل عن تفكير احد الملالي حين تسحبه عملية النقد الى اعتماد القطبية المقابلة للاعمال الارهابية وهي قطبية تقوم على قاعدة نقد الماضي بعقل الماضي، الامر الذي يدل الى ان الحاضرين والحاضر بلا حجة ولا فضيلة ولا حضور، حيث الماضي احتل كل مسامات الحداثة، على ان هذا التفكير هو تفكير دلاّلين وباعت مزاد خردة ومروجي صفقات بيض ودجاج، ولا يستحقوا صناعة الراي العام في منتج تقني لا ينتمي لتاريخ الماضي ولا لاوهام الزمن الغائب في رمزية اهل الكهف، انما ينتمي الى جهود معرفية وعلمية جبارة، لابد انها تمتلك انبل الحجج والدلائل على وجود فضيلة معاصرة رافقتها اكثر حكمة من السلف كناموس طبيعي محكم لا منسوخ، يتصل بشرطية حاسمة . ان عالما ينتج كل هذا الرفاه والخبرات والتقنيات سيكون من الطبيعي انه عالم افضل من سابقه، كما هو من المحتم يملك خزينا من الحجج والدلالات على الفضيلة والخير والرقي ادق واقعية من تلك الرجوعات الى مثال الاسلاف والتقيد بما فعلوا كانهم في حراك متقن لسيطرة التماثل اللاهوتي وهو يفرض استباق الانفعال الحوادثي بجهوزية تلقائية لفكرة المؤمن وترتيب فطرته وغريزته على مستوى من نظام الاتقان الاستباقي الساكت، وهذا مستحيل ان لم يكن مخالفا اصلا لنواميس الطبيعة الالهية والطبيعة البشرية معا.

الإحشاء السائد في عالمنا حيث تقدم خطابه وافكاره تلك التقنيات المستعارة التي لم تشهد حراكا تراكميا موازيا بين شرطها الادبي وشرطها المعرفي العملي المبتكر والمبتدع، هذا الحشو البصري المفترض تمثيله لافكار يقوم على مجموعة من المغص العقلي والثرثرة البصرية، تقدم افلاسها وخوائها بكل تؤدة وتبرج، لاسيما خلاصاتها اللاشيئية ما خلا معتمدات قدامية ساذجة تتصرف بقيم التهريب و "القجغ" الروحي والديني، الذي فقد خطابه السياسي أي حشوة معاصرة، فلم يجد غير الاستعادة الفولكلورية للدين وليس الاستعادة الفكرانية او الروحية، ما يؤكد التطور السريع نحو انحطاط اكثر وتبدلات من الماضي الى الامضى، أي الماضي اقل انحطاطا من ذلك الامضى المعاصر، بحيث ان الماضي امتلك حججه فيما الحاضر لايملك في ماضيته تلك الحجج ولا هو امتلك حجته المعاصرة في تشكلها الفاضل والموجود حتما.

تبرز مجموعة مسيلة من ابطال التقويل والاقوالية المجوفة وهي توجد نظامها النقدي على منظومة غضبية منفعلة ومتوترة، امكنها فرز العالم الى قطبيات فراغية بين عالمين من جنس واحد على مستوى الفحص وعلى اساس جبهة الافكار والمعرفة والثقافة التاملية، خطاب من التراشق القبائلي، وجد مفرداته المحدودة ووجد منظوماته الاصطفافية المختصرة والمكثفة، تتحرك في محيط من الصراخ والتراشق والحنجرية اللاهثة، التي تستعيد ارث التهوييس والهزج والندب، الى حد تبدو تلك الحوارات المتلفزة ضغطا سيكولوجيا مجزعا، وهو يدور في مستوى من الامية البصرية والانخلاع الذوقي في نظام الصوت والتحدث والكلامية والبصر، حيث تتسابق كما الجري السريع، تحاول فيه ابتلاع المساحة دفعة واحدة، في لغة تنحدر مع الانساق المنحدرة كلها، تتصرف مع المتلقي كما يتصرف الاعلام القمعي ونظام النيابة عن الاخر الملغى، او المتلقي المخصي والمفرغ تماما وهو ينتظير تلقين الخطيب والمتحدث، ولعل ذلك يدل عن غياب مريب للثقافة البصرية والثقافة الفكرانية بما فيها من سياقات متاملة ذات دلائل معرفية محاججة وموثقة في تفسير متحلل ومجزأ لا يقوم على السدم العمياء التي تعطي الثقافة السائدة المزيد من الشعارات والانشاء التعبوي، المتمحور مع حراك اعمق افترض وجود بيئة قابلة لتحويل عالم الادبيات الى طنين لفظي وتكثيفات مشعوذة تمارس كسلها عبر تحويل المتامل الى صراخ وزعيق، يفرض نوعا من التناظر بين الاضداد حيال النظام الفكري والتاملي والبصري، الى حد المثلية بين ارهابين، وكل ذلك مزكى ومشفوع بنظام توضيع القطبيات بين شر قديم وخير جديد، فيما عمليات تعطيل العقل والمعرفة والسلام اللغوي والصلاح الانساني على قدم وساق، وقد تدرج الامر حتى اصبحت تقنيات الحداثة نوعا من علاقات البادية والعالم البربري، تعبر عن صفقة مفزعة بين عالمين مختلفين لم تترافق تقنياتهما مع تطورهما الادبي والفكري والمعرفي كمن يبيع غنمه ونوقه وخيوله كي يشتري طائرة نفاثة! فبدى السائد والمسيطر هو مجوفات مسطحة قائمة على ثنائية كسولة مؤسطرة قادمة من لغة تدل على ما هو اسوء من لغة اهل التاريخ بل تدل على وجود تنشئة قوية للعقل القدري والتعطيل القصدي لنشاط ابتكاره وفعله واليات شكه ويقينه، تصل الى علاقات شبيهة بعلاقات موقف الانسان من العالم على اساس العقل الطوطمي الماحق وهو يفسر، الـ "هنا" والـ "هناك:، على ضوء استمرارية الخوف والخوف البديل حيث وجد مرتكزاته وقحطه المعرفي، ليضيف الى ارث الماضي تطورا جديدا الى الخلف والاخلف، كما تفرض عناصر التطور على هذه القواعد.

الحصبة التلفزيونية في العراق تتساوق مع الحصبات العديدة، فالمجتمع كله شرب محلول الاسهال المعوي بعد مرض الانقباض الطويل الذي ساده، محققا عملية تخزين فوق قدرات الطبيعة مما جعل جرعة المسهل التي تناولها قوية جدا بمستوى ذلك الانقباض الداخلي، وهذا خرب نظام المرجعيات العادية واحدث فوضى هائلة في التعاريف والمفاهيم، حتى حل مثلية مضحكة في نظام النقد ونظام المساءلة وهي تصل الى ما بعد الكوميديا، تقيم نظاما من عدوى ادبيات واعلاميات الضد الماضي، بحيث كل مجموعة او جريدة او تلفزيون او حزب او تجمع فمحلة صغيرة على راسها رمز مطلق يبتلع ويكثف قيم الكون في ثنائية خيره وشره باسمه ويطوب سراط الحقيقة في الحيدان والاستقامة في نسبة الوقوف منه، لاسيما قسوة التمحور والتمركز الافرادي، في ارث العصمة الفولكلورية وهي تختصر كل العالم بمثنوياته الالهية والشيطانية في صورة الولاء لهذا الرمزية، اذ لا معرفة ولا خطيئة ولا كشف ولا نقد فساد او مخالفة الا لانها تتمركز طباقا في الطرف الاخر، وهو الطرف الاثم والذميم، الطرف الذي تكثف وتاثث في الرمزية الشيطانية مقابل الرمزية الرحمانية، وهذا ما ساق استعادة موفقة للتوتر الادبي والاخلاقي مع منظومات فكرة النقد والولاء للنظام السابق، حتى بدى صدام قد ترك جرعة من الاسهال داخل المجتمع وهو يقيم ولاءاته على صدامات رمزية متناثرة في كل مكان، فالنقد يقيم ارضيته على حصانة وعصمة الرمز الاول، كما كان صدام يحيط نقده بالاطلاق الشيطاني، وتاليا عوم منظومة ادبية تلصق الالغاء الشرعي الماحق للمواطنة فالانسنة من أي متجاوز او مخالف للعصمة العليا، وهذا يترتب عليه مادة وثبات حجة هي، تمكنت عبر نظام الخوف والانقلاب الوجداني الداخلي الى تعطيل تظام السر الضميري، ان تحدث اجماعا مخدرا تدرج في الرابط الادبي الى مستوى خروج الذات على ذاتها وانسانيتها ومواطنتها في حال هي خرجت على الرمز، ما تعمم الخاص وتخصخص العام حتى ترك قيمه ومنظومته في العالم الحالي، أي عالم ما بعد صدام، ومن خلاله فان مخالفة الرمز بعد تعويم نظام الشيطنة الجديد والذي لصق بصدام، فان المخالفة تصب في خدمة هذه الشيطنة وان خالف المحازب والمواطن نوع السجائر التي يدخنها ذلك الرمز، وان لم يحدث هذا الان فان التدرج الذي ينمو نحو الامام، بغياب الافكار والمراجع التفسيرية والمعرفية، وشيوع الولائية والفساد والاطلاق الادبي، فانه من المحتم ان تكون نقد اغنية يحبها القادة الجدد سيكون مصيرها الخيانة فالالصاق العادي بمصير الشيطنة الصدامية التي اصبحت المحمول الجديد لتصدير الازمة وحماية العقل التوتري والاستنفاري والبطولي والماساوي، الذي لا يختلف عن المحمول الاسرائيلي كيناء تهمي وخوفي وزجري عند الحاجة ضد الخصوم، وتاليا شرعنة نظام الطوارئ والمواجهة وتصدير الازمة وتهجير النقد للشيطان. والمشكلة هنا ليست نظام الشيطان الا لانه يفرض ضده وهذا هو الغرض، اذ دائما الضد هو الرحمن، ومن هنا تقيم انظمة المضمرات شيوعها في عالمنا حيث لابد من جبهة شيطان كي يتحقق المضمر الصامت اللامصرح به وهو الرحمن المزيف!!.

البلادة البصرية وخطاب النجوم الجدد، ايضا يدعمه تراكمات التريّف التقني، والذوق القروي، وهو يشيع قبائله الجديدة بما تؤمنه من نظام الاعماءات المعرفية، فالقيمة ليست بالمعرفة انما في الاصطفاف القبلي الجديد الذي حل يحداثة مشكلة على عصبوية التجمع وجوهر قيم العصبة القبلية، وقد يكون تجمعا ديمقراطيا او ليبراليا او تقدميا، وهذا لغوي صرف لم يحقق جوهر دلالته انما جوهر عصبيته فقط . قديما حين دخلت اول التكنولوجيا كان من يمتلك ثلاجة او سيارة فهو سيد ومطاع، بل وامتلاكه سيارة تحاط بتمنن على الناس اما اعجوبة التلفزيون فانها تمنح المالك حق استعباد الجيران والانفة عليهم، وهذا طبقا لمفهوم ما يزال لم يدخل نظام الحاجة والضرورة التي تحكمم علاقات الناس انما في معظمه يدخل نظام الوجاهة والفضلة وعدم اللزوم الا بغية اعلاء شان الشخص امام محيطه الامر الذي يضمّر قواعده الريفية والبدائية غير المحكومة بالحاجة المدنية، ولعل التطور والتراكم جعل ادوات الاتصال نوعا من نظام الانس والهواية الزائدة والترف ما فوق الحاجة، فيما يحدث ان يتاخر تشكيل الحاجة والضرورة امام كل تقنية جديدة، فيصبح نظام الوجاهة والتشوّف والتزيين مع كل تقنية جديدة، تجعل مستعملها قد حقق نوعا من التفوق والوجاهية على غيره وكل ذلك ليس في سباق الجوهر والمادة المعرفية بل بنظام التظوهر والاعلانية المجوفة، لانه لم ينتقل الى منظومة الظرورة بسبب علاقاته وحاجاته الريفية العميقة، ما يجعل تمدنه مجرد تبجحا وفضلة وغير لزوم بالحاجة المباشرة التي تجعل كل حداثة تمسرحا وتوّفا وقناعا تنزعه عند لحظة الحقيقة ليظهر وجه البدوي التائه بصحارى التقنية المعلوماتية. حتى الاثاث البيتي يدخل بنظام الظهورة الاعلانية، كما الدعاية والاعلان يحوي هذه الاذواق البصرية الخاوية المبالغ بها بغرض التشوّف والوجاهة وليس بغرض الاستفادة الذاتية والاستخدام، أي الذات في اقل علاقة لها ملغاة في مشواف الاخر ومكانته على احتلال تلك الذات التي تعرض له ولا تمارس حاجتها للمعروض. من هنا اصبحت التقنية التلفزيونية ضربا من نظام القرية والريف، يقدم الاشخاص ليحلوا كرمزية على المتلقي لا بسبب خبرتهم ومعرفتهم بل قدرتهم على الظهور وحشو الظهور بالزعيق والسباق اللغوي والبصري الضاغط والمرهب للاعصاب، ما يدعو لمحو امية بصرية وتلفزيونية وامية اتصالات هائلة، يتقاسمها المتلقي القادم من تاريخ الانقباض والاحتكار الاعلامي الى جديد الاسهال، وبين مجموعات الاسهاليين الجدد وهم يوظفون ارث الانقباض القديم كي يتسللوا من مساماته لجمهور يعتقد ان كل من يظهر على التلفاز له فضل على الاخر او انه حاز على اطلاق التسلط والقدرة على التفاضل وسبق الاخر، كل ذلك يدور خارج سباق المعرفيات والجوهريات وقراءة الحاجة المباشرة المدعومة باخلاق معاصرة تشخص مكان الفضيلة وتقدمها، ما يجعل هذا الاخلال مشعا بالقبح والاميّة البصرية والمعرفية، قائما على نظام التشوّف والتمنن والمكرمة والرمزيات المتلفزة ذات البيئة الجد ريفية.

عقل التكفير بين الليبراليين الجدد، الإهراج التلفزيوني
لقد اصبح النظام النقدي نظاما تكفيريا يقع في الإهراج التلفزيوني ايضا، ويبدو سلوكه الحداثي سلفيا يحاول التستر بتهجير الازمة الحالية الى استذكار وتحضير الماضي بانيا الامجاد والاوغاد على نقديات الماضي، وهو بذلك يكون البنية الوجدانية للارهاب والترهيب الجديد، هذه البنية كل مرة تقيم حوائط مبكى وندب يمكنه من تحقيق مادة ادبية والاعلامية لها قدرة على تغليف القواعد النقدية من خلال خطاب الماضي، تلصق بكل مخالف علاقات الماضي، وهذا ما ترمز بالذروات العليا لشخصيات السلطة، كان نموذجهما تراشق الجلبي والشعبان وهما يتساوقان في صلب المنهج الذي اسلفنا حيث لكل منهما مسوقات وسياقات التهم الشيطانية وهي ترتدي خطاب اسطرة الاشرار والاخيار، والنتيجة هي تكريس الشر في طرف ضد اخر انطلاقا من اجماعات شعبية حسمت فكرة الشر الاعمى والخير المعصوم باعماء المؤمن رامي حجرات الشيطان في كل حج تطهيري قائم على الرجم، وهذا ايضا يتناغم مع الوظيفة الاعلامية الهابطة الذوق وهي تقيم ما يجب ان يكون بين ممرات القضاء على عالم البصريات، الى حد الصبيانية واليفع الثقافي والمعرفي، اذ ثمة لكلاهما ارتكازات النقد المؤسطر، حيث اسرائيل وصدام يقعان في نظام المسيجات الاثمة، في المكان المشبع بارث الصناديق المغلقة، والتخواف الاسطوري غير المبحوث او المفكر به، حيث مصائر البشر ترتكز على هذه الرعونة المثيولوجية التي لم يقودها هيميروس او كاتب جلجامش وهما يحددان البعد الاكواني الشاسع لفكرة الخير والشر، انما يحدده ويكتبه من مثل الشعلان والجلبي وصدام وقادة الاحزاب وباعت الفضيلة الجدد وهم يصنعوا المحددات المثيولوجية لمصير البشر . انه قدر مريب ان يدخل الانسان مغارة علي بابا وينسى الكود السحري كي ينفتح الباب حيث لا يجد بدا من انتظار الاربعين حرامي من متاعب سطوهم كي ينفتح الباب امامه ويتسلل نحو الحرية فيكت حريتنا اللصوص ولم يكتبها هوميروس.